دراسة نقدية لـ (ثعلب في ثوب زاهد)
وزنة حامد القاصة السورية، الرقيقة المشاعر والمرهفة الإحساس، تكتب قصصها القصيرة أو القصيرة جداً بأسلوب فيه الكثير من الشاعرية والأسلوب القصصي المميز، تجيد توظيف خيالها المحلق في فضاءات المجتع الذكوري، وتخط بقلمها كطبيبة ماهرة تعالج العلاقات الاجتماعية بين البشر بإسلوب دراماتيكي مثير، وتحاول دفع بطل قصتها نحو النهاية بدون توقف وهو يلهث بأنفاسه المتلاحقة وتسلمه لنهايته التي تكشف سر شخصيته وتكشف عنه القناع الذي يستر عوراته الإجتماعية وعيوبه الخلقية والخلقية. واستطاعت في قصتها هذه أن يتلاعب بقارئها ويأخذه ذات اليمين وذات الشمال، من ضمير المخاطب في افتتاحية القصة (أنفقت الأموال، بعثرت الكثير) إلى ضمير المتكلم (ابتعد عن المرأة التي قرفت نجواه وندمه...) إلى الضمير الغائب (هل يبتعد عن الأصدقاء..) وأظهرت قدراً كبيراً من فن الغوص في أعماق شخصيات قصصها وسبرأغوارها للإيحاء للمتلقي كيفية تفكير هذه الشخصيات وكيفية تدبيرها لعلاقاتها الاجتماعية بتقنية الراوي العليم بكل شيء. كما أن العنوان فيه الكثيرمن الإبداعية والشاعرية، وتتوفر على الأنسنة والتشخيص، وهو مناسب هنا تماماً لموضوعه.وأفضل مقاطع القصة هي التي تبدأ من السطر الرابع والثلاثين والتي تبدأ بـ: باتحاه الملك..؟
ومنه سريعاً إلى المقصلة...حتى الأخير تقريباً، دون أن تستعمل حرف العطف الواو، ومستخدمة الجمل القصيرة المتقطعة اللاهثة مما ولدت حركية رشيقة في المستوى السردي للقصة، أي بدت القاصة وكأنها تدفع بقارئها إلى السرعة والركض والإنجاز، تدفعه أمامها بدون توقف وتجبره على الحركة والنشاط والسير سريعاً نحو نهاية حكايته). وهكذا تدخل القاصة في لعبة القط والفأر مع قارئها بتقنية ما يعرف بـ(البرولوج) في النقد الأدبي فتكون مع بطل قصتها وترافقه حيثما نظر ويمم. ولهذا أرى أنها يمكن أن تكون قاصة واعدة فيما لو اهتمت بالمزيد من صقل موهبتها، واعتمدت المزيد من القراءة والتحصيل، وقراءة القصص ومواكبة القصاصين ومايكتبون لصقل موهبتها جيداً، والعمل على تطوير لغتها ومراعاة النسقية المناسبة في جملها القصصية، ووضعها وتوظيفها في مكانها الأنسب. وبعدما بينت الإيجابيات لقصة (ثعلب في ثوب زاهد) فسأيمم شطر بعض ما يمكن تسميته ببعض العثرات القصصية والتي لا تفسد للود قضية – كما يقال- أي يمكن تجاوزها مستقبلاً وبسهولة، وليعلم كتابنا الأعزاء بدون نقد جاد وهادف وبناء لا يمكن لأي منا أن يتقدم إلا كما تتقدم السلحفاة، وهو نقد قد يستفيد منه قصاصونا الشباب والشابات والله ولي التوفيق.
وفي نقدي لهذه القصة أقول: مثلاً، أن عبارة"بساتين وهنتها ويبستها كلياً" تسبب بثقلها وبطئها وخاصة كلمتي"يبستها وكلياً" خللاً في شاعرية القصة التي أفلحت الشاعرة باستخدامها بشكل جيد، كما إن كلمة"شاسعة" غير مناسبة هنا وتعطي انطباعاً عن درس جغرافي وليست قصة مما يفقد القصة رنينها الشاعري وإيقاعها الجميل. كما أن هناك عبارات لغوية خاطئة نحوياً مثل"يقرف منه العين" والصواب تقرف منه العين لأن العين مؤنثة لامذكرة. وأيضاً في عبارة"إحساسه بدأت تتلاشى" والصحيح بدأ يتلاشى بالتذكير لا بالتأنيث. وعبارة انحدرت من"جباهه" قطرة عرق غير منطقية البتة هنا، فالإنسان له جبين واحد لاجباهاً والأصح هو من"جبينه" لا من جباهه كما وردت لدى القاصة. وعبارة" قرفت نجواه وندمه" لامعنى لها هنا ولاتعني شيئاً يذكر.
كما أن هذه العبارات المتتابعة مثل: "هذه الكلمة التي هبطت من علياء السماء كنيزك..." فيها شيء من عدم التناسق الغوي بين جمل العبارة وإن عدم تناسقها يأتي بالإضافة إلى الثقل الذي يحدثه تتابع همزتي التطرف في أواخر كلمتي" علياء- السماء" أدتا إلى التكسير الإيقاعي لسياق العبارات اللغوية، وإحداث خلل بلاغي لغوي فيها، وكان الصواب هو أن يقال: "هذه الكلمة التي"هوت" من عليائها كنيزك وحلت بثوب زاهد".
كما أن عبارات مثل"والزمن فاغر الفاه" ثقيلة على لسان وسمع المتلقي. ثم"دفع الباب بإذعان" فكلمة بإذعان غير مناسب الإستعمال هنا لأن الإذعان تعني الخضوع والأفضل أن يقال دفع الباب"بتردد".
والعبارة القائلة" عرفت كيف تحول الغباء بالدهاء" غير نحوية والأصح هو"كيف عرفت أن تحول الغباء إلى دهاء" أو كيف عرفت أن تستبدل الغباء بالدهاء....
وما عدا هذه الهنات البسيطة، نتمنى للكاتبة الواعدة الإستمرار في عملها كقاصة شابة أمامها مستقل زاهر إذا ما راعت ماقلناه سابقاً، عن صقل الموهبة والقراءة والدرس والتحصيل. إذ لايمكن لأحد أن يصبح قاصة أو أديبة بالإعتماد على خياله وحده، فلابد من السهر والتعب والمعاناة أيضاً. ورحم الله إستاذنا صبغة الله سيدا الذي درسنا في الإبتدائية، فكان يردد على الدوام البيت الشعري التالي:
من طلب العلا سهر الليالي
ومن طلب السفلى نام إيفاري