تأملات في كتاب «خارج مدارات السرب» لطلال أبو شاويش
مقدمة:
بعد صدور كتاب (وقت مستقطع للفرح) ٢٠١٧ عن دار الكلمة، بغزة، للكاتب طلال أبو شاويش، صدر له كتابُ (خارج مدارات السرب، قصص ونصوص) 2021، وكان قد صدر له سابقاً أربعة مجموعات قصصية أولها (وداعاً أيها الأنبياء) ١٩٩٩، وأربع روايات كان أولها(نستحق موتاً أفضل) 2005.
ولعل أهم ما لفت نظر الدارس في أدب طلال أبو شاويش كونه صوتاً من الأصوات الأصيلة حاملة الحلم القديم المتجدد، وقامة أدبية إبداعية يستأهل نتاجه الأدبي الدراسة والتحليل، وهو أديب متنوع الإبداع في الرواية والقصة والنصوص الأدبية، وهو كاتب غزير النتاج، كتب ونشر الرواية والقصة والنصوص النثرية؛ حتى بات صاحب هُويَّة أدبية متميزة، وبصمة خاصّة به؛ لهذه الأسباب عمد الدارس إلى دراسة آخر عمل أدبي له، وهو كتابه (خارج مدارات السرب، قصص ونصوص)، والذي صدر عن مكتبة سمير منصور للطباعة والنشر والتوزيع، طبعة أولى سنة 2021 م، والذي يتألف من (160) صفحة من الحجم الصغير.
وصف الكتاب:
والكتاب عبارة عن مجموعة من القصص والنصوص، وقد أولى الكاتب اهتماماً فنياً كبيراً بتبويب الكتاب وعنونة قصصه ونصوصه، وإعطاء كل قصة ونص رقماً خاصاً به، وقد تألف الكتاب من(٥١) قصة ونصاً أدبياً، وقد عمد الكاتب إلى ترقيم هذه القصص والنصوص ، بحيث أصبح كل قصة ونصٌ يحمل رقماً خاصاً متسلسلاً (١)، (٢)، ويأتي تحت الرقم عنوانُ القصة أو النص، وجاء الكتاب بخط واضح أنيق، جميل وغلافه الأمامي والخلفي متناسق مع موضوع الكتاب ومضامينه، وبذلك يكون الأديب قد أولى فضاء القراءة والتلقي الاهتمام المناسب فنياً. وخُتم الكتاب بإيراد قصة بعنوان: (خارج مدارات السرب) ورقمها المسلسل (51)، والتي سُمِّي هذا الكتاب باسمها.
ويدرك المتلقي أن هذه القصص وتلك النصوص قد جاءت متداخلة متشابكة، وقد تمكنت هذه القصة المتأخرة من أن تجتذب القارئ وتستهويه، وقد حققت عنصر الدهشة والمفاجأة، إذ يستفز عنوان الكتاب (خارج مدارات السرب) شوق القارئ؛ لتقليب صفحاتها محاولاً حل لغز العنوان، حيث جعل القصة التي تحمل عنوان الكتاب هي آخر قصص الكتاب، ذلك أن القارئ لا يدرك المغزى الذي يرمي إليه عنوان الكتاب إلا بعد قراءة مجمل القصص والنصوص.
لم يعمد المؤلف إلى تقسيم الكتاب إلى قسمين: أحدهما(قصص)، والآخر(نصوص) ذلك أن هذه القصص وتلك النصوص قد جاءت متداخلة متشابكة؛ الأمر الذي يصْعُب على القارئ العادي التعرف إليها بسهولة، إذ إن القارئ المثالي المتمرس– وحده- هو الذي يستطيع بذكاء وفطنة أن يميز بينهما.
ويثير هذا الكتاب قضية تداخل الأجناس الأدبية فيما بينها، ولم يكن الكاتب أول من جمع في كتاب بين فنين أدبين مختلفين، وإنما سبقه في ذلك كتاب أجانب وعرب.
فمن الأدب الفرنسي كتاب "نصوص الصبا.. قصص وتأملات"، للكاتب الفرنسي غوستاف فلوبير، ومن الأدب الصيني كتاب: "أزهار البرقوق، قصص ونصوص"، لمجموعة من الكتاب الصينيين، ومن الأدب العربي كتاب بعنوان: نقاوة، نصوص، خواطر، شعر، قصص" لانا الشيوخي، وليندا الشيوخي 2015، وكتاب بعنوان: "ذاكـرة الزمـن، قصص ونصوص مفتوحة" للقاص رمـزي حسن.
ويبدو أن الكاتب من أولئك الفريق الذي يؤمن بفكرة أن لا فواصل بين الفنون الأدبية، وتبقى الكتابة هي السمت الذي يجمع بينهما؛ لذا يلحظ القارئ أن السرد هو القاسم المشترك بين النوعين الأدبيين، فقد أراد الكاتب أن يجمع بين جنسين أدبيين مختلفين في بنيتهما الفنية، لكنهما يشتركان في عنصر أساسي ألا وهو السرد"، الذي يعد أحد أساليب البناء القصصي، وآلية مهمة من آلياته.
ويمكن القول بأن الكاتب يعد واحداً من الأدباء الذين لا يؤمنون بالحدود بين الأجناس الأدبية؛ لقناعته بأن التداخل بين الأجناس، أمر طبعي، والحق أن مثل هذا الأمر غريب على ذهن القارئ، وأنه لم يتعود على مثل هذا النمط من التداخل الإجناسي.
وعلى الرغم من اطلاع الكاتب على تلك النماذج، فإنه يظل لكتاباته ورؤيته طابعها الخاص، وسماتها المعينة، فقضايا المجتمع الفلسطيني المعيشة لها فرادتها، ووجعها الاستثنائي، ويمكن دراسة الكتاب بتقسيمه ثلاثة أقسام.
أولاً - المضامين الفكرية:
قارب الكاتب في قصصه القصيرة ونصوصه النثرية عدداً من المضامين الفكرية التي امتاح مادتها الهيولي من واقع الإنسان الفلسطيني المعيش، شأنه في ذلك شأن سائر الكتاب، وإن اختلفت الطريقة، وتباين الأسلوب، فالرؤية متشابهة، فالمحور الأساسي لقضايا الكتاب هو محور الإنسان في آماله وطموحاته، وفي واقعه ومعاناته.
لقد تعددت المضامين التي تناولها الكاتب في كتابه وتنوعت، فهو يحكي عن غزة وحصارها البغيض ومشكلاتها وتفاصيلها اليومية والحياتية التي تنعكس في البشر، ويسرد هموم اللاجئين في المخيمات، وقسوة الحياة في ظل تداعيات الانقسام المميت، ووحشية السجان، وبؤس المعتقلات، والعدو الصهيوني الذي لا يتورع عن قتل الأطفال بوحشية مخلفاً الآلام والحزن والخيبات في نفوس ذويهم وناسهم، كما يحكي عن حتمية العودة إلى الوطن، والتمسك بالتراث الفلسطيني، وفي سائر هذه المواد يتوزع بين ما هو ذاتي وما هو جمعي، ويتداخل فيه الهم الذاتي بالهم العام، فيشكلان معاً رؤية موحدة.
أما مأساة الإنسانية من جراء العدوانات والقتل، فإن الكاتب يبدع في تصويرها عبر تقنية السرد والوصف، ففي قصة (ضحكات خاصة جداً!) يقارب الأديب مآسي العدوان الصهيوني على غزة، وتداعيات هذا العدوان، فصوّر الأديب انعكاس ذلك العدوان على حياة الأطفال، إذ رسم في عمل أدبي له صورةَ فتاةٍ فلسطينية هي إحدى ضحايا العدوان، فقدت عقلها، وأباها، وتشردت أسرتها، فراحت تمارس التسول، إذ كانت كلما سمعتْ أصوات الطائرات (الزنانة) تأخذ في الضحك والقهقهة، معبرة عن مدى إحساسها بالقلق والخوف والفزع الذي ينتابها تحت هذا القصف، وهذه اللوحة تعكس الوضع الذي يعيش فيه الأطفال في غزة المنكوبة، يقول الكاتب واصفاً مشهد تلك الطفلة:
"في اللحظة التي كانت تتقدم نحو مائدتي للتسول، اخترق سماء المكان هدير طائرة حربية... انطلقت قهقهات الطفلة المتسولة حتى ابتلعت جميع الأصوات الأخرى في المكان...ارتبكتُ وتسمرتُ أمامها مذهولاً...يا لعينيها الخضراوين الجميلتين! وأي صوت لضحكاتها العذبة الأشبه برنين أجراس كنيسة صباح أحد؟! ملعونةٌ تلك القطعة النقدية التي ستصرفها من أمامي...عاد أزير طائرة (زنانة)، فراحت تمطرني ضحكاً، لتبدو أمامي كدميةٍ جميلةٍ تصدر القهقهات الطفولية دون توقف...منحتُها قطعةً نقديةً متردداً وغير راغب في إنهاء المشهد المثير... غادرتِ الطفلةُ المتسولة الضاحكة، تاركةً خلفها بقايا قهقهات، راحت تنمو زهوراً في رخام مائدتي ... باغتني النادلُ يحمل قهوتي ، التقط سؤالي التائه بين زهور الضحكات وتمتمَ وهو ينظر صوبها: في العدوان الأخير كانت تبلغ من العمر أربعَ سنوات...علّمَها والداها أنْ تضحك حين تُغير الطائراتُ لتلقي بحممها فوق رؤوس الآمنين...درّبوها على ذلك جيداً..كانوا يحاولون طمْأنتها على طريقتهم.. فصارت كلما داهم هديرُ الطائرات سماء غزة تنطلق ضحكاتُها دون توقف... انتهى ذاك العدوان القاسي لكنَّ ضحكات الطفلة لم تنتهِ...!!)،(الكتاب ٥٨ ، ٥٩ ).
تجسد هذه اللوحة مأساة فتاة فلسطينية وقعت ضحية الحرب على غزة، فكانت أنموذجاً إنسانياً حيِّاً لبراءة الطفولة المذبوحة، وقد تمكن الكاتب من نقل هذه المشهد التصويري بلغة شفيفة مترعة بالحزن والأسى، وظف فيه تقنية تعدد الأصوات، إذ عبر عن موقفه من هذه القضية على السارد ولسان النادل؛ ليضفي على المشهد حيوية وحياة، فجاءت اللوحة صادقة صدقاً واقعياً وصدقاً فنياُ في آن واحد.
ويلحظ القارئ أن الكاتب عمد إلى ادغام رؤيته وموقفه بالتشكيل الجمالي الفني لعناصر القصة؛ فالإيجاز، واللغة المكثفة الموحية التصويرية مثل قوله: "صوت ضحكاتها رنين أجراس كنيسة صباح أحد"، "راحت تنمو زهوراً في رخام مائدتي" ، والاقتصاد في الشخصيات: السارد والفتاة والنادل، ومحدودية عنصري المكان والزمان، وتوظيف تقنية السرد والوصف؛ الأمر الذي جعل للمشهد تأثيراً قوياً في نفوس المتلقين وعقولهم، فحقق المشاركة الوجدانية معهم، وهي رسالة الفن الحقيقية ووظيفته.
ثانياً - القصص القصيرة في الكتاب:
أورد الكاتب عدداً من القصص القصيرة التي استوفت بناءها الفني، واستكملت عناصرها الجمالية والتعبيرية.
ومن القصص القصيرة التي وردت في الكتاب؛ قصةٌ جاءت تحت عنوان: (خارج مدارات السرب)، وتحكي القصة حكاية شاب أُصيب بمرض نفسي جعله يتصرف تصرفات غير سوية أخرجته عن تصرفات الإنسان السوي، فخرج بذلك عن مدارات السرب، يقول الكاتب راسماً بعض أبعاد شخصيته وملامحها:
"بعد فترة ليست بالطويلة صار يتنقل بين أماكن محددة، يتدثر بأسمال بالية...يطلق لحيته وشعره، ويطل بصدره العاري، ورائحته النفاذة مُحدثاً صخباً كبيراً...يدور حافياً في شوارع المدينة... يداهم قاعات الندوات الثقافية، يقطع حديث الكتاب والمثقفين بقهقهاته المتهدجة.. يتأملونه ويبتسمون بحزن ثم يعبسون، يمر ببيت صديقته، يردد إحدى النكات البذيئة، أو أغنية أحباها معاً، تطل عليه من شرفتها...تبكي بحرقة حتى يحترق وجهها، وتكاد تنهار وتسقط" يقتحم عيادة الطبيب مقهقهاً، فيناوله الأخير حبة أو حبتين من المهدئات...يلتقطها ويبتلعها دون ماء، ويغادر مقهقهاً، تاركاً الطبيب متلحفاً بعبوسه..." (الكتاب ص154).
يرسم الكاتب في المجتزأ السابق صورة متكاملة الأبعاد لشخصية إنسان مريض نفسياً، ويرصد تصرفاته بكل جزئياتها وتفاصيلها الدقيقة، ويبين وموقف الناس تجاهه، فهناك فريق يسخر من ويستهزئ من تصرفاته، يقول السارد :
"ضحكوا جميعاً...ضحكوا.... قهقهاتُهم ترتطم بزجاج النوافذ، فتصدر رنيناً يرتد كطلقات تخترق دماغه...." (الكتاب ١٥٢).
ومنهم من يتعاطف معه مثل سائق السيارة الذي يشفق عليه، ويقول (بلهجة محلية):
"ربنا يفرجها، ويغير هالحال.. الناس راح تنجن من هالحم" (الكتاب : 154 ).
ومنهم من يشعر بمأساته ويحاول بصدق وتفانٍ مساعدته في سبيل الخروج منها مثل صديقته.
يتخذ الكاتب من هذه الشخصية أنموذجاً لشخصية إنسانية وقعت تحت ظروف قاسية أظنها السجن في إحدى معتقلات الصهاينة، شخصية نضال منها المرض النفسي فألقى لها العبوس، وعدم القدرة على الابتسام، فهو لا يملك سوى القهقهة فجاءت تصرفاته غير لائقة، فإذا به يتصرف خارج مدارات الإنسان الطبيعي.
وفي قصة أخرى بعنوان: (صباحات غزية) يتخذ من الحلم مادة لصوره الفنية وأفكاره المستكنة في مخيلته؛ ولتحقيق ما لا يستطيع تحقيقه في أرض الواقع، فهو يسترجع عن طريق الحلم وجه أبيه وأمه وحبيبتيه وذكرياته معهم، فهو يحكى عن حلم الهروب من ذلك الواقع البائس المعيش يقول:
"كل هذا السيل من الأحلام.. دفنت في قعر الكوب، وراحت سحابات الدخان تتوالى فارغة خفيفة، غابت وجوه أبيه وأمه وحبيبته، تلاشت التفاصيل الصغيرة كافة ، اختفت الأماكن المتفجرة والذكريات الجميلة! ما أصعب أن يحيا الإنسان بألف أحلام! أن تشرب قهوة الصباح، وتنقص دخان سجائرك، دون أن تبتسم، أو تبكي أو تقهقر أو تتحسر أو تخجل أو تتلوى ألماً، الحلم مر بك ليلاً، فتصحو صباحاً لتتيقن بأنك ما زلت حياً "!!! (الكتاب19 ).
ولكي يستكمل الكاتب جوانب الصورة استعان بعناصر بنائية متعددة منها: الزمن صباحات غزية، والمكان، والأحداث. والثنائيات الضدية ليلاً وصباحاً، والألوان، والعادات والتقاليد المحلية.
لقد صاغ الكاتب قصصه بلغة تصويرية اشتملت على المجازات التصويرية الشفيفة الموحية بعيداً عن التعمية والتعقيد، وهي لغة مترعة بالحزن والأسى، وتحتوي على بعض الرموز الشفيفة الموحية، فالكائن الشوكي الأسود رمز خفي لداء الكورونا، يقول على لسان أمه العجوز:
"هذا الكائن الشوكي الأسود، يطوف بجسدي كله، يتسرب في دمائي، من رأسي حتى أطراف أصابعي"(الكتاب : ٧ ).
أما "جيبات الغرباء" فترمز لجيبات الاحتلال الصهيوني زمن الانتفاضة،
يقول الكاتب عن أيام الانتفاضة:
"يزرع العجوز مشاهير في القطع الخشبية… أمام عجلات جيبات الغرباء".
( الكتاب١٣٩).
وفي إحدى قصصه يوظف تقنية الحوار الخارجي مع أمه المستقى من عالم الأحلام، فهو يحاور أمه متحدثاً عن الشباب المغترب عن أرض الوطن، وهي تؤكد أن عودة المغتربين إلى أوطانهم ضربة لازب، وأمر حتم، مهما طالت مدة الغياب، فيقول محاوراً أمه:
– هذا ابن عمي وليد يا أمي، عاد بعد سبعة عشر عاماً من هناك!
رمقته بصعوبة بالغة، وتمتمت وشبح ابتسامة بالكاد يرتسم على شفتيها المتشققتين:
عاد أخيراً؟ كنت أعرف أنه سيعود، مهما طال الزمان.
وهذا هو البحر يا أمي، ما أروعه وسط هذه العاصفة! أتعلم؟ لقد نسيته تماماً، هل تعلم معنى أن ينسى الإنسان بحره؟ وماذا عن الوادي؟ لم أره منذ مدة، هل ما زال يحتفظ بحصاه؟ وهل تجري فيه مياه الأمطار شتاءً كما كان يحدث منذ زمن؟
مررنا به يا أمي، وزكمت رائحته الكريهة أنفينا، ألم تنتبهي إليه؟ (الكتاب ص ٦).
تدور فكرة هذه القصة حول فكرة العودة، ذلك الحلم الذي يداعب كل فلسطيني، ويظل يلازمه منذ طفولته، وحتى نهاية حياته، حلم العودة إلى الوطن المغتصب المستباح، وبالرغم من كل تلك العقبات من تخلي الأخوة، ومن قسوة المحتل، ومن حرب ظالمة غير متكافئة، ومن سلام زائف، وحصار ظالم، فإن الفلسطيني ما زال متعلقاً بأرضه، ويحلم بالعودة إليها، رافضاً مقولة أعدائه، "يموت الكبار، وينسى الصغار".
ويلحظ المتلقي في هذا الجزء من النص القصصي الحوارَ التلقائي المتدفق بما تمتلكه من طاقات درامية إيحائية، والجمل القصيرة التي تناسب حالة الأم من مرض، وكبر السن، ورؤيتها وفكرها وتجاربها الحياتية العميقة، فضلاً عن الأساليب الإنشائية الاستفهامية التعجبية التي تحرك المشاعر والخواطر، وتمنحها قدرة فائقة على نقل المعنى.
وجاء مزجُ الكاتب تقنية السرد بالحوار؛ ليدفع الملل والرتابة والسأم عن المتلقي، واتكاءُ المؤلف على انتقاء الألفاظ الموحية يعبرُ عن قدرة وبراعة في مجال إيصال رؤيته ومقاصده، (فالشفتان المتشققتان) تشيان بكبر السن وحالة المرض، و(البحر) رمز الحياة والصمود، و(العاصفة) تشي بالصعوبات والمعيقات والأهوال من احتلال مستبدٍ، وحصار بغيضٍ، وتداعيات انقسام مريرٍ، أما(الوادي)، فيرمز للخير والبركة والأصالة و(حصى الوادي)، هم أبناء الوطن المتجذرون فيه، وكأن الأم تشير إلى المثل الشعبي القائل:" ما يبقى في الوادي الا حصاه"، وذكرُ الوادي وحصاه يوحيان بعمق الذاكرة الفلسطينية وتجذرها في الوجدان، وتشبثها بأرضها، ووطنها السبي، وجميع تلك المفردات تحمل طاقات رحبة من الدلالات والمعاني الموحية.
ويرصد الكاتب بأسلوب فيه لون من السخرية والتهكم التغيرات التي جرت على المجتمع ويعكسها على الوادي الذي تحول من مصدر للخير والبركة إلى مكب للنفايات يجلب الأذى والأوباء لسكانه، وهذه المفارقة التصويرية تعمق الدلالات، وتحمل معاني رحبة مسكوت عنها.
ويشعر القارئ في توظيف تقنية الأحلام أن الشخصيات تتعرّف إلى واقعها لأول مرة من خلال الحلم الذي يختلط بالواقع بدرجات متفاوتة في القصة، فالكاتب قد استخدم أحلام اليقظة للتعبير عن عوالم شخصياته الداخلية، إذ يلجأ عادة إلى تقنية الحلم للهروب من واقعه المفعم بالمتناقضات؛ ليعيد التوازن المفقود إلى نفسه.
وثمة قصة قصيرة فانتازية - مثل قصة رقم (٣٧) التي حملت عنوان (من الذي مات؟)، وهي تحكي قصة شهيد خرج من القبر بعد دفنه، وقصد إيضاح نفاق الناس وزيفهم تجاه الشهداء أمثاله مصوراً ذلك في صدق وبراءة، يقول:
"أَهَاُلوا عليه التراب المبلل بالدمع، انتظر للحظات حتى يغادر المشيعون، ثم انسل، من قبره، وجاءني، لم يفهم المارون في المكان حقيقة ذاك الوميض...طلب قهوتها وهو يزيل بقايا الطين العالق في ملابسه، كان غاضباً من هؤلاء الحمقى الذين أفتوا بموته، وقرروا دفنه" (الكتاب١٢٠).
وفي نهاية القصة يوجه السارد المشارك سهام النقد السياسي والاجتماعي، للمجتمع في سخرية سوداء تحفز المتلقي إلى التفكير والتأمل، يقول الكاتب:
"نهض ليغادر، تابعتُ الوميض الذي لم يهتم له أحدٌ من المارة...تركني مخنوقاً بحيرتي: من هو الميت منا... أنا أم هو? أم هؤلاء جميعا؟!!!( الكتاب 122).
وكان لمعطيات المكان ونثرياته في قصصه القصيرة أهمية كبيرة، فهو يرمي إلى نبش ذاكرة الإنسان الفلسطيني ويذكره بوطنه، عن طريق استرجاع ذكرياته في مخيم اللاجئين ، حيث البؤس ومرارة العيش، والفقر والمرض، يقول:
"يستريح جسد مخيمنا على كتف الوادي المجاور.. يغفو في سكينة العزلة وينام، مدخله أو الشريان الجنوبي ينبعُ من العاصمة، يهزه بين الحين والآخر"( الكتاب:١٣٩).
ويبرز السجن أو المعتقل علامة تتردد في غير مكان من قصصه؛ بوصفه مكاناً لتعذيب المقاومين، يقول في قصة (سجان) على لسان السارد الذاتي الذي يصف قسوة المعتقل وبرده القارس:
"البرد اللعين يتسرب عبر أرديتي السميكة؛ ليحز عظامي... موجات سُميِّة تنساب في ساقيّ لتستقر في أطراف أصابعي؛ لأشعر وكأنني انفصلت عن الأرض تماماً حتى أكاد أطير، الرعشات المتلاحقة، واصطكاك الأسنان تضطرني للانكماش إلى الداخل حتى أكاد أذوي وأتلاشى....الرائحة الكثيفة التي تتخصب في الممرات المعتمة بين الزنازين وفي جدرانها تسبب لي الاختناق، صرخات الألم وهذيان النزلاء المشبوحين الموجودين تصفع روحي كل مرة" (الكتاب ٤٠).
ثالثاً - النصوص النثرية:
من المعلوم أن النص الأدبي هو عبارة عن لون من ألوان النثر الأدبي، وهو مادة أدبية مكتوبة؛ بقصد التعبير عن الرؤى والأفكار والعواطف والأحاسيس، فتكون ذات نزعة ذاتية، بمعنى آخر، إنه يتم كتابة النص الأدبي أو سرده أو معالجة القضايا من وجهة نظر الكاتب الشخصية، ويعكس موقف مؤلفه.
وقد وفق الكاتب في استثمار عناصر النص الأدبي، وجعله قريباً من النص السردي، وأضفى عليه تقنية السرد واللغة عليه، فغدا قريب الشبه بالقصة القصيرة؛ الأمر الذي حقق الاتساق والانسجام بين مادة الكتاب بأسره، يستخدم الأديب لغة موحية ذات دلالات وطاقات إيحائية، وتصاغ النصوص بلغة ادبية مفتوحة على تفسيرات متعددة، ويحتاج كاتب النص الأدبي إلى استخدام الصور الخيالية الموحية بالمعاني والأحاسيس، إن المغزى الرئيس من كتابة النص الأدبي أو سرده في الواقع هو تحقيق المتعة الفنية والجمالية المستمدة من القراءة.
إن نظرة فاحصة إلى الكتاب، تهدي إلى القول بأنه يحتوي على عدد من النصوص الأدبية النثرية التي يمكن أن نطلق عليها نصوصاً أدبية مفتوحة؛ لكونها جاءت متداخلة بالقصص القصيرة. ومن تلك النصوص؛ نص (رسالة إلى صديقي الأسير)،والذي يحمل رقم(22)، بدأ الكاتب رسالته مخاطباً صديقه الأسير بقوله:
"وأنتَ هناك تشتبكُ بشراسةٍ مع الزمان والمكان، وسجانكم، وتحيا بصدقٍ حماسِ اللحظة الأولى، فتحسم خيارات الموت والحياة، لصالح الفكرة الأولى والشعار الأول، وتعمق انتماءك للحلم الكبير، وأنت هناك تنحت بأظافر دامية جسد الصخرة الصماء متتبعاً ثقباً للأمل، وأنت هناك (غارساً حدقاتك في الأسلاك) مرتقباً رفاق الوعد، يحثون الخطى نحو ضفاف الحرية" (الكتاب75).
هذه الرسالة موجهة إلى أحد المعتقلين الذي يمثل الأسرى جميعهم، فهو ينطلق من الهم الفردي؛ ليرصد عالم الهم الجمعي، إنه يستزرع أمل الحرية ويستنبت الفكاك من أرض الاعتقال، وهي رسالة معبرة ومؤثرة وصادقة، وقد تولد تأثيرها من ألفاظها وعباراتها المجازية، التي اشتركت مع عناصر الزمان والمكان والسجان، وخيارات الموت والحياة، وجسد الصخرة الصماء، يحثون الخطى، ضفاف الحرية؛ لنقل أحاسيس الكاتب.
ويلجأ الكاتب في الرسالة إلى توظيف تقنية تعدد الأصوات؛ لإضفاء لون من الحياة والحيوية، ففي الرسالة صوت لأحد السجناء يرد على رسالة صديقه الذي خرج السجن، وفيها دعوة غير مباشرة للرفاق؛ لتخليص السجناء من أقبية المعتقلات، وظلام السجون وقسوة السجان، وقد ختم الكاتب رسالة ذلك الأسير برد لصديقه الأسير على رسالة صديقه بقوله:
"كلَّ عام وانتم بخير يا صديقي...عَممْ على خنادق المقاتلين دعوة لاجتماع عاجل.. تداولوا في حقيقة ما يجري في السجن الكبير، واصطفوا معاً في سجنكم الصغير، وأعلنوا مولد عهد جديد.. لا تنتظرونا...نحن مَنْ علينا انتظاركم؛ لتحررونا من أسرنا المقيت، فلا تتأخروا عنا طويلا!!! ( الكتاب 77 ).
يكتشف القارئ في هذه الرسالة الأمل القوي الذي يعيش في نفوس هؤلاء المعتقلين في التحرر من ربقة السجان، وفيها دعوة ملحة لتحرير الأسرى والمعتقلين، وفيها نقد مبطن لأولئك الذين يتكلمون عن ضرورة تحرير الأسرى بدون فعل ولا جدوى.
ويلاحظ المتلقي أن الكاتب وظف في الرسالة عناصر بنائية قصصية منها السرد والشخصيات والمكان، والحوار، فكانت أقرب ما تكون إلى القصة، وبذلك يتحقق للنصوص التلاحم والتشابك، فلا يشعر المتلقي أن هذه النصوص منفصلة منعزلة عن القصص في الكتاب، بل يشعر أن بينهما لحمة قوية تتمثل في وحدة الشعور ووحدة الموقف ووحدة الرؤية.
وثمة نص آخر بعنوان: “ الخيول الأصيلة تتعجل الرحيل" يمجد الشهداء وما قدموه من تضحيات في سبيل الأوطان، يقول:
"ثلاثون عاما مرت ...شاخت أمي و شاخت و شاخت أحزابنا وحركاتنا، وشاخت ذاكرتنا وشاخ السجن، وشاخ المخيم، وشاخ الاحتلال، بل شاخ العالم كله...كلُّ شيء يشيخ إلا الشهداء...لأنهم كالخيول الأصيلة يتعجلون الرحيل دوماً... لكنهم وحدهم لا يشيخون أبدا!!! الكتاب74 ).
يبين النص السابق منزلة الشهداء ومكانتهم عند الله وعند العباد، وما تكرار الفعل (يشيخ) الذي يوحي بالتغير والتحول إلا ترسيخ لمنزلة الشهداء، ورفع لمكانتهم، فالتكرار ظاهرة نصية تضفي على النص الترابط الدلالي، ويعمد إلى الإبانة، وتعميق المعاني، وهذا ما يجعل المتلقي يستنجد بالمتن، من هنا سيحاول تلمُّس المعنى في الخطاب النصي للكتاب.
وقد عمقت صورةُ تشبيه الشهداء بالخيول الأصيلة المعنى، وأضفت عليه حيوية وحركة، وفي النص إبرازُ لنقائص أحزاب الوطن وحركاته النضالية، وكشفٌ لتقصيرها في حق السجناء، وقد جاء ذلك بطريق غير مباشر، فهو ينتقد المسئولين وتقاعسهم عن الأخذ بثأر الشهداء، وكان للسارد الذي كتب الرسالة بضمير المتكلم الممزوج بضمير الجمع (نحن) حضورٌ كبير، ودورٌ جليٌّ في الكشف عن مشاعر الصدق، وعن العواطف الجياشة التي تسري في جسد النص وشرايينه.
وقد استخدم الأديب لغة موحية ذات دلالات وطاقات إيحائية، تولدت من استعمال الصور الخيالية الموحية بالمعاني والأحاسيس.
وفي نص أدبي نثري آخر يقول الكاتب في نص بعنوان: "البيت العتيق":
"...في البيت الأول القديم تشكلنا ونمت في قلوبنا زنابقُ الحب للفقراء والمسحوقين ... وفي عقولنا كبرت إرادةُ الثورة والنزوع نحو التغيير... ذلكُ البيتُ الأولُ العتيق.. ومهما هجره سكانُه وعربد فيه الفراغ... ومهما داهمه الغرباء... ومهما اهترأت جدرانُه بفعل عوامل التعرية البشرية والطبيعية، ومهما نهش الصدأ أبوابه ونوافذه… ومهما نبحت حوله كلاب الليل الضالة، واستوطنته قطط الشوارع … ومهما رمقته العيون من خلف ستائر الفيلات والقصور الفخمة بحقد وشماته ورأته فائضاً لا معنى لوجوده... يبقى ذلك البيتُ العتيقُ عنواناً للهوية ومنبعاً لشلال الكرامة.. يبقى مزاراً لمن ضل الطريق وفقد البوصلة؛ بل ربما آخر جدار يمكنه أن يستر عوراتنا جميعا... فكل القصور التي باغتتنا أخيراً كنبتٍ شيطاني هي قصور من وهمٍٍ شُيِّدت من ديدان وورقٍ أسود! (الكتاب١٠٦، ١٠٧).
ركز الكاتب في النص السابق على قيمة وطنية تراثية إنسانية هي ضرورة التمسك بتراثنا وقيمنا القديمة والحفاظ عليها، فمن لا قديم له لا جديد له، وعلينا ألا نهمل تراثنا، بل نحافظ عليه، ونحميه من الضياع، ونعشقه، وقد اتخذ بيته العتيق نموذجا لذلك ، وهو رمز للتراث ولكل شيء جميل في حياتنا ففيه طفولتنا البريئة، وذكرياتنا الذهبية.
وفي نص أدبي نثري بعنوان: (طاووس!!!) يعالج الكاتب قضية الغرور والكبرياء التي تتسم بها بعض الشخصيات في المجتمع، إنه يعري مثل هذه النماذج، وينتقد تصرفاتهم بقصد تخليص المجتمع منها؛ ليكون مجتمعاً سليماً من الأمراض النفسية والاجتماعية السيئة. إذ يسرد بلغة سردية مفتوحة، وقد استغل تقنية الحوار الخارجي يقول محاوراً زوجه:
– "سننتظر قليلاً قبل الحفل في الصالة الخارجية... وسيندفع الجميع لمصافحتي... سأحاول تجنب العناق كي لا يفسدوا مظهري... سيصفق البعض فور وصولي ترحيباً بي... وسيهبّ موظفو الفندق وعلى رأسهم مديرهم لاستقبالي بحفاوة... سيدعونني لتناول النوع الذي أحبه من الجاتو، وكأس الزهرات الذي أحبه... اسمعي... لن أتناول شيئاً... الطبيب في مركز الأعشاب المتخصص نبهني إلى أن وزني قد ازداد قليلاً... سأتجنب دعوتهم وسأنتبه إلى النظام الغذائي الخاص بي... وما أن يبدأ الحفل، سيصطف الجميع على الجانبين ليسمحوا لي بالمرور... سأرسم الابتسامة التي تدربت عليها وأثبتها على وجهي... وسأتوجه بهدوءٍ إلى المقعد المحجوز في الصف الأول أمام المسرح تماماً... سألتفت إلى الخلف بزاوية صغيرة وأشوّح للحضور بيدي... سيبادلونني التحية لأن جميع العيون شاخصةٌ نحو مقعدي... سيقوم مقدم الحفل بالترحيب بي قبل بدء الفقرات... سأحاول تجنب الرد على المكالمات الهاتفية خلال فقرات الحفل... هذا لا يليق بقائدٍ كبير... سأرد على الضروري منها فقط... سيعذرني الجميع... فهم يعرفون ضخامة المسئولية الملقاة على عاتقي! (الكتاب ص٩٥، ٩٦).
يتبين من النص الأدبي قدرة الكاتب على رسم أبعاد شخصية الأنسان المغرور وملامحها، فالمغرور هو إنسان يري نفسه أكبر من حجمها، بل وأكبر من غيرها أيضاً، فلا يشعر الا بما في داخله هو، ولا يحس بمن حوله، إذ إن انشغاله بنفسه لا يمنحه أية فرصة للانشغال بهموم الآخرين، وقد كشف الكاتب عن موقفه من قضية الغرور والكبرياء؛ بوصفها من الصفات السيئة في المجتمع، وأنها لا تتفق مع قيم الإسلام الخلقية، إذ حذر المولى –عز وجل- من هذا الخلق الذميم، وحث على التواضع وخفض الجناح، قال الله تعالى:وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور (لقمان: 18 ).
وقد أدى عنوان النص(طاووس)؛ بوصفه عتبة نصية مهمة دوراً كبيراُ في الإيحاء بفكرة النص، فالطاووس طائر يرمز للغرور والكبرياء والحمق، وهذا المعنى يجده المتلقي متفشياً في النص بأسره؛ الأمر الذي يجلب له المتعة والبهجة، وجاءت استعانة الكاتب بالحوار الخارجي بين المغرور وزوجته وسيلة لتعميق المعنى، ومنح الخطاب حركية وحياة.
وقد تجلت قدرة اللغة وجماليتها في النصوص النثرية في نص بعنوان: (أوكازيون شارع العيد!، يقول الكاتب:
"في مدينة تحجرت الدموع في مقلتيها، وفي شارع العيد الطويل، كائنات من هذيان، في ساحة الجندي المخطوف احتلال يدوس الأحذية العوز قلوب المارة.. على زجاج المحال التجارية صور آدمية... عيون حدقت وحدقت وحدقت طويلاً حتى سالت حبرا أسود حجب الفرح، واغتال الأمنيات على بوابات تستجدي..(الكتاب :٢٠).
يحتوي النص السابق على مجازات بلاغية ترسم صوراً ومشاهد نابضة بالحياة والحيوية، مترعة بالمعاني والأحاسيس الإنسانية والإيحاء, والقدرة على التأثير في المتلقين، بعيداً عن الخطاب الأدبي المتصف بالمباشرة والخاطبية، مثل: تحجرت مقلتيها، كائنات من هذيان، أحذية العوز، عيون سالت حبراً أسود، حجب الفرح، اغتال الأمنيات، بوابات تستجدي".
إن استخدام مثل هذه الصور المجازية، قد جعلت النص النثري نصّا جذّابا يشدّ القارئ، وأسهمت تلك الصور في إضفاء لون من الجمالية على النصّ وإعطائه لمسة ذاتية؛ الأمر الذي جعله أكثر قابلية للقراءة والمتعة الفنية .
الخلاصة:
من يتأمل قصص الكتاب القصيرة يجدها استكملت عناصرها البنائية الفنية والموضوعية، وعبرت عن تجربة الكاتب القصصية، ينعدم فيها التمدد في الزمن الفني، وليس هناك فائض في الشخصيات.
واتسمت اللغة في هذا الكتاب بكونها سريعة الإيقاع، بعيدة عن الرتابة، إنها لغة عذبة شفيفة، محملة بدلالات وشحنات عاطفية، لغة تصويرية موحية تأخذ تلويناتٍ وأشكالاً مختلفة، وتغدو أحياناً لغة مجازية فيها إيحاء، وفيها انسياب وتدفق.
أما نصوصه النثرية فهي نصوص عابرة للأجناس الأدبية، فيها من الشعر بقدر ما فيها من النثر الفني، وفيها من القصة القصيرة بقدر ما فيها من السرد واللغة المكثفة، وفيها نكهة المقالة والخاطرة على أنواعها ما فيها من الرؤية والفكرة. ويشوب بعض مواد الكتاب الغموض، ذلك أنها انزلقت في متاهات الغموض وردهاته، فجزء من قصص ونصوص كتاب( خارج مدارات السرب) هي عجائبية فنتازية، وهي أقرب منها إلى الأحلام، وفي تلك النصوص ما يشبه توارد الخواطر التي تجعل النص الأدبي قريباً من المقالة.
وفي الختام أسجل تقديري واعتزازي العميقين بشخص الأديب المبدع، مع شكري الجزيل له لإهدائه لي كتابه (خارج مدارات السرب) الذي استمتعت بقراءته أيما متعة، ورجائي أن تكون هذه القراءة قد أوفته حقه من متلقٍ محب لهذا اللون من الأدب، فكتاب (خارج مدارات السرب، قصص ونصوص) يغري المرء بالقراءة والتأمل، ويحثه على إعادة القراءة غير مرة، وهو كتاب يستحق أن يستكشف المتلقي كنوزه ومغزاه.
بطاقة تعريف بالكاتب:
طلال أبو شاويش”، كاتب فلسطيني يعيش في غزة، صدر له:
– وداعاً أيها الأنبياء. مجموعة قصصية 1999.
– بقايا ليست للبيع. مجموعة قصصية 2001.
– اغتيال لوحة. مجموعة قصصية 2003.
– نستحق موتاً أفضل. رواية 2005.
– كوابيس شرق أوسطية. رواية 2007.
– مواسم الحب والدم. رواية 2013.
– كتاب غزة. مجموعة قصصية مشتركة باللغة الإنجليزية- بريطانيا 2015.
– وقت مستقطع للفرح. قصص ونصوص 2017.
ايرين هاوس، رواية 1918 .