الاثنين ٣٠ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم لمى نور الدين محمد

معادلة دينية

 الحقيقة قاسية، لكن بالإمكان أن نحبها، وهي تجعل من يحبونها أحراراً.-

جورج سانتايانا

أنت تعلم أن الوطن يسكنك في كل تفاصيل حياتك، ويهيمن على روحك المغتربة عندما:

تبحث في مفردات أبناء الوطن عن سبب العلّة، وعن الحل، فتذهلك ردود البعض اللامنطقية، واللاإنسانية.. ومع ذلك لا تكرههم لأنهم أبناء الجرح معك.

عندما يسوّد محيط العين من قراءة للمقالات التي تلّخص الوضع، لتكتشف أنك بكل نقاء بعدك عن السياسة.. أصبحت مضطراً لتتبع ذيل السياسة وهي تلتوي وتنساب بين أزقة لطفولتك، وتنشر سمها في وجه الجميع.

عندما لا نستطيع النوم لثلاث ليال متوالية..التعب حاضر، والإنهاك موجود، لكن النعاس يضج في داخلك.. صخبه غريب، وعالٍ.. كأصوات أطفال الحارة التي تركتها تلعب وراءك، غبار النوم ينتثر في داخلك، لتأخذه أصوات أنين تحفر في القلب.. يئن بصوت أبناء وطنك، فيقعدك مع فنجان سابع للقهوة، وغصة في الحلق.

لوكنت كاذباً أومنافقاً لكانت حياتك أسهل.. فأنت وبوجهك الحقيقي لا تجيد مطلقاً اكتشاف أقنعة الدجالين الذين هم من الجبن والخسة بأن يطعنوا في الظهر فقط.. يا لألم الطعنة في الظهر! ..كم أنت اليوم تتألم يا وطني...

لم أرها منذ هربت في تلك الليلة السوداء التي غلفت حيطان الوطن بهباب الكره الأسود.

والكره يصنع كارثتين إحداهما كالبركان مدوّية، والثانية بصمت الحر الصيفي.

الجميع خاف الكارثة الأولى إلا أنا وقفت الثانية في حلقي، ولم تغادره.. وكيف تراني أتحدث الآن والكارثة تذهب بجميع الحروف إلا اثنين.

لم أر الحلول أبداً، منذ بدأ الحديث بصيغة( سني- علوي) يطفوعلى السطح، بكامل عفنه، ونتانة رائحته، ذاهباً بجهد القديسين الذين أحرقوا سنيناً من الصمت، وأشعلوا أصابعهم كي يذهبوا بالعتمة.

كنا ننتظر بزوغ فجرل ليل الاستبداد، ليقفز كابوس الطائفية وينط في جميع التفاصيل، والنط كما تعلمون يُجهدك دونما أية خطوة للأمام.

أذكياء أنتم يا من تجيدون العزف على وتر الطائفية الذي يذهب بسمع المتغابي قبل الغبي..ها قد حلت الكراهية مكان الحلول، ولم يبق سوى "وجد" يستحضر لنا كل يوم حلاً جديداً...

و"وجد" صديق العائلة منذ القديم، وهوليس رجلاً عادياً.. لا بسرواله المتسلق إلى أعلى كرشه المدوّر الصغير ولا بلسانه السليط، وطريقة كلامه اللاذعة.

رجل في الأربعين، بعينين سوداوين وادعتين غاصتا بين كم هائل من التجاعيد التي غطت الوجه الأسمر، دالة بعمقها على تاريخ مليء ب(أكل الهم)، والقلق على كل شيء.

منذ شهرين يقوم "وجد" بدور الديك، يوقظ المنزل كله في الخامسة صباحاً على تقرير إخباري مفصل.

استيقظ ولمّا أكن قد غفوت تماماً بعد على صوت زوجي يصيح:

 هيك رأيك.. مومعقول.. البارحة كان لك رأي آخر.

ويخرج صوته من سماعة الهاتف:
 يعني كل يوم بتطلع محطة إخبارية عم تكذب.. من وين بدي جبلك خبر موثوق.. من "رويترز" يعني؟!

والحقيقة أن تقارير "وجد" الإخبارية تصدر عن وسائل الإعلام المتاحة لشعبه، وعن قنوات تناسب إعلام القرون الوسطى المستخدم هناك:

"أبوحمادة" سائق التكسي جارهم في الشقة المجاورة، و" أم الرز" الراقصة جارتهم في نفس العمارة، بالإضافة إلى تحليل حاسته السادسة للوضع، والذي يتغير بتغير المحطة الإخبارية التي كان منسجماً معها –في الخفاء- في الليلة السابقة.

اليوم لم يتصل"وجد"، ومع أنني كنت أتذمر من هاتفه الصباحي، إلا أنني قلقت عليه، قلت مطمئنة زوجي:

 بيكون مع "أبوحمادة" .. لا تخاف.

فأجابني ضاحكاً:

 أنا خايف ولا أنت .. لا تخافي بيكون مع الرقاصة...

عاد زوجي للنوم، بينما تابعت سهريتي متخيلة الأسباب التي أخرّت التلخيص (المحلي) للأحداث المتسارعة.

فتحت جهاز (الكمبيوتر) وجلست أتنقل بين الأخبار المتعددة لما يقارب الألفي صديق: سوريون، مصريون، توانسة، ومن جميع البلاد( المهيمن عليها)، أقلّب فيما يكتبون، وأرى كيف تطفوالمعادلة الدينية على السطح غير قابلة للحل، ولا للانسياب مع الدول، تقف الكارثة الثانية في حلقي، ونبوءة سيئة تجتاح مخيلتي تقول:
لن تتوقف الدماء قريباً..

توغلت في الحزن إلى أن انتشلني صوت الهاتف، وجاء صوت"وجد" حزيناً، ومتألماً:

 أنا (ما بقى رح احكي )معكم.. الدماء تملأ الحديث ، وعندما يتحدث الدم يصمت البسطاء، أصلاً..

اعتقلوا "أبوحمادة"..صمت قليلاً ثم أضاف: و"أم الرز" أخذت بطولة مسلسل و(ما بقى فاضية)!

يتبع...و


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى