الثلاثاء ١٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٩
بقلم محمد زكريا توفيق

مزرعة الحيوانات لجورج أورويل

جورج أورويل (1903-1950م)، روائي وناقد وكاتب مقال بريطاني. ولد في البنغال بالهند. اسمه الحقيقي إيريك آرثر بلير. كان والده ضابطا بريطانيا يعمل في الهند. كان لأورويل رأي قوي في أهم القضايا السياسية في عصره. الإمبريالية والفاشية والشيوعية.

من أهم أعماله، التي تعبر عن ضمير الجيل، هي رواية مزرعة الحيوانات، ورواية 1984. مزرعة الحيوانات تعتبر صرخة ضد الدكتاتورية وحكم الفرد، في صورة تهكمية. الخنازير المتصارعة على السلطة هي:

ستالين وغيره من الطغاة، ويمثلهم (نابليون)،

تروتسكي وغيره من الإصلاحيين، ويمثلهم (سنوبول).

الرواية في إيجاز:

عندما شعر الخنزير العجوز، الماجور، في مزرعة العزبة التي يمتلكها السيد جونز بقرب أجله، دعا جميع حيوانات المزرعة لاجتماع عاجل. أثناء هذا الاجتماع، اتهم الماجور العجوز الجنس البشري، ونسب له كل الموبيقات، من قتل وكذب وسرقة واستعباد للحيوانات بدون رحمة. ونصح الماجور رفاقه بمقاومة هذا الوضع المذري والثورة على الظلم والاستغلال والتجبر.

بعد وفاة الماجور وانتقاله إلى الأمجاد السماوية، تولى أمر الحيوانات شابان قويان من خنازير المزرعة، هما سنوبول ونابليون. قادا الثورة على صاحب المزرعة المفتري المخمور السيد جونز. وبمعاونة باقي الحيوانات، تم طرده من المزرعة إلى غير رجعة.

قاما أيضا بتغيير اسم المزرعة إلى "مزرعة الحيوانات" بدلا من "مزرعة العزبة". ثم تم وضع دستور جديد في صورة وصايا سبع حيوانية، أهمها "كل الحيوانات متساوية في الحقوق والواجبات".

الخنزير الشاب سنوبول (كرة الثلج)، والذي يدل اسمه على الصفاء والنقاء والشفافية، تولى تعليم الحيوانات القراءة والكتابة والأخلاق الحميدة. بينما الخنزير نابليون، والذي يدل اسمه على الدكتاتورية والثورة المضادة، تولي تعليم وتدريب الأطفال على الأصول الحيوانية.

الأمور جرت كالعادة في المزرعة بيسر ونظام، لكن بدون السيد المفتري جونز. كثر الإنتاج وأصبح الطعام وفيرا لكل الحيوانات. احتلت الخنازير مكان الصدارة والقيادة بحكم كونها أكثر ذكاء، كما أنها هي صاحبة فكرة الثورة أصلا. لذلك خصصت لنفسها طعاما خاصا، لبن وتفاح، للحفاظ على سلامة أجسامها وعقولها. ثم بدأ التنافس والصراع على السلطة يطفو على السطع بين سنوبول ونابليون.

عندما أعلن سنوبول عن مشروعه لبناء طاحونة، أصابت الغيرة قلب نابليون فأطلق كلابه الشرسة التسعة، التي قام بتربيتها بنفسه، على سنوبول لتقوم بمطاردته وطرده من المزرعة. بعد ذلك، قام نابليون بتنصيب نفسه حاكما أوحدا لمزرعة الحيوانات.

لم يضع نابليون الوقت عندما آلت إليه الأمور والسلطة. قام كدكتاتور أصيل لا يشق له غبار بتغيير الهيكل الحكومي للمزرعة. استبدل الاجتماع العام الذي تدار خلاله شئون المزرعة بلجنة خاصة من الخنازير قام هو باختيار أعضائها. ثم بدأ ينسب لنفسه فكرة بناء الطاحونة، مع أن الفكرة جاءت أصلا من الخنزير المطرود سنوبول.

قامت الحيوانات بالعمل الشاق المتواصل لبناء الطاحونة. على أمل أنها تخدم جميع الحيوانات مستقبلا، وتجعل حياتها أكثر راحة وسهولة. عندما دمرت الأمطار والسيول الطاحونة، أقنع نابليون باقي الحيوانات بأن السبب الحقيقي في انهيار الطاحونة هو سنوبول، الخنزير الهارب، والمتآمر لعودة النظام القديم وتحكم السيد جونز من جديد. لقد أصبح سنوبول كبشا للفداء وشماعة يعلق عليها فشل وإخفاق النظام الحاكم.

بدأ نابليون في تطهير المزرعة من المشاغبين، والتخلص من أعدائه ومعارضيه. مستخدما في ذلك كلابه المسعورة. كان يقتل كل من يتهمهم بالتواطؤ مع غريمه سنوبول أخذا بالأحوط. ثم تضخمت عنده الأنا وقام بتمجيد نفسه في كل مناسبة.

قام بتغيير النشيد الوطني واستبداله بنشيد جديد يمجد نابليون، ولا أحد غير نابليون. طبيب الحكماء وفريد عصره وأوانه. لقد بدأ نابليون يسلك سلوك صاحب المزرعة الأصلي السيد جونز. بالرغم من ذلك، وتحت تأثير الدعاية، لازالت الحيوانات تعتقد بأنها الآن أسعد حالا من أيام زمان، أيام المالك الأصلي.

قام السيد فريدريك، أحد المزارعين في المنطقة، بمهاجمة المزرعة بالذخيرة الحية لتحطيم الطاحونة. غير أن الحيوانات تنتصر في هذه المعركة، لكن بثمن باهظ جدا. جرح فيها الكثيرون، منهم الحصان باكستر. وبالرغم من جروحه المبرحة، ظل يعمل بكل قوته بجد وإخلاص طول الوقت، إلى أن خارت قواه وعجز عن العمل كلية.

طلب نابليون نقل الحصان باكستر إلى أقرب مستشفى بيطري. لكن الحمار الذكي بنيامين، الذي يستطيع القراءة مثل أي خنزير في المزرعة، يلاحظ أن العربة الموكلة بنقل باكستر مكتوب عليها ما يفيد بأنها تتبع أحد المجازر.

يأتي التبرير سريعا من أجهزة دعاية نابليون بأن العربة، كان حقا يملكها المجزر، ولكنها بيعت للمستشفى الذي سيقوم بالعلاج. الحقيقة المفجعة هي أن نابليون كان قد باع صديقه المخلص، والذي أفنى حياته في خدمة حيوانات المزرعة، للمجزر لأجل حفنة من المال يشتري بها برميل خمرة لزوم المزاج.

تمر السنون، خلالها يتغير سلوك الخنازير ويبدأ في التحول، إلى أن يصل في النهاية إلى ما يشبه سلوك البشر. تمشي على رجلين خلفيتين، ويحمل كل منهم في يده السوط، يلبس الملابس الإنسية وينام على السرير. الوصايا السبع تختصر إلى:

"كل الحيوانات متساوية، لكن هناك من هو أكثر مساواة من الآخرين"

أقام نابليون حفل عشاء، دعا إليه الخنازير ومزارعي المنطقة، الحلفاء والزباين الجدد. أثناء الحفل، أعلن عن إلغاء ممارسة كل التقاليد الثورية الدخيلة والعودة إلى الأصول القديمة المرعية. وأعلن أيضا عن العودة إلى الاسم القديم "مزرعة العزبة". طالما أن الخنازير تسلك سلوك البشر، فلا داعي للتفرقة بين الإثنين. ولا داعي للثورة من أساسه. وجاتها نيلة اللي عاوزة خلف.

بينما طغيان السيد جونز صاحب المزرعة الأصلي يمكن تبريره بأنه رجل غبي سكير، إلا أن طغيان حكيم زمانه نابليون لا يمكن تبريره إلا برغبته الملحة والمستميتة في السلطة. نابليون كما جاء في الرواية الأصلية، هو كائن شرس قبيح المنظر، عنيد لئيم ومعروف بالتمسك برأيه وفرض أسلوبه بأي ثمن. لا يجد غضاضة في الكذب والنفاق واستخدام الدعاية والرعب لتحقيق أهدافه الغير مشروعة.

عند نجاح الثورة، أول شئ فعله نابليون هو سرقة ألبان البقر، ثم قام بتخصيصها لبني جنسه من الخنازير. كلمات الماجور العجوز في بداية الرواية، لم تقم بتحفيز نابليون على الثورة ضد الظلم والطغيان، لكنها أتاحت له الفرصة لقنص السلطة وتنصيب نفسه دكتاتورا على المزرعة برمتها.

جرائم نابليون ضد رفاقه تتدرج من اختطافه لتسع كلاب مولودة حديثا وتدريبها وتحويلها إلى عصابة من القتلة، تتبعه شخصيا. تستخدم في إجبار الحيوانات البريئة على الاعتراف الكاذب. حتى يتم قتلها أمام الجميع بدم بارد.

لكن الجريمة الكبرى التي اقترفها نابليون، هي التحول التام، من مجرد خزير عادي إلى أن يصبح صورة طبق الأصل في السلوك من السيد جونز صاحب المزرعة سابقا. بل هو أكثر قسوة وفسادا.

في نهاية الرواية، نجد نابليون ينام على فراش وثير في سرير السيد جونز. يأكل في طبقه، يشرب كحوله، يلبس قبعته، يمشي على رجلين هو الآخر، ويقوم بالتجارة مع جنس البشر مثله. آخر جهوده في عالم الدعاية هي اختصار الوصايا السبع، دستور المزرعة الجديد، إلى:

"كل الحيوانات متساوية، لكن هناك من هو أكثر مساواة من الآخرين"

لكن الخنزير سنوبول مختلف تماما. هو أوزوريس أو بروميثيوس في الأساطير القديمة. كرس حياته لخدمة شعبه ومجتمعه. قام بتعليم وتثقيف باقي الحيوانات، وغرس فيهم القيم النبيلة. ثم وضع لهم الوصايا السبع كي تعمل كميثاق أو دستور لباقي الحيوانات. هدفه من بناء الطاحونة كان لتوفير الوقت لراحة الحيوانات كلها ورفاهيتها. لا لإستغلالها بالنخبة وحرمان الأغلبية من خيرها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى