مسقط القلب
السماء غزيرة امطارها . وغزيرةٌ الاشجان بقلبي، الامطار تهطل دونما انقطاع .. كأنها شلالات تتدفق بكل ثقة.. السيارة دافئة وبجسمينا كان الدفء اكثر بسبب الشاي الروسي الذي بقينا نحتسيه من اول الليل ، كنا نضحك ونتبادل الاشعار اقول :
– "وأكلت بسكوتاً وهذا الشعب لا يجد القليّة "
فيرد علي :
– وسكنت (عبدونا) ونحن عشقنا (الدحية ) "
قال :
– " بيروت تفاحة والقلب لا يضحك "
ونضحك .
– أشتهي تفاحة وأنت ؟
– رمانة !
قلتها ساخرا كأني احدث نفسي .
كنا قد اقتربنا من منزله في السلط .
انشدت كما في كل مرة اصل فيها الى هذا الشارع الذي يفتتح المدينة :
– "جآذر السلط أشهى أم روابيها
وحمرة الخد أم دحنون واديها !"
لم يضحك ولم يعلق فهو يعرف اني سأقوله كما كل مرة ندخل فيها المدينة .
اشعل لفافة وأخذ يدندن ويهز برأسه ذات اليمين وذات الشمال : - عيوننا اليك ترحل كل يوم .
ناكفته .غنيت له وبصوت مرتفع :
– عمان بالقلب !
شاركني الاغنية وبصوت مرتفع ايضا وانقطعت انفاسنا من الغناء والضحك الأسود والأبيض واشعلت لفافة.
قلت :
– لا بأس فرقتهما الحدود والاتفاقيات وجمعتهما فيروز.
بدا ان الشاي الروسي اشتعل وتأجج في دمائنا . اتسعت ابتسامته وقال كمن يسأل تلميذا يختبره متأنيا ً في طرح السؤال حتى يفهمه
– الآن احك لي ، الآن هل تعرف عمان جيدا ؟
ابتسمت بخبث، ساخراً وقلت متكلفا التردد ومقطعا حروف الاجابة - تقريبا .
انفجر بركان ضحكنا .
– هل تعرف شارع الرضا اين يقع بالضبط ؟
نترت رأسي بالنفي ..
قال :
– اذن هل ..
استدركت :
– آآه اعرف الدخلة التي فيها مطعم البابا ؟
ضحك طويلاً وقال :
– جميل .
– وعليه هل تعرف مطعم جبري الرئيسي .
ساخراً استفهمته :
– الرئيسي أم المركزي ؟
ضحك .ثم مبتسما ً قال :
– آسف المركزي .
قلت بثقة زائدة :
– اجل، انه يقع في شارع الجاردنز .
قال ساخراً ومتصنعا الغضب :
– اسمع اسمع الجواب ناقص .. أو على الاقل خطأ .
فهمت مراده فضحكت طويلا . اكملت الجواب وقد شاركني الضحك .
قلت :
– الجاردنز سابقاً ، آسف .
– الجواب عفوا خطأ وليس ناقصاً .
ضحكنا .
سألته متكلفا الجدية :
– جوابي أنا خطأ .
قال :
– لا. الدلالة، والوصف خطأ. فهو يخلو من الحدائق والتلال !
الشوارع تنزلق تحت عجلات السيارة بسرعة كبيرة ، طلب ان لا نبطئ السرعة فهو يحب لو نموت في مسقط رأسه ومسقط رأس ابيه ومسقط رأس امه وفي أكناف قبرها الحبيب .
سألني جادا وحزينا:
– هل جميل ان يموت المرء في مسقط رأسه وقرب احبابه !
أم في مسقط ..
وهنا تجشأ وكاد ان يتقيأ فلم يكمل ، وسريعا تناول منديلا ومسح فمه.
فباغته بالجواب :
– في الدوحة ، فالدوحة أجمل من مسقط .
ضحكنا .
اجتاحني حزن قلت :
– اجمل ما يكون ان يسقط قتيل منهم ويرتقي شهيد منا .
وصمتنا برهة .
ابدينا دهشتنا واستمتاعنا بالمطر وبوح الشتاء واسرار الليل ثم اخذنا نترنم بالشعر قلنا معاً بنفس اللحظة تقريبا وبحسرة:
– " صبرا تخاف الليل ".
صمت فجأة وقطب حاجبيه كأنه يقول- انني اتكلم جاداً الآن -وبحزن سألني :
– اي مكان اجمل ان يموت المرء فيه يا صديقي .
حزينا وصادقا ً همست:
– في مسقط قلبه !
صاح فرحاً لروعة التعبير :
– انت رائع .
اعترفت له سريعاً ان التعبير ليس لي وانه على ما اذكر لأحلام مستغانمي .
وضحكنا
- هل تعرف عبدالله غوشة؟
- معرفة شخصية ؟ كلا .
تدمع عيوننا من شدة الضحك.
سألني فجأة وقد اقتربنا كثيرا من منزله . إن كنت احب ان نعود الى عمان لأكل الحلوى من زلاطيمو ؟
قلت بسرعة وكنت اعتذر عن العودة :
– اي فرع ؟ الواقع في شارع عبدالله غوشه؟!
نبهته اننا اقتربنا من الحفرة الكبيرة فيجب ان يبطئ السرعة .. لم تقل السرعة.
– اقتربنا منها كثيراً
أخذ يضحك ويقول :
– لا عليك .. لا عليك .
– اقتربنا
– لا علـ...
سقطنا في الحفرة وارتطم رأسانا بزجاج السيارة رغم حزامي الأمان .
بقينا نضحك ، ونتحسس رأسينا ونتأوه من رضوض في ضلوعنا وعم الضحك.الضحك سيد الموقف لأننا اكتشفنا بعد برهة ومن أثر السقطة وقدوم الفكرة أني أنا الذي كنت اقود السيارة .