حوار مع الشاعر الغنائي السوري عمر حلبي
شاعر غنائي سوري عتيق عتق روابي الشام وحاراتها، نشأ وترعرع مع أجمل الأغاني لرفيق شكري وشادية وهدى سلطان ونيللي ومسلسلات دريد ونهاد.. والعشرات من أهم المطربين السوريين والعرب.. فكم تغنى الناس بأغنياته الجملية مع (فهد بلان) وصباح فخري، وكم أنشد الشارع السوري (بالفلا جمال ساري) التقيناه وخاض بالحديث عن الفيديو كليب سيء الصيت، وعن الأغنية التي تبقى وتخلد.. مشيراً إلى أن أغاني التراث قد أفلت، والزبد هو الذي تسمعنا إياه الفضائيات ولسوف يذهب جفاء.. وهكذا كان الحوار التالي:
– قلت مرة: «إن قصائدي الغنائية تحمل ألحانها معها».. كيف تفسر لنا هذا القول؟
– صاحب هذه المقولة المرحوم رفيق شكري الذي بدأت معه مشوار الأغنية السورية وعصرها الذهبي بأول أغنية كتبتها له وفرضَتْ عليه لحنها وهي أغنية «بالفلا جمال ساري» التي أصبحت بين ليلة وضحاها تتردد على كل شفة ولسان نظراً لحلاوة موضوعها وروعة لحنها ورشاقة وزنها واشتهرنا أنا وهو بهذه الأغنية التي كانت تذاع يومياً عشرات المرات من إذاعة دمشق، وأصبحت منذ الاربعينات حتى الآن الأغنية الأثيرة في الوسط الفني وعند الناس.
– معروف عنك أنك لا تقتنع بالأغنيات الشبابية الرائجة حالياً.. لماذا يا ترى؟
– الأغنية الحديثة الدارجة (الشبابية) الهجينة في أوزان كلماتها وألحانها التي تتحدث عن الحب الذي لا يدوم طويلاً على أساس (حبني اليوم وإنساني بكرة) وأصبحت العفة نادرة بمواضيعها، المثيرة للغرائز والشهوات من جراء النسوة اللأي يحنون بالمطرب من كل جانب ويتبارون في إظهار مفاتنهن بكل الطرق وبذلك احتلال كافة شاشات الفضائيات ـ على مدار الأربع والعشرين ساعة وبذلك انتهى زمن الطرب وحل محله زمان الصخب وكثر المطربون الذين ينحبون، ويموؤن وينعقون وخلف الشاشات من المطربين ذوو الأصوات الجميلة وأصبحوا قلة مع الأسف.
– ما أهم المطربين الذين كتبت لهم أغاني يا أستاذ عمر؟
– أهم الأصوات التي كتبت لها، الأساتذة رفيق شكري نجيب السراج، محمد محسن، صباح فخري، دريد ونهاد، شادي جميل، محمد عبد المطلب، جورج وسوف، فهد بلان، رفيق سبيعي، عدنان عمر، معين الحامد والسيدات.. وردة الجزائرية، شادية، نيللي، فايزة أحمد، هدى سلطان، نجاح سلام، وصباح الشحرورة، وأروع المطربات رُبا الجمال، كروان، كنانة القصير وكافة المطربات السوريات.
– وما أول أغنية كتبتها وكيف كان ذلك؟
– أول أغنية كتبتها للمرحوم الأستاذ رفيق شكري هي بالفلا جمال ساري، أما كيف كان ذلك، الحقيقة لم يكن يخطر على بالي في يوم من الأيام أن أكون كاتباً او شاعراً غنائياً، ولكن القدر جمعني في ليلة من ليالي الصيف بالأستاذ رفيق شكري في سهرة في بيت أحد أصدقائي، غنى بها أغنية للأستاذ محمد عبد الوهاب فأعجبت به كعازف ماهر على آلة العود ومغنٍ يتمتع بصوت يأخذ بمجامع القلوب، وفي آخر السهرة انتحيت به جانباً وسألته لماذا تغني أغاني سواك وعندك كافة مقومات المطرب الرائع لماذا لا تلحن وتغني أغاني بلهجة بلدك، وأنا عل يقين من نجاحك، فقال لي لا يوجد كاتب أغنية يقدم لي ما يعجبني لألحنه وأغنيه وافترقنا بعد أن أخذت عنوانه وأخذ عنواني.
وبعد مدة دعيت من قبل أصدقائي بقضاء أسبوعين في درعا.. إذ كان والدهم مدير مالية هناك، وركبت القطار في طريقي إلى درعا.. ومن خلال الشباك راقني منظر سهول حوران والشمس تلملم جدائلها نحو الغروب وفي تلك اللحظات مرت قافلة جمال فاستوحيت من هذه المناظر الجميلة، مطلع أغنية (بالفلا جمال ساري)، وأتممتها في درعا وأرسلتها بواسطة البريد إلى رفيق رحمه الله وبعد عشرين يوماً رجعت بنفس القطار ولما وصلت إلى محطة الحجاز نزلت وتخطيت المحطة ونزلت على الدرج المؤدي للطريق العام وهناك فوجئت بعمال التنظيف يغنون هذه الأغنية التي أرسلتها إلى رفيق شكري، وهكذا بدأت معه مشوار الأغنية السورية.
– الأغنية السورية عموماً ليست بخير.. من يتحمل المسؤولية بنظرك؟
– التلفزيون العربي السوري.. الذي لا ينتقي مما يسجل من أغاني في إذاعة دمشق ويخرجها ويصورها ويقدمها للسادة المشاهدين بالإطار الملائم ويروجها علماً بأن التلفزيون هو والوسيلة الإعلامية التي أصبحت تدخل لأي بيت في قطرنا العزيز وبذلك يتسنى للأغنية السورية النهوض من كبوتها لتعود إلى عصره الذهبي الذي أوصلته لها بواسطة مطربينا الكبار وملحنينا المميزين الذي عملت معهم أمثال رفيق شكري ونجيب السراج وعبد الفتاح سكر ومحمد محسن وسهيل عرفة وصباح فخري، ومن خلال أفلام دريد ونهاد، ومن خلال تشجيع المؤلفين المجيدين والملحنين، ليقدموا إلى الأصوات المنتقاة من بلدنا أروع ما يكتبون ويلحنون ورعايتهم مادياً ومعنوياً، وبذلك تعود الأغنية السورية إلى مكانتها بين الأغاني المصرية، واللبنانية والخليجية، لأداء رسالتها في كل مجال.
– بعد رحيل الموسيقار السوري نجيب السراج.. من يحمل الراية الموسيقية في سورية هذه الأيام برأيك؟
– لا يزال هنالك من جيلنا المبدع من يتصدى لحمل الراية ومن الأجيال التي لازمتنا وأخذت منا ما يؤهلها لأداء واجبها كاملاً تجاه الأغنية السورية.
– يقال بأن عدم وجود شركات إنتاج وتوزيع للغناء في سورية كان عاملاً في ركود الأغنية السورية.. هل توافق على ذلك؟
– في حال هجرة الأصوات الجميلة لخارج سورية وافتقارنا إلى أصوات تعتمد على المؤلفين والملحنين السوريين لا يمكن الاعتماد على شركات إنتاج بالوقت الحالي.
– يحكى بأن بدوي الجبل الشاعر الكبير والراحل.. كان قد قال عن إحدى كلمات أغنياتك (بأنها تساوي ديوان شعر بأكمله) ما حقيقة ذلك؟
– لقد كنت منذ البداية مجيداً في كتابة الأغنية السورية وقد اعتمدت بنجاحاتي على الأصوات الخاصة الجميلة والملحنين المجيدين وبذلك تميزت وأصبح لي تلامذة في هذا المجال الذي اشتهرت به إلى الحد الذي جعل أغنياتي تصالح أسماع الفئات المثقفة من ساسة وكتاب وشعراء وهنا أخص بالذكر والعرفان للشاعر العظيم بدوي الجبل الذي كرمني بدعوته أياي بواسطة ابنه الأستاذ منير الأحمد إلى بيته، ونعمت بوجودي معه على مائدة الصباح «كسر الصفره» تعبيراً عن إعجابه بأغنية «شفتا أنا شفتا» التي غناها بذاك الوقت فهد بلان من ألحان الأستاذ عبد الفتاح سكر، واعتبر هذه الأغنية (بتساوي ديوان شعر).
– وما سر العلاقة بينك وبين المطرب الراحل (فهد بلان) وأنت من أعطاه الكثير من الأغاني؟
– لقد استطعنا أنا وعبد الفتاح سكر بأغاني وألحانه أن نجعل من فهد بلان بعد أن كان مردداً أي أحد أفراد الكورس الذي يردد مطالع الأغاني وراء المطربين المعتمدين في ذلك الزمان إلى نجم لامع احتل مكانة مرموقة في كافة أرجاء الوطن العربي بأكمله.. وعندما استضافتنا محطة (الأوربت) في بيروت بعد وفاة فهد رحمه الله لنتحدث أنا والأستاذ عبد الفتاح عن ذكرياتنا معه قلت للمذيعة ـ لقد آمنت بعد نجاح فهد بلان بجهودنا بأن أصحاب العقول خلقوا لخدمة أصحاب الحظوظ.
– أين تولد الأغنية عند عمر حلبي؟
– الأغنية الناجحة: عبارة عن قصة تتشكل وتتكامل وتلد دون سابق إنذار، أي أنها لا تخضع لإرادة ولا لرأي معين فعندما تلد في أكثر الأحيان نجدها أروع مما كنا نتوقع لتعيش وتغني التراث.
– وكيف تختار موضوع الأغنية؟ هل بطلب من المطرب مثلاً؟
– إذا حاولت قراءة أغنياتي، في كافة المحطات مع المطربين والمطربات الذين ألفت لهم ترى بأن هنالك فرق كبير بين الأغاني التي كُتبت إلى رفيق شكري ـ أي أنها تختلف اختلافاً بينا عن الأغاني التي كتبت إلى نجيب سراج، وصباح فخري وفهد بلان، وفايزة أحمد، ورُبا الجمال، فأنا عندما أكتب أغنية إلى مطرب أو مطربة لا أخضع إلى طلب معين بل أكتب (ما يليق) بذاك المطرب أو المطربة، فبهذه الطريقة تميزت.
– ما رأيك بظاهرة (الفيديو كليب)؟ وهل أنت مع وجود راقصات في الأغنية؟
– الفيديو كليب ـ محالة يائسة لإخفاء عيوب الأصوات المصنوعة.
– وهل هناك مستقبلاً للأغنية الدارجة؟
– الأغنية الدراجة، يقال بأن الفن مرآة لحضارة الشعوب ولا أظن أن هذه «الصرعة» ستدوم مثل موضة الشروال وسواه، مادام هنالك تطور حضاري وخصوصاً عند الشعوب العربية.
– هل تشعر بأنك ككاتب أغنية قديم (مقدر) من الإعلام السوري والملحنين والمغنين؟ ولماذا؟
– لقد حافظت على اسمي ومكانتي فيما كتبت وسأظل هكذا حتى آخر يوم بحياتي، مهما تحكمت بي البيروقراطية التي لا تفرق بين الغث والسمين في مجالنا الفني.
– وماذا لديك من أغاني جديدة قيد التلحين أو الوصول إلى المستمع؟
– لقد كتبت لمهرجان الأغنية السوري الأغنية التالية:
وحياة الحب وحكاياته الوردية
وشروق الشمس عالجنات الشامية
غيرك ما بحّب لو صرتي عالعكازة
وبتضللّي بعيني مهما كبرتي صبّية
وحياة الفلّ السارق لونـُه من لونك
وزرقة هالبحر المسكوبةْ بلون عيونك
ما في بها لكون من حلاوة تكوينك
وخفة هالدّم ومن هالطلعة البهيةْ
وحياة الحب يللي الناس بتخضعله
وأوتار القلب بنظرة عين بتعزفله
أحلا الألحان قلبي دوم بيعزفلك
ألحان الشوق بموالي والغنيّة
هذه الأغنية لا يوجد مثيلاً لها بمكتباتنا.. لأن الزوج يتغزل فيها بزوجته.. وكان حظها عاثراً فما رأيك..؟
مشاركة منتدى
11 كانون الثاني (يناير) 2023, 21:16, بقلم عدنان يونس
الأستاذ عمر الحلبي من أجمل وأروع الأشخاص الي قابلتهم بحياتي كانت الي معو عدة جلسات ولقائات وللأسف كانت صحتو متدهورةوالعمر اخذ مجراه
لله ما اعطى ولله ما أخذ....