الخميس ١ شباط (فبراير) ٢٠١٨
بقلم عادل عامر

دور رقابة المشروعية في حماية المواطنة السياسية

المواطنة هي مبدأ مشروعية السياسي، وهي أساس الروابط الاجتماعية في مجتمع ديمقراطي حديث. غير أن التحولات السياسية العالمية وهيمنة الوجود الاقتصادي زعزعت هذا المبدأ وأضعفت قيمته السياسية والأخلاقية.

يوجد شبه اتفاق اليوم حول وجاهة مطلب الديمقراطية، ولا ترى أحدا يحتج أو يعارض علنا فكرة أن الديمقراطية هي النظام السياسي الأنسب حيث يتولى الشعب حكم نفسه بنفسه. ومع ذلك لا تجد دوافع الجميع ومبرراتهم في هذه القناعة السياسية واحدة ومتماثلة: لكل خلفيته، ولكل غاياته.

لا يعتبر مفهوم المواطنة مفهوما سياسيا فقط، فبجانب المفهوم السياسي المرتبط بالحق في الانتخاب والانضمام للأحزاب والمشاركة بصفة عامة في إدارة شئون البلاد، هناك المفهوم الاقتصادي الذي ينطلق من المساواة في الفرص وعدم تهميش الفئات الاجتماعية الضعيفة مثل النساء، أيضا هناك المفهوم الثقافي أو الديني المتعلق بحرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية والذي ينظر للتنوع الثقافي والحقوق المرتبطة بالهوية كأساس للمفهوم.

وفي نفس السياق فمفهوم المواطنة ليس مفهوما قانونيا وإنما له شق حركي معني بالممارسة. وعليه فإننا نجد قدرا كبيرا من التنوع فيما يتعلق بتعريف المواطنة يمكن إجماله في تعريف د. سمير مرقس “باعتبارها حركة الناس اليومية مشاركين ومناضلين من أجل نيل الحقوق بأبعادها المدنية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية على قاعدة المساواة مع الآخرين دون تمييز لأي سبب، واندماج المواطنين في العملية الإنتاجية بما يتيح لهم تقاسم الموارد العامة والثروة الوطنية مع الآخرين الذين يعيشون معهم في إطار الوطن الواحد”

فما الذي يشرع اختيارنا نهج الديمقراطية حلا لمشكلاتنا السياسية؟ هل نختار الديمقراطية لأنها الأكثر توافقا مع تطلعاتنا إلى الحرية؟ أم نختارها لأنها الأكثر توافقا مع اقتصاد السوق؟ هل تبدو الديمقراطية مثلا أعلى سياسيا أم هي محض صدفة تاريخية؟ يحسن بنا الانطلاق من خلط شائع بين مفهومي الديمقراطية والجمهورية. تعني الجمهورية في اشتقاقها " الشيء العمومي res publica"

المواطنة هي الفعل الذي يتم به الاعتراف بشخص او عائلة أو مجموعة على أنه عضو في المدينة أو الدولة يساهم من موقعه وبطريقة فاعلة في تغذية المشروع المشترك. كما تتضمن المواطنة مجموعة من الحقوق المدنية والسياسية والواجبات القانونية وتحدد دور المواطن داخل المدينة وفي علاقة بالمؤسسات. ان المواطنة بالمعنى القانوني هي مبدأ المشروعية، وان المواطن هو محور الحق.

وجود المواطن أو المواطنة ، تحت نظرية التعاقد الاجتماعي، يحمل كلاً منهم جملة من الحقوق والمسؤوليات. والحق أن ” الوطنية الفعالة “هي الفلسفة التي تعتقد أنه ينبغي لكل فرد من أفراد المجتمع العمل من أجل تحسين أوضاعها في جماعة مشتركة من خلال المشاركة الاقتصادية، والخدمة العامة ،و العمل التطوعي، وغير ذلك من الجهود الرامية التي تؤدي إلى تحسين الحياة من أجل جميع المواطنين.

وتنطوي الفكرة على نية تنظيم الممتلكات العمومية وحمايتها. لذا توجب أن تكون الجمهورية مُحْكمة البناء في أركانها ومؤسساتها على النحو الذي يجعلها تجمعا متوازنا لبشر أحرار يتشاركون العيش.

والملاحظ أن سيادة الشعب في فكرة الجمهورية ليست محورية مقارنة مع سيادة القانون والمؤسسات. ويمكن لنظام سياسي أن يكون جمهوريا من دون أن يكون ديمقراطيا. وبالعودة إلى مرجعيات الحداثة السياسية نجد أن فكرة الجمهورية جمعت كلا من ماكيافيلي، روسو وكانط ولكن فرقت بينهم الديمقراطية.

لقد تحمس ماكيافيلي لفكرة الجمهورية ولكن تقديمه مبدأ " مصلحة الدولة العليا" والذي يتعارض بوضوح مع مبدأ الشفافية منعه من أن يكون ديمقراطيا. بينما ظهرت فكرة عقد المشاركة لدى روسو أقرب نموذج إلى الديمقراطية ما دامت تشترط مشاركة المواطنين في الاقتراع العام سبيلا لانتخاب من يحكمهم.

فإذا كان النظام الجمهوري لا يحتاج إلى الديمقراطية من أجل أن يكون جمهوريا، فإن الديمقراطية تحتاج إلى نظام جمهوري من أجل أن تكون ديمقراطية: لأن سيادة المواطنة فيها من سيادة القانون، و هي مبدأ الشرعية في هذا النظام. لم يظهر قديماً مفهوم المواطنة، وواجبات المواطنين وحقوقهم، والقانون الدولي والعلاقات الدبلوماسية كما هي عليه الآن، فقد كانت القوة العسكرية لأية دولة هي القوة الأعظم والمسيطرة، وحدود الدولة لم تحدد وترسم من قبل الأطراف المتلفة وإنما تحددها القوات العسكرية المتقدمة.

أما فكرة المواطنة فكانت من نوع الانتماء الثقافي لحضارة معينة أو انتماء سياسي لإمبراطورية معينة والتي تعتمد على معايير المعتقد، وهذا النوع من الانتماء يتعامل مع المعتقدات المختلفة بحذر بالإضافة إلى الاختلاف في مستويات التسامح. ومن هنا رأينا صعوبة تحديد مفهوم المواطنة وخضوع المفهوم نفسه إلى عملية تجديد دائمة، والاعتماد على معايير معينة مثل مكان الولادة، فترة الإقامة، الزواج وهذه المعايير لا تمنح الإقامة القانونية للشخص أو الحق في المواطنة، بينما كان يمنح الإقامة ويصبح مواطن عندما يشارك في المعتقد والثقافة، وإلا سيبقى غريباً، مهما طالت فترة إقامته.

وقد بدأ الاهتمام بالقوانين وتعديلاتها لتحسين مكانة المرأة، بعد الحرب العالمية الثانية، عندما تبنت الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 ونصت مبادئها على تحقيق المساواة السياسية على أساس (الجندر) النوع الاجتماعي، والمساواة في الأجور بين الرجل والمرأة، وقامت بتأسيس هيئة ملكية لدراسة وضع المرأة تشريعات، فقامت كندا على سبيل المثال بتأسيس هيئة ملكية لدراسة وضع المرأة فيها منذ عام 1967 ووضعت التوصيات للتغيير والتحسين، كما تضمن القانون الكندي المساواة في الفرص بين الجنسين، إلا أن المرأة الكندية لم تحقق المساواة في الحقوق السياسية والاقتصادية إلا في عام 1982 بعد تمرير الميثاق الكندي للحقوق والحريات . يعتبر الانتخاب الوسيلة القانونية لتشكيل المؤسسة التمثيلية في المجتمع الديمقراطي وبالتالي الآلية الأمثل لشرعنه السلطة ،ويعمل التشريع الانتخابي على وضع مجموعة من الضوابط القانونية قصد صياغة إطار ضامن لمجموعة من المبادئ المتصلة باحترام الديمقراطية والمتمثلة أساسا في تمكين المواطن من إبداء رأيه بحرية ضمن احترام المساواة والشرعية.

وتعد المؤسسة القضائية الآلية الساهرة على مراقبة قانونية المنافسة الانتخابية من خلال العمل على تطبيق وتأويل القاعدة القانونية قصد تطويعها لمحاكاة الواقع عند محاكمة مشروعية العملية الانتخابية وذلك خلال جميع المراحل التي تستغرقها بدءا من مباشرة عمليات التقطيع الانتخابي ومرورا بالتقييد في اللوائح الانتخابية ووضع التشريحات إلى غاية التصويت والإعلان عن نتائج الاقتراع.

غير أن تشعب المنازعة الانتخابية وطبيعة التشريع الانتخابي المستند عموما إلى حلول سياسة توافقية من شأنها الإسهام في تعقيد الدور الرقابي للقضاء، هذا الدور الذي لا مراء في كونه يعد عاملا جوهريا في فرض وضمان احترام مبدأ الشرعية من خلال تبني منهجية تحليلية وتفسيرية تتراوح مكوناتها بين الواقعية التطبيقية والجرأة الإنشائية.

إدا كانت نزاهة الانتخابات تعطي مصداقية للحياة السياسية، وعنوان لديمقراطية النظام السياسي، فإنها تبقى مهددة، ذلك أن التنافس الانتخابي ليس دائما نبيلا، إذ أصبح التلاعب، والتدليس والفساد خبرة وثقافة عند بعض المرشحين، كما أنه لم تخلو أي انتخابات في المغرب من شهادات، بانتشار الفساد والتلاعب والتشكيك في نزاهة العملية الانتخابية، مما يلقي على الجهاز القضائي مسؤولية جسيمة في التصدي لكل ما يمكن أن يشوب العملية الانتخابية.

إن خطورة المناورات والتلاعبات، التي تجعلنا في وضعية قلق على مصير الديمقراطية، هو ما دفع بالمشرع على جعل المناورات التدليسية موجبة للحكم ببطلان الانتخابات جزئيا أو كليا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى