الجمعة ٢٥ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم رامز محيي الدين علي

لغتنا..هويّتنا

بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية في الأول من آذار

الحمد لله ربّ العالمين.. الذي نزّل القرآن العظيم هدىً ورحمة للعالمين.. وخصّه بلغة بالمعاني تتعالى، وبالألفاظ تتباهى، وبالبلاغة تتهادى، جليـلة في قدرها، عظيمة في شأنها، حافلة بالمزايا وافرة بالعطايا. والصلاة والسلام على خير العباد، على أجود ناطق بالضاد.. وأفصح من تكلّم فأجاد.. نبينا محمّد عليه صلوات الله وسلامه.. أما بعد.

فإنّ الكلمات -مهما بلغت من البلاغة والفصاحة ومهما امتطت من صهوات المعاني - تعجز عن إعطاء اللغة العربية حقّها من التقدير والتبجيل.. لأن لغتنا العربية لغة عبقرية بمفرداتهــــا ومعانيهـــــا وأساليبها وتراكيبها، ببلاغتها وفصاحتها، بنحوها وصرفها، بخطّها وإملائها، بمنظومها ومنثورها، وفي هــذا المجال، ولكل مقام مقال، يقول شاعرنا العربي صاحب البلاغة الواضحة علي الجارم:

يا بنــــة السّابقين مـــــن قحطان وتــــــراث الأمجـاد من عدنــــان
أنت علّمتني البيــــــان فمــــــا لـي كلّمـــــا لحت حار فيـــــك بيــاني
ربّ حسن يفوق عن وصف حسن وجمــــــال ينسي جمـــال المعاني
يا بنة الضّاد أنت ســرّ مـن الحسن تجـــلّى علــــى بنـي الإنســـــــان

فكيف ننسى لغة لها من البلاغة والفصاحة أدواح تفيء إليها أفهام العباقرة حينما تتصحر الكلمات وتنتبذ ركنا قصيا في معانيها المعجمية الحبيسة بين أوراقها الصفراء؟! وكيف نجافي لغة تتلاقح كلماتها تلاقح الأزاهير بحبات الطلع التي تذروها الرياح؟!

*****

اللّغة العربيّة والقرآن

لقد أنزل الله سبحانه وتعالى آياته بيّنات بالّلغة العربية الفصحى التي بها تتلى آيات القرآن الكريم، و بهــا تقام الصلوات وتؤدّى الفروض.

قال تعالى: ( آلمر تلك آيات الكتاب المبين * إنّا أنزلناه قرآناً عربيــاً لعلّكم تعقلون ). (سورة يوسف 21-22)

وقال تعالى: (وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً وصرفنا فيه مـن الوعيد لعلّهم يتّقون أو يحدث لهم ذكـرا).
( طه 113)

ولقد جعل الله سبحانه وتعالى اللغة العربية لغة أهل الجنّة، قال الشاعر عبد الرحمن العشماوي:

| لغة الخلــد أنا، تفنى لغـات | وأنا ألبس تاجاً ســـــرمديا|
| سوف أغدو لغة الجنّة لمـّـا | يرفع الرحمن من كان تقيّا|

والعلاقة بين اللغة العربية والقرآن الكريم وطيدة الوشائج، ثابتة الأركان والدعائم، إذ إن الغوص إلى درر العربية واستنضاح ما فيها من بلاغة وبيان وفقه وأسرار معنوية، يقودنا، في شغف، إلى تدبر آيات كتاب الله، واستكشاف ما فيها من معجزات أسلوبية وبلاغية ونحوية ترتقي بالأفهام إلى تلمس ما فيها من معجزات علمية تشمل الكون بكل ما فيه من طلاسم وأسرار تعز على العلماء والباحثين.. كما أن القرآن الكريم هو المورد الأول للغة العربية الذي لم تستطع أن تنال منه كل محاولات الطامعين والمستعمرين والحاقدين، وهو الذي حافظ على نقائها من كل دنس وجعلها قلعة حصينة أمام زحف كل التيارات المعادية على مر العصور..

فاللغة العربية لغة القرآن ولغة الدّين الإسلامي، فقد شرفت اللغة العربية بالقرآن وعظمت به، وصار لهـــا من المكانة في النّفوس ما لها، فأيّ مسلم على وجه الأرض لا يمكنه تلاوة كتاب الله إلا باللغة العربيــة، ولا يمكنه إقامة الصلوات إلا بها، فكيف يمكننا أن نهجر لغتنــا، وكيف لنا أن نهملهــا، ونتبجّــح بلغات غير لغتنا؟؟ أليس من الحريّ بنا أن نبجّلها، ونرفع من شأنها، ونعطيها من الأهميّة ما تستحقّه؛ لأنّها لغة قرآننا وديننا وتراثنا وحضارتنا؟؟

اللّغة العربيّة ودورها الحضاري

تعالوا بنا أيّها الأعزّاء لنرى ما الدور الحضاري الذي قدّمته اللغـة العربية في ميدان الحضارة العربيــــة والإسلامية بشكل خاص، وفي مضمار الحضارة الإنسانية بصورة عامّة.

عندمـــا جاء الإسلام عــزّز من مكانة اللغة العربية، فكان المسلمون يرسلون أبنـــاءهم إلى البادية لتعلّـم الفصاحة، وقد فرض الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام على أسرى بدر أن يعلّم كلّ أسير عشرة مـن أبناء المسلمين القراءة والكتابة..

ومع الفتوحات الإسلاميــّـة أخذت أنوار الشريعة الإسلامية تسطع على البلاد المفتوحة وتنفذ إلى عقـــول النّاس وأفئدتهم، معتمدة على طاقات اللغة العربية وفصاحتها وبيانها في نشر تعاليم الدّيـن الحنيف في كلّ الأرجاء، ولم تمض فترة وجيزة إلا وقد أصبح المسلمون على اختلاف مشاربهم وأجناسهم يجيدون اللغـة العربية نطقاً وكتابة، يرتّلون آيات الله البيّنات، ويقيمون الصلـوات، حتى تمكّنت الشـعوب الإسلاميـــة تحت راية الإسلام من التحّدث بالعربية، واستطاعت أن تقدّم كوكبة من أبرز العلمــاء والمفكّرين يكتبون نتاجـاتهـم بالعربيـة، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعـــدّ وتحصى. ونذكـــر من هؤلاء: الفــارابي والخوارزمي وابن سينا والبيـــروني والبخــاري والذهبي وابن خلــدون وابن خلّكان وعمر الخيام وأبو الأسود الدؤلي وسيبويه وغيرهم.

وفي الأندلس ازدهرت الجامعات والمعاهد التي أخذت تنشر نور العلم والدين، ونبغ العــرب والمسلمون في ميادين الطـــبّ والفلسفة والتـــاريخ والبصريّات والرياضيات، فكان طلبة العلــم في أوروبا القرون الوسطى المظلمة يتقاطرون إلى الأندلس؛ لينهلوا من معين العلـــم والمعرفة باللغـــة العربيـــة، وكانوا يفاخرون بأنّهم يحملون إجازات علميّة من إحدى جامعات الأندلس.

وفي العصر العبّاسي ازدهرت الثقافة العربية الإسلامية ونشطت حركة الترجمة إلى اللغة العربية، فكان الخليفة المأمون يعطي ثمن كلّ كتاب وزنه من الذهـــب، حتى غدت بغداد عاصمة الخلافــة الإسلاميــة منارة تهتدي بها كل جنبات العالم.. وهكذا استطاعت اللغة العربية أن تبســـط جناحيها في معظـم أرجاء الدنيا مرافقـــة الفتــوحات الإسلامية، تنشر حضارتها وثقافتها وتعاليم دينها الحنيف، وقد لمعت أسـماء العلماء العرب والمسلمين في الغرب الذي راح يترجم مؤلفاتنا إلى لغاته، واستطاع أن ينهل من ينابيعها العذبة وأن يجني أشهى ثمارهــا ليسخّرهـــا في تقدّمـــه وتطــوّره.

وإعجاباً بعلمائنـا وتقديراً لجهودهــم وعبقريّتهم، فقد أقاموا لهم التّماثيل والنصب التذكاريـّـة في جامعاتهــم تخليداً لذكراهم، وإجلالا لقدرهم، وقرّروا تدريس مؤلّفاتهم في تلك الجامعات.. في حين ابتعدنا نحن عــن علومنا وديننا ولغتنا وأهملنا علماءنا وأدرنا ظهــورنا لتراثنا، ورحنا نتلهّف شوقاً لاستيراد عيوبهم وسيّئاتهم ونتفاخر بها، وصرنا نتبجّح بكلّ ما صدّروه لنـا من تفاهات.. حتى أصبح التقليد عندنا لكلّ رخيص عندهم مفخرة ومظهراً حضارياً ودليلاً للرقيّ والتقدّم.

وهذا ما عبّر عنه لسان الشاعر عدنان علي رضا النحوي إذ قال:

عجبت !! ما بال قومي أدبروا وجروا يرجون ساقطة الغايات والهمــــلا
لم يأخذوا من ديار الغــــــرب مكرمة من القناعة أوعلمـــــاً نمــــا وعلا
لكنّهم أخــــــذوا ليّ اللسان وقــــــــــد حباهم الله حسن النطــــق معتــدلا
يا ويحهــــم بدّلــــوا عيـّــــاً بفصحهم وبالبيــــان الغنيّ استبدلـوا الزّللا

*****

اللّغة العربيّة والهويّة القوميّة

إنّ أي لغـــة في الأرض - علا شأنها أم تدنّى - تشكّل إحدى الروابط الهامــة التي تجمع بين المتكلّمين بها وتقوّي أواصر الانتماء والتعاضد بينهم، فما بالك بلغة عظيمة كانت زمناً من الأزمان لغة العلم والثقافة، ينهــل منهــا القاصي والدانــي، واستطاعت أن تلقي بظلالهـــا المفعمــة بالحضارة في مشارق الأرض ومغاربها؟!

فاللغة العربية ركيزة أساسية توحّد العرب وتجمع شملهم، إضافة إلى التاريخ المشترك ووحــــدة الهموم والآلام والمصير ووحدة الأرض والعادات والتقاليد ووحدة الدين والمعتقد.. ولذلك وجب علينا أن نتمسّك بهذه اللغـة العظيمة، ونسعى إلى إعلاء شأنهـــا وترسيخ دعائمهـــا في النفوس، فالشعوب العربية من المحيط إلى الخليج تتكلّم هذه اللغة وتتعلّم بهـــا، وأيّ بديل لهــذه اللغـــة الفصحى مـن اللهجات العامية، سيؤدّي إلى إيقاظ الروح الإقليمية والقبلية والقطرية التي ساهـــم في تعزيزها الحــــدود المصطنعة التي رسمها المستعمر الأجنبي بسياسة فرّق تســـد، ولهــذا كان لزامــاً علينا ألّا نقبــل أيّ بديل للغة العربية الفصحى سواء من اللهجات المحلية أو من اللغات الأعجمية الغازية.. وهذا ما عبّر عنه شاعرنا العربي حليم دمّوس:

لو لـم تكن أمّ اللغات هي المنى لكسرت أقلامي وعفت مــدادي
لغة إذا وقعــت على أسماعنــا كانت لنا بــرداً على الأكبـــــاد
ستظـــلّ رابطــة تؤلّــف بينـنـا فهي الرّجـــاء لناطـــق بالضّاد

وهذا شاعرنا علي سجيع بيطار يبيّن مكانة اللغة العربية عند المسلمين والعرب:

لغـــة الجنان وأهلـــها عربيـّـــــة كل اللغــــات بفضلهـــــا تتوحّـــــد
في دقــــــّـة التعبــير أنت مليـــكة بيـــن اللغــــات بعـــــرشه تتفـــرّد
أنــت التي كتبــت لنـــــا أمجــادنا نوراً سمـــا، ناراً على مــن يحقــد
فمن المحيط إلى الخليج مسافــــة تطـــوى بحبّك والقلــــوب توحـّـــد
في دفء حضنك وحدتي الكبرى أرى، روح العـروبة أنت والجسد

محاولات للنّيل من اللّغة العربيّة

كثرت محاولات النيل من اللغــة العربيــــة، والهدف الأبعد من ذلك هو النّيــل من ديننا الحنيف وتجهيل العرب والمسلمين.. وقــد بدأت تلك الهجمــة منذ ظهـــور الحركات الشعوبية، واستمرّت بشكل أخطـر عندما تعرضّت البلاد العربية و الإسلامية للاستعمار الغربي، فاحتلّت تلك البلاد، وعاشت قروناً مــن الجهل والتّجهيل والتخلّف والانحطاط، وعاث فيهـا المستعمرون فساداً وإفساداً ونهباً وســرقة وقتـــلاً وتدميراً وتفرقة و تمزيقاً للصفّ، وخلق النزعات الإقليمية والقبلية و الطائفية والمذهبية، إلاّ أنّ أخطر تلك المحاولات كانت النيل مــــن اللغـــة العربيـة والقضاء على الدين الإسلامي، ولا شكّ في أنّ ما جرى من إحراق لمكتبة بغداد، وإلقاء كتب مكتبة الإسكندرية في النيل وهـدم للمساجد و دور العلـــم على يـــد المغول و التتار، وسرقة للمتاحف و المكتبات والمخطوطات و التراث على يد المستعمرين، خيـر دليل على سياسة الاستعمار الهمجيّة التي ترمي إلى القضاء على الدين الإسلامي و لغته السمحة.

واستمرّت محاولات التغريب والنّيل من الدين و لغته العربية في العصر الحديث على أيدي بعض المستشرقين والمستغربين من أبناء جلدتنا، ومن تلك الدعوات إحلال اللهجــات المحلية مكان اللغة الفصحى، وقــد زاد الطين بلّة وسائل الإعلام العربيـــة من مرئيــة و مسموعة ومقــروءة ضاربة باللغــة الفصحى عرض الحائط باستخدام اللهجات المحليــة والوقـــوع في أخطاء لغوية لا تعدّ ولا تحصى؛ لأن القائمين عليها ليست لديهم الكفاءة اللغوية الكافية، إضافة إلى ضحالة الثقافة العامة، وقـــد عبّر عن هــذه الحال شاعرنا العربي عبد الرحمن العشماوي حين قال :

أنا لا أسمــع نطقــــا عربيـــّــا خالص اللّفـــظ وحسّا يعـــربيـّـا
أنا لا أسمع لفظـــــاً مستقيمــــاً إنّمــــا أســــمع لفظــاً أعجميـــا
فالإذاعـات التي تهــــدر فيــكم كلّ يــــوم تظهر الــدّاء الخفيـــّا
والفضائيـــّـات تجــــري بكلام ساقـــط يجـــــرح مـن كان أبيّـا
وأرى في صحف القــوم كلاماً يقتل الإعـــراب قتلـــاً همجيـــّـا

هذه الحالة من الانحطاط اللغوي في ألسنة الشعوب العربية المتقهقرة فكرا وثقافة ورقيا وأخلاقا وحضارة، المكبلة بسلاسل من حديد في ألسنتها وأدمغتها وأفئدتها، دفعت اللغة العربية الفصحى إلى التذمر والشكوى والأنين، وإطلاق صرخات النجدة والاستغاثة لأبنائها، كي ينقذوها قبل اندثارها، وقبل أن تطلق حشرجات الردى نتيجة الإهمال والجهل بأسرارها ودررها, ولوثة لغات الفرنجة التي لطخت طهرها ونقاءها، وقد جاءت هذه الاستغاثة على لسان شاعر النيل حافظ إبراهيم:

رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي وناديت قومي فاحتسبت حيــاتي
رموني بعقم في الشباب وليتني عقمت فلم أجــزع لقول عداتي
ولدت ولما لم أجــد لعرائسي رجــالا وأكفــاء وأدت بنــــاتي
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني ومنكم وإن عز الدواء أســاتي
فلا تكلوني للــزمان فإنني أخـاف عليكم أن تحين وفــــاتي

ومما آلم اللغة العربية وقض مضاجعها سعي بعض الغربيين إلى وأدها حية، بينا نراهم يهتمون بلغاتهم ويعتزون بها ويتفاخرون بأن فيها من الألفاظ والمعاني ما يتسع لكل مخترعاتهم وابتكاراتهم، ويرمون العربية بتهمة التحجر والعقم وعدم قدرتها على مواكبة قطار التطور والحداثة، و لذلك عزوا بعز لغاتهم، في حين تغص جرائد وشاشات وإذاعات الناطقين بالعربية بالأخطاء وكلمات الفرنجة:

أرى لرجال الغرب عـزا ومنعة وكـم عـــز أقـــوام بعـز لغــات؟
أتــــوا أهلهم بالمعجــزات تفنــنا فيــا ليتــكم تأتـــون بالكلمــات
أيطربكم من جانب الغــــرب ناعـب ينادي بوأدي في ربيع حيـــاتي؟
وفاخرت أهل الغرب والشرق مطرق حياء بتــلك الأعظم النخـــــرات
أيهجــرني قــومي - عفا الله عنهم - إلى لغـــة لــم تتصــل بــــرواة؟

فمن يعز لغته ويفاخر بها الأمم ويجعلها مركبة في الفضاء تبث أفكاره وحضارته إلى كل أرجاء المعمورة، جدير بأن تسمو به لغته إلى الكواكب والمجرات، ومن يهجر لغته ويلعق لكنات غيرها، فإنها ترميه بحجارة من سجيل وتجعله كعصف مأكول..

اللغة العربية عند الغربيين

إنني أخالف بعض عادات العرب، في نظرية التآمر، فليس كل الغربيين مـتآمرين علينا، فنحن متآمرون غاية التآمر على بعضنا البعض، ومتآمرون على أنفسنا؛ لأن الكثيرين منا أعراب أشد نفاقا وكفرا، وعلينا أن نتأمل بأفهامنا كلمات الحق وصرخات الوجدان والضمير التي تطلقها حناجر الكثيرين من الغربيين فيما يعز ديننا ولغتنا وقضايانا، فيكفينا أن نذكر كتاب العلامة الأمريكي (مايكل هارت): ((المئة الأوائل)) الذي وضع شخصية نبينا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام في المرتبة الأولى مستبقا كل الأنبياء والمفكرين والعلماء والمخترعين والمكتشفين.. ويكفينا أن نذكر بعض مؤلفاتهم في تاريخ لغتنا وأدبنا وحضارتنا ككتاب: ((تاريخ الأدب العربي)) للعلامة الألماني ( كارل بروكلمان ).. وكتاب: ((شمس العرب تسطع على الغرب)) للمستشرقة الألمانية النبيلة (زيغريد هونكة).. ولنتأمل هنيهة بعض أقوال الغربيين في لغتنا؛ كي نستبعد نظرية المؤامرة التي نسم الآخرين بها لنرد الشكوك عن أنفسنا المرتدة المنطوية على كل تناقضاتها كما قال الشاعر العربي المحظور في عالمنا العربي مظفر النواب :

قتلتنا الردة... قتلتنا الـردة
أن الواحد منا يحمل في الداخــل ضده..

فهذا (كارلونلينو) يقول: ((اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقا وغنى، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها.)) . ويقول الأمريكي ( فان ديك ): ((العربية أكثر لغات الأرض امتيازا، وهذا الامتياز من وجهين: الأول من حيث ثروة معجمها. والثاني من حيث استيعابها آدابها.)).

ويقول الدكتور (فرنباغ) الألماني: ((ليست لغة العرب أغنى لغات العلم فحسب، بل إن الذين نبغوا في التأليف بها لا يكاد يأتي عليهم العد، وإن اختلافنا عنهم في الزمان والسجايا والأخلاق أقام بيننا، نحن الغرباء عن العربية، وبين ما ألفوه، حجابا لا يتبين ما وراءه إلا بصعوبة.)) .

ويقول ( فيلا سبازا): ((اللغة العربية من أغنى لغات العالم، بل هي أرقى من لغات أوربا؛ لتضمنها كل أدوات التعبير في أصولها، في حين أن الفرنسية والإنكليزية والإيطالية وسواها، قد تحدرت من لغات ميتة، ولا تزال حتى الآن تعالج رمم تلك اللغات؛ لتأخذ من دمائها ما تحتاج إليه.)).

خاتمة

ممّا تقدّم ندرك ما للّغة العربية الفصحى من أهميّة؛ لأنّها لغة قرآننا وديننا الحنيف، كما أنها تعدّ من أهم الروابط القوميـــة والإسلاميــــة التي تجتمع عليها أمتنا العربية والإسلامية، وكذلك فهي هويتنا ومصدر عزتنا وفخرنا، ومن هنا وجب علينا أن نتفانى في خدمتها ورفع شأنها والارتقاء بها ومحاولة عصرنتها لاستيعاب كل المصطلحات والتقنيات والوســـائل الجــديدة، من خلال الطـــرق المعروفة في لغتنا، مـن اشتقاق ونحت وتعريب وغير ذلك.. كما يجب علينا أن ننير عقول أجيالنا بهذه اللغة العظيمة، وأن نقـوّم ألسنتهم بها وأن نحارب كل ما يهدم من بنيانها ويقوّض من أركانها ويحطّ بها إلى الحضيض، فالحضارة والتقـــدّم والرقيّ لا تتجلّى باستخدام ألفاظ أعجميــــة في حياتنا اليوميـــة، بل تتجلّى في تمسّكنــا بلغتنـــا والاعتزاز بها والارتقاء بزخائرها الكامنة فيها وتفجير طاقاتها.

بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية في الأول من آذار

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى