الثلاثاء ١٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٤
بقلم محمد فاضل

من الضعف إلى القوة

خواطر

الأنبياء أيضا اتخذوا من ضعفهم سلما لله عز وجل للرضى ولانتصار الحق، فهذا نبي الله زكريا عليه السلام يتخذ من ضعفه بوَهَن العظم واشتعال الرأس شيبا وامراته العاقر يعني أمور من المستحيلات لكنه يدعو بضعفه ويلجأ لله عز وجل وليس لبشر، ثم تأتي البِشارة يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى ..

وهذا نبي الله موسى عليه السلام يتربى في بيت عدوه وهو طفل في المهد أي في أضعف مراحل عمر الإنسان ليصبح سببا في القضاء على فرعون عدو الله وعدوه بعد العناد والعصيان، وأيضا في مرحلة قوته وهو شاب قوي البنيان فعلى الرغم من قوته البدنية إلّا أنه في موقف ضعف وذلك عندما أمره الله عز وجل أن يأتِ القوم الظالمين لكن سيدنا موسى كان قد قتل رجلا منهم فالتجأ موسى لله عز وجل بقوله (ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون) يعني رغم قوته كان الخوف، وهنا إشارة لئلا يغتر الإنسان بقوته فقد تكون قوتك سببا في ضعفك

وأيضا سيدنا يوسف سواء وهو في غيابة الجُبٌ ضعيفا قد يُهلَك لأوهن الأسباب، لكنه من البئر إلى قصر عزيز مصر ليتربى في رَغَد من العيش بعد شظف البادية والبئر من بعدها، ثم في مرحلة القوة في شبابه ورغم وجوده منعما في كنف عزيز مصر يكون الضعف في السجن ثم من السجن ليصبح عزيز مصر ومدير خزائن الأرض

وسيدنا يونس في بطن الحوت في مكان ليس فيه أي سبيل منطقي أو واقعي للنجاة بل وكأنه في قبر متنقل فيسبّح الله عز وجل، فينجيه الله ويهدي به مائة ألف أو يزيدون لأنه ظن نفسه ضعيفا أو مقصرا في أمر الدعوة ..

وهذه السيدة مريم عليها السلام عندما ينهرها قومها بقولهم "لقد جئتِ شيئا فَريّا" وامتهانهم لها بقولهم "ماكان أبوكِ امرأ سَوءٍ وما كانت أُمُكِ بغيا "ثم لاتلبث إلّا أن تُشِر إلى موطن ضعفها من وجهة نظرهم وهو هنا سيدنا عيسى عليه السلام ثم ينكرون ذلك عليها ويسخرون بقولهم "كيف نكلمُ من كان في المهد صبيا" ثم يأتي الانتصار لها من الحق تبارك بأن ينطق ابنها في المهد ويخبرهم بأنه عبد الله وأيضا يأتي التكريم من طفلها بقوله "وبرا بوالدتي" رغم أن السيدة مريم عليها السلام كانت في قمة الضعف فهي في موقف من أشد بل أصعب المواقف الذي تُتهَم فيه المرأة ..

وها هو سيدنا إبراهيم عليه السلام في أشد المواقف ضعفا بل أشد من إلقائه في النار، وذلك في الرؤيا التي أُمِرَ فيها بذبح ولده سيدنا إسماعيل، والذي أعتقد أنه من أشد المواقف ألما على الأب أن يؤمر بذبح ابنه، لم يسأل الله التخفيف بل لم يناقش الأمر مع الله عز وجل كما حدث في أكبر قضية ألا وهي قضية الإيمان، عندما قال بحياء وبأسلوب غير مباشر "رب أرني كيف تحي الموتى"، هنا سأله الحق تبارك وتعالى "أولَم تؤمن"؟! قال إبراهيم عليه السلام "بلى ولكن ليطمئن قلبي" يعني سبحان الله يتحدث مع الله في قضية الإيمان بإحياء الموتى ليطمئن قلبه ،لكنه في انفطار القلب وحزنه بأن يؤمر بقتل ابنه لم يناقش الأمر مع الله عز وجل بل لم يكن هناك قلب يريد أن يطمئن عن سبب ذبح ابنه حتى لو من باب كونها رؤيا لكن رغم ضعفه وحزنه كانت قوته في تنفيذ أمر الله وتلك نعمة مَنّ الله بها على خليله سيدنا إبراهيم ثم تصبح قضية الفداء شعيرة من شعائر الركن الخامس من أركان الإسلام وعيد الأضحى ليوم الدين ..

لكن مِحنة أوقضية الإبن مختلفة عند سيدنا نوح فلم يأمره الله بترك ابنه ليهلك غرقا وإنما ذهب الإبن طواعية فكان نداء سيدنا نوح لله عز وجل بأن يهدي ابنه ليركب معه في السفينة ورغم ضعف القلب هنا لكنها كانت القوة من الله عز وجل "إنه ليس من أهلك " هنا قضي الأمر بل طلب سيدنا نوح الغفران من الله

وها هي السيدة هاجر عليها السلام في موقف من أشد المواقف ضعفا وهنا كانت عاطفة الأمومة، تقف عاجزة عن أن توقف بكاء ابنها في صحراء لازرع فيها ولاماء فهي لم تفكر في هلاكها بالهرولة والسعي بين الصفا والمروة رغم أنها بمقايسينا المادية القاصرة لاجدوى من سعيها بين جبلين لكن عاطفة الأمومة واليقين بالله كانت أقوى من ضعفها ثم يصبح سعيها شعيرة ليوم الدين

وها هو سيدنا أيوب ومع تنوع آخر في الابتلاء والضعف سنوات من الابتلاء ثم عاد صحيحا معافى لدرجة أن زوجته ظنت أنه يشبه يزوجها ..

وفي سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة والصحابيات رضوان الله عليهم، والغزوات والجهاد في سبيل الله الكثير من العبر في هذا المعنى ، ولنتذكر العام الذي وُصِفَ بعام الحزن فقد تُوفّيت زوجته السيدة خديجة وعمه أبو طالب. واللذان كانا يؤانسانه ويؤازران بل ضاقت الأرض بهِ صلوات ربي وسلامه عليه نظرا لما لاقاه من تكذيب، ثم تأتي ليلة الجَبْر من الله عز وجل ألا وهي ليلة الإسراء والمعراج

هكذا علينا أن نوقن تمام اليقين أن جَبْرَ الله آتٍ وأنّ اللهَ عز وجل ونحن في أشد لحظاتنا ضعفا لن يضيعنا إن ظننا به خيرا واتقيناه جل وعلا ودعوناه بيقين القبول وكُن على يقين بأنه كثيرا ماتأتي المِنَن في ثنايا المِحَن، وعليك أن تتخذ من ضعفك بل وهوانك على الناس سببا للقوة، فبمعيّة الله وحسن الظن به تُجبَر ويعود سلطانك

خواطر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى