الخميس ٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٠
بقلم رندة زريق صباغ

تشرين عيلبون: بين الاحتفاء والاختفاء

نهاركم محبة يا أبناء الجيل الذهبي الغوالي من أبناء قريتي وأبناء جيلهم الفلسطينيين جميعاً
هنيئا لكم بهذه المرحلة العمرية الذهبية وأتمنى أن يكون ملأَها الفرحُ والحلا والذهب.

بما أن الاحتفاء اليوم بالجدات والأجداد فاسمحوا لي أن استذكر أجدادي الذين غابوا عن الدنيا باكراً قبل أن أشبع من روعتهم ودون أن أحظى بما يكفيني من نصائح عمرهم.

اسمحواا لي أن أستذكر جديّ لأمي خليل وفايزة اللذين أشتاق وأحن إليهما واللذين ككل أهل عيلبون لاقوا من القهر والأسى ..من الفقر والتهجير والغربة ما يكفي لرواية كاملة.

اسمحواا لي أن أستذكر جديّ لأبي نعيم زريق أحد شهداء مجزرة تشرين عيلبون الأبرار
وجدّتي سروه التي كانت حاملاً بشهرها التاسع في ذلك الزمان وولدت طفلها في المهجر اللبناني.

بما أن الاحتفاء اليوم بالأجداد والجدات... وبما أن الزمان تشرين أول أكتوبر...هذا الشهر الذي اعتاد أن يمر بثقله على عيلبون وأهلها منذ اثنين وستين عاماً...شهراً قاسيا بذكريات قهره وبقهر ذكرياته ومرارتها...

تشرين أول أكتوبر... شهر المجزرة والتهجير شهر الظلم والأسى...شهر القتل بدم بارد.
واسمحوا لي أيضاً بتوجيه تحية شوق وحنين لأبناء عيلبون الذين اختاروا أو اضطروا لسبب أو لآخر البقاء في المهجر وأقول لهم إن أرض الوطن بانتظاركم....قد يكون مكوثكم في الدول العربية، أوروبا وأمريكا وحتى أستراليا مريحاً بالحياة اليومية ،إلا أن عيلبون تناديكم لأسباب عدة.
اسمحوا لي عبر هذا المنبر بتوجيه تحية إجلال وإكبار لأرواح ضحايا مجزرة عيلبون الخالدين جميعاً

ولروح جدي نعيم غنطوس زريق خصوصا وأيضاً لأرواح شهداء فلسطين جميعا.

بما أن الحدث احتفاء بالجدات والأجداد اسمحوا لي أن اشكر نادي الجيل الذهبي في عيلبون على استضافة هذا الاحتفال القطري بيوم المسن العالمي الذي أعطى تشرين عيلبون لون الأمل رغم الألم ...لون الفرح رغم الحسرة والقهر.

عيلبون...وما أدراك ما عيلبون!...إنها أجمل بقاع الدنيا وأحلى بلدات الأرض!

فليست هي قريتي ومسقط رأسي؟...فليست هي تلك القرية الوادعة ذات التاريخ المشرف!؟

عيلبون. التي ثكلت لؤلؤات أبنائها وتهجّر أهلها عنها في تشرين الأسود...عيلبون مثال التمسك بالوطن والأرض ....مثال المحبة والتآخي والتعاضد

عيلبون الغالية

وفي الذكرى الثانية بعد الستين للمجزرة والتهجير....إليك مني السلام. إليك مني المحبة، الوفاء والعطاء.

لأطفالك ويافعيك أقول :بأن اهتموا بمعرفة تاريخ بلدتكم...فمن لا ماضٍ له لا مستقبل له
اهتموا بتوثيق تاريخ هذه القرية محوّلين إياه من شفوي يهدده التلاشي إلى مقروء أو مسموع أو مرئي

فتحافظون على الذاكرة وتحفظونها من الزوال..

ولشيوخك ومسنيك ممن عايشوا النكبة والقهر أقول: نحن بحاجة لأن تحكوا لنا الحكاية. لأن تشرحوا لنا ما حدث...لأن تقصّوا علينا دائماً وأبداً ما كان وما صار لنتعلّمه وننقله بالتالي للأجيال القادمة...فلسنا حمل مستقبل مطموس الذاكرة منهوبها فان ما ينتظر أولادنا وأحفادنا لرهيب ولا بد لهم من حصانة ذاتية أنتم مرجعيتها.

اسمحواי لي أيضاً أن أرفع قبعتي وأنحني احتراماً وإجلالا لمقدرتكم على الصبر...لتحملكم كل ما كان من نكبات ونكسات ..قهر وتهجير، واسمحوا لي أن أتساءل بسذاجة أو دهشة أن كيف أمكنكم التحدّي. التصدّي والاستمرار!؟

كيف أمكنكم إعادة اعمار البلدة وأهلها بعد عودتكم إذ كانت فارغة منهوبة!؟

لم تحظوا بمعالج نفسي ولا بتعويض مادي أو حتى معنوي...لم تحظوا باعتذار واعتراف بما كان على الأقل! فكيف تابعتم الحياة؟ وكيف زرعتم فينا الأمل والفرح أحياناً!؟لسان حالكم قال ولا يزال: "على أرض عيلبون ما يستحق الحياة" وأقول لكم: أنتم تستحقون الحياة وتستحقون أرض عيلبون. وشكراً لعودتكم إلى ترابها. وشكراً لأنني لست لاجئة في أحد المخيمات الآن لولاكم ولولا حفنة من حظ.

من أين لكم هذه القوة والمقدرة!؟ وترانا سنحظى بمثلها وننجح ببثها في أولادنا وأحفادنا كما فعلتم!؟

أترانا سنحمي الذاكرة والتاريخ؟ أم سنسقط كأوراق خريف ذابلة منهكة مع أول هبة ريح شرقية!؟

كم يتملكني الرعب من نسيان الأجيال القادمة لما كان.. وكم يسكنني الشجن كلما غاب عن هذه الدنيا مسن عايش النكبة والتهجير، فإضافة إلى خسارته كسند وكبير فإننا نخسر بغيابه ذاكرة أخرى من ذاكراتنا غير الشفويّة التي تحمل معها إلى الأبدية تفاصيل غاية في الأهمية... فأرجو أن ننتبه لأنّ الحكاية لم تنته بعد.

كم أحب حين أرى أن هذا التاريخ الحزين يوحّد أهل البلدة بكل أطيافها السياسية، الدينية، الطائفية والعمرية لدرجة أتساؤل فيها ومعها ومن خلالها أترى الوحدة لا تتم إلا بالحزن والقهر؟

أتراها كما الفن؟ لا يظهر عموماً إلا من خلال المعاناة!؟

كم أتمنى أن يكتفي الفن بالفرح علّه يلقّن البشر درساً.. وكم أتمنى أن يتوحّد الناس على الخير والمحبة

وينسون الكراهية والبغضاء والغيرة القاتلة.

كم أتمنى أن يكون إحياؤنا لذكرى المجزرة دافعاً لغد أفضل

وليس مجرد اعتياد وتعود واستعراض يصل حد المتاجرة أحياناً.

*مقالات في كلمات*

يجتاحني من القهر ما يكفي أنني لو كتبت كلمة واحدة على حائطي... لهرب من يقرأها من مرارة أحرفها الحارقة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى