مابالُ قهوتُكِ بلا وجْه ؟!
أرسل عيونه إلى السماء واضعا يده خَلْفَ رأسِهِ شِبْهُ مستلقيا ، لم يأخذَهُ من شُرودِهِ الساكن سِوَى صَوتُ فنجان القهوة الذي أتَت بهِ زوجَتُه دونَ أنْ تَهمِس ببنتِ شَفَةٍ ..
أدارَ رأسَهُ تجاهَ صَوتِ الفنجان مُغمِضاً عينيه في المسافة مابين السماءِ وبَينَ الفنجان وألقى نظرةً طويلةً عليهِ ..
ثم رَفَعَ جَفنَيهِ لتقعَ عَينُه على عينيها وكأنّ أسئلة الدنيا صِيغَتْ على شَكْلِ سؤالٍ واحدٍ، قائلا:
مابالُ قَهوَتُكِ بلا وَجْه..؟!
أرسَلَتْ هي الأخرى نظراتٍ مباشرةً إلى عينيه بعد تَفَقُّدٍٍ سريعٍ للفضاء، مَصحوبةً بتنهيدةٍ عميقةٍ تَخَلّصَتْ بها من احتدام معاركَ في صدرها لا تنتهي.
تلاقَتِ الأعينُ بُرهةً من الزمن لا يدري كلاهما كَم مرَّ من وقتٍ أو كَم تدافَعَتْ من ذكرياتٍ عَبَرَتْ عبر أثيرِ الزمن الذي جمعهما بفنجانِ قهوةٍٍ بلا وجْه ...
كانت عيونها أكثرَ ازدحاما مِمّا جَعَلَهُ يَتنَصَّل من جِلْسَةِ الثقة والتعالي التي كان عليها واعتَدَلَ قليلا ينتظرُ الإجابةَ على سؤالِهِ ..تَخَلَّصَتْ هي الأخرى من نظراتها إليهِ وأرسَلَتْ عيونها في السماء ثم رَدَّتْ طَرْفَها قائلةً:
أتَعرِفُ كيف يَتِمُّ إعدادُ وجْهِ القهوة؟
أجابها وهل يَتِمُّ إعدادُ وجْه القهوة أولاً؟
قالت: نعم ، لأنَّ ذلك يتوقف على ما تُريدُهُ من القهوة
فإن أردتَّها لغرَضِ الحاجَةَ إلى شرابٍ ساخنٍ إرضاءً لحاجةٍ في نَفسِكَ ولم تهتم بوجهها فليسَ في الأمرِ صعوبةً لأنّكَ سَتَتْرُكَها تَغلي دائما لتنالَ ما تريد ...
أمّا إنْ كانت غايَتُكَ تَذوّقَها والاستمتاعَ بها ورؤيةِ وجهها، فإنك ستهتَمُ بإعدادها وستحرصَ على الرِفْقِ بها حتى وقت غليانها ...صَمَتَ قليلا ثم أردَفَ قائلا:
حسنا سأشتري البُنَ من مكانٍ آخر ..
نَظَرَتْ إليه ثم خفضت رأسَها إلى أسفل وكأنَّها تَستَجدي صَبَراً على انكسارٍ يتكرر دائما مثل انكسارِ وجْه قهوتها ..
حاولَتْ أن تَستَجمِعَ قُواها في مراحلَ عمرها كَيّ لا تزدحمَ العينُ مَرَّةً أخرى، ثم نَظَرَتْ في فنجانِ قهوةٍ فارغا ومقعدا خالٍ بجوارها وانتَبَهَتْ على صَوتِ أُمِّها:
هيا يا ابنتي حانَ وقْتُ زيارةِ المقابر ، ثم تساءلَتِ الأمُّ إلى متى ستجلسين كل صباحٍ وبجوارك فنجان فارغ؟!
ليسَ هُناكَ داعٍ لتَذْكِيرُكِ بتقاليدنا بوجوبِ زيارةِ الأرملةِ قَبرَ زَوجِها..
قالت بالتأكيد يا أُمّي ليسَ هُناكَ داعٍ ..
ثم تَعَجَبَتِ الأمُّ من تَرْكِ القهوةَ تغلي ..
قالت: لاعليكِ يا أُمّي فهي تَغلي كَيّ تظَلّ دائما
قَهْوَةٌ بلا وجْهٍ