بالماء يا وطني
إنّه قلبي الذي صَغُر، و ليس كل عارض قلبي احتشاء...
استيقظت في تلك الليلة الصفراء على وقع وطني في البيت، كان يمشي مشية دائرية، يدور حول نفسه، يهمهم بكلمات لم أفهمها.
حدثته، فلم يرد، ابتسمت له، فعبس..كان لعبوسه في وجهي صوت يخبّرني أنني مذ غادرته فقدت شرعيّة السمع، بعدما كنت فيه بلا شرعيّة النطق.
جلس وطني على سقف بيتي مجاوراً تماماً للثريا الأمريكية البسيطة، كان مضيئاً و مهيوباً، و يحمل في عينيه سلام الدنيا كله.
فتح يديه أمامي .. و رأيت أصوات بكاء، رأيت أطفالاً يحملون الشموع و يصلّون، و هناك قرب السبابة كانت بدايات دماء.
أمسك وطني جهاز (الكمبيوتر) ، و فتح صفحة (الفيسبوك) خاصتي، ثم كتب كلمتين من ماء، ماء لا حياة دونه و لا بقاء.
و بينما أنا أراقبه..ربتت على كتفي يدٌٌ، التفتت إليها لأرى سيدة قصيرة بعين واحدة، صرخت خوفاً، و إذ بها تقول لي:
– لم تعرفيني يا ( دكتورة) أنا "سناء"..سناء التي قتلني أخي لأنّي تزوجت من طائفة أخرى..تذكرتني ؟
و قبل أن أرد سمعت صوت خلخال:
– ( الدكتورة) لا تنسى مرضاها، (ما هيك) ؟ ثم رنت بخلخالها:
– أنا "جميلة" أرقص على قفا من يحمي أخوتي من الجوع..
"جميلة" هذه كانت امرأة طويلة، رأسها يدق بالسقف..السقف الذي جلس عليه وطني.. وطني !!
عاودت النظر إلى مكان الوطن، لكنه ما عاد هناك.
نظرت "سناء" إلى "جميلة" ثم قالتا معاُ:
– لا تبحثي عنه، لقد أعتقلوه.. هس هس هس .. ما تقولي لحدا.. بس هادا اللي صار..ديري بالك ..طولّي إيدك ولا تطولي لسانك..هس هس هس ...
و أخذتا تدوران حولي، و تدوران، و تدوران، إلى أين سأهرب و أنا في بيتي؟ ارجع أيها الوطن.
بينما أحاول الاستيقاظ نظرت إلى شاشة (الكمبيوتر) لأصرخ بما كتبه الوطن:( وحدة وطنيّة)..و تابعت الصراخ: كتبتهما بماء العقول يا وطني، و ليس بدم الأخوة..ظللت أصرخ إلى أن اختفى المكان بالثريا البسيطة، و أصبحت تحت السماء الوحيدة.
حلمي كان مخيفاً، مخيفاً و مؤلماً، قبلما ينتهي أيقظني هذا الألم في الجهة اليسرى من صدري.
بكيت مطولاً، لم أعرف أألمي من يبكيني، أم عجزي.
أغمضت عيني لأتذكر مريضاتي.. أتذكرهما علّني أتناسى شوارع الوطن.