الأحد ٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١
بقلم رندة زريق صباغ

سيد الفصول...يعيد إنسانيتك إليك

ها أنت ذا تعلن تضامنك التلقائي مع الطبيعة...

الطبيعة التي تأخذ بدورها استراحة المحارب المعطاء...

فبعد أن طرحت الأغصان ثمارها...وخلعت الأشجار أوراقها...

ها أنت تريح ناظريك من شدة ضوء وصراحة الصيف...ومن بهرجة الربيع المغرور بألوانه...
وها أنت على أهبة الاستعداد لاستقبال عتمة الشتاء وعنفه الذي يمازحك خفيفاً في الخريف.
ها أنت ذا تمتحن حبك للطبيعة، بأن تقف أمام أشجار عارية نحيلة...

أشجار صامدة بلا ثمار ولا أوراق...

فإنها الآن تكتفي بذاتها في مغالبة الريح...

فهل تراك قادراً أيها الإنسان على الاكتفاء بذاتك في مجابهة ما يدور حولك كما الأشجار!؟

تسقط الأوراق لتريك عوالم لطيفة حلوة...

فتظهر لك فجأة وقفة الطيور على الأغصان العارية المتمايلة بثبات...

إنها ذات الأشجار الوارفة كثيفة الأوراق التي طالما جعلها الهواء لعبته...والتي طالما داعبت هي الثمار والأطيار مستعينة بالهواء! تخفيها تارةً وتظهرها أخرى...تماماً كمن يداعب طفلاً بإغلاق العينين وفتحهما بالتناوب...يخفي الحقيقة ويكشفها له من جديد...فيفرح الطفل ببراءته الطفولية غير مدرك أنه لو بقيت الحقيقة في مخبئها لكان أفضل بكثير!

فان الوضوح أحياناً موجع لدرجة غير محتملة، فلا بأس إذن إن غابت عنا من الحقيقة أجزاء ولو أحياناً

إنها حال الأرض أيضاً...فهي الأخرى تبدو جرداء عارية...تخبئ أجنتها في رحمها الواسع وتنتظر لأجلهم حليب الغيمات الأول..ترضعهم إياه..تغذيهم به،فتتحرك العوالم داخلها لتعود فتزهر من جديد وتزهر أو تنبت الخيرات والجمالات التي سرعان ما يغزوها الإنسان مقتنعاً حتى المنتهى بأنها وجدت لأجله وأنها من حقّه يفعل بها ما يشاء...

أما الآن-في الخريف- فان الإنسان يشيح بنظره عن الطبيعة...

بل قد تصل به الوقاحة لأن يلعن قحطها وقلّة عطائها المؤقت..

لا يدرك هو أن لهذه المرحلة من الكمن والزمان طريقة خاصة للعطاء! مميزة في السخاء...
فكيف يتناسى معظمنا أنه لا يمكن للصيف أ ينتهي دون أن تحل استراحة الخريف..!؟
كيف يتناسى معظمنا أنه لا يمكن للشتاء أن يطلق رياحه ويلقي حمولته من الأمطار بلا عملية تعبئة وحشد في أسابيع الخريف الأخيرة...!؟

أما أنت فمدرك أن فصل الخريف هو الوحيد القادر على جمع سمات الفصول كلها(ثلاثتها) التي تلقى جميعها أصناف المديح وألوان الثناء والاعتراف بالجميل...ما عداه
أفلا يتبرأ منه الجميع مطلقين عليه شتى النعوت المحبطة؟الصفرة..الذبول..التساقط...عتمة النفس وخيبة القلب!؟

أما أنت فترتاح في الخريف وللخريف ...يستهويك هذا الفصل لكنك لم تعلن هذا سابقاً ..حتى لا يصفك أحد السفهاء بغرابة الأطوار والخروج عن المألوف!!

يستهويك الخريف وتميل نفسك إلى نشد الراحة وطلب النسيان وكبح الجموح..فتكون النتيجة عكسية تماماً..لكنها ترضيك بالنهاية.

في الخريف بعض من صحو الربيع...

بعض من حر الصيف...

وبعض من برد الشتاء الدافئ!!

وهكذا فانه-أي الخريف- الوحيد القادر على شحن ذاتك وروحك بشتى أنواع المشاعر والأحاسيس في آن معاً لتبدو أمام نفسك متخبّطاً غير مفهوم...فيزداد شجنك للوهلة الأولى...

وسرعان ما تدرك أنك في وضع طبيعي جداً وإنساني ...فها أنت ذا ترتاح مع الطبيعة أيضاً استراحة المحارب المعطاء...

وتفرح أكثر لأنك تدرك بوعي تام أن استراحة المحارب ليست بليدة ولا غبية..كما أنها ليست استجماماً ومتعة عادية....كما أنك تعي بادراك تام ،أنه وليعود المحارب قوياً لا بد وأن يتصارع مع ذاته فيتصالح معها صلحاً متيناً أبدياً..

وغالباً ما يكون الخريف سبباً أو مسبباً لهذا الصراع فالتصالح.

ماذا لو أمكن للجميع أن يزيلوا الغشاوة عن أبصارهم وبصيرتهم!؟فيحظون بالشعور بكل ما يتميز به الخريف من جماليات وصفات خلابة!!؟؟

ماذا لو أمكن للإنسان إدراك ضرورة سعيه لترويض غرائزه قبل العمل على ترويض الطبيعة وتجييرها لجشعه وطمعه ومصالحة الخاصة؟

لو فعل لأمكنه الاستمتاع بألوان الطبيعة الخريفية...بالغيوم التي تأخذ أشكالاً خريفية مذهلة...

لو فعل لأمكنه بالفعل فهم لغة البحر وأصدافه التي تأخذ طابعاً آخر في الخريف....

لو فعل لأمكنه مراقبة أسراب الطيور المحلقة في السماء..

لأمكنه أن يجد متسعاً من الوقت ليمشي تحت حبات مطر الخريف فيغسل جسده، فكره ومشاعره

فقد يعود نظيفاً مبدعاً ويبتعد عن الأنانية والحقد...يبتعد عن الغيرة والانتقام...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى