السبت ٢٩ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم عارف محمد نجدت شهيد

وجود الإنسان على الأرض، بين العاطفة والمنطق

لا يخفى على أحد تلك التطورات العميقة التي مر بها الإنسان منذ نشأته في الأرض حتى هذه اللحظة، لقد فعلت تلك السنوات في الإنسان ما تفعله قطرات الماء التي تتساقط دون كلل أو ملل على الصخرة الصماء حتى تبلغ غايتها في تفتيتها، ومع ذلك، فبعض صفات الإنسان تفوق تلك الصخور في صلابتها ولم تتحطم تحت ضربات سيف الدهر، ولعل أبرز تلك الصفات هي حب الاستكشاف أو ما يعرف بالفضول!

يدفع الفضول صاحبه إلى استكشاف محيطه، لقد تدفقت إلى عقل الإنسان منذ فجر الزمان آلاف الأسئلة التي شغلته وقضت مضجعه، وخاصة تلك الأسئلة الوجودية التي بقيت ألغازاً غامضة لقرون طويلة فلم يتمكن الإنسان من كشف غموضها ورفع الستار عن حقيقتها! ولا تختلف علامات الحيرة التي تظهر على وجه الإنسان الحديث عن التي ظهرت على وجه سلفه البدائي حين يفكر في سر وجوده، فما زال هذا السؤال المخيف يدور في عقله "لماذا أنا هنا؟".

أما الإجابات التي بحوزتنا فهي أكثر من أن تحصى ولا أجد جواباً يتسم بالشمولية والقوة كالذي يقدمه الإسلام إذ يفسر وجود الإنسان لإعمار الأرض وعبادة الخالق، تضيف الأولى معنى لحياة الفرد بتحقيق الإنجازات الفردية التي تصب في بوتقة المجتمع، وتبدد الثانية خوفه من الموت فتضمن له حياة هانئة أبدية وتعينه على الأولى! والناس في إعمار الأرض على مذاهب مختلفة، تاجر يبتغي الربح، ومزارع ينتظر الحصاد، وعالم يتوق إلى المعرفة، والقائمة تطول، إذ يضع كل إنسان هدفاً نصب عينيه ويوجه طاقاته للوصول إليه. وما أسعد الإنسان النضج الذي استطاع تحديد هدفه في الحياة بعد أن خاض تجارب عديدة فصقلته ليصبح مستعداً للبدء في الحياة الحقيقية، فكل السنوات التي تسبق تحديد الهدف ليست إلا مرحلة التحضير ولا تبدأ الحياة الحقيقية أو رحلة الحياة إلا حين يتكشف الإنسان هدفه ويعرّفه!

وما إن تبدأ هذه الرحلة حتى تصبح السنة كالشهر، واليوم كالساعة، والدقيقة كلمح البصر، وتستمر هذه الرحلة حتى اللحظات الأخيرة في حياة المرء، فيستذكر تفاصيلها ثم ترتسم ابتسامة هادئة على شفتيه أو تنهمر دموعه من عينيه قبل أن يغلقهما إلى الأبد! ويحتاح المرء إلى امتلاك الأدوات التي تعينه على هذه الرحلة الطويلة، وما أتعس من يعيش تحت وطأة الحرب والفقر ولا يملك لرحلته إلا الزحف بالعزيمة، ثم يخوض صراعاً داخلياً مريراً يؤرق ليله فيصبح ضحية للخوف من عدم الوصول، ويستمر في زحفه ولسان حاله يقول: "حسبي شرف المحاولة" كما قال الشافعي:

سَأَضرِبُ في طولِ البِلادِ وَعَرضِها
أَنالُ مُرادي أَو أَموتُ غَريبا
فَإِن تَلِفَت نَفسي فَلِلَّهِ دَرُّها
وَإِن سَلِمَت كانَ الرُجوعُ قَريبا

ولا أظن أن يدرك شابٌ في العقد الثاني أو الثالث من العمر معنى الصبر كما يعرفه الشيوخ، فما الصبر في نظر الشباب إلا استسلاماً غير معلن، وإذا أردت محاكمة المسألة منطقياً دون استخدام العاطفة، ستتوصل إلى حقيقة أن وجودك على الأرض واقع مفروض ولا مفرّ منه، ولذلك، عليك أن تتقدم نحو هدفك دون التفكير في النهاية، فإن سعيك هذا سيحقق لك هدفك أو يحملك إلى قبرك، أما الاستسلام فنتيجته واحدة، الفشل المحتم! يقول علي ابن أبي طالب: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.


مشاركة منتدى

  • أثر فعل قلمك في النفوس جميل
    كلماتك لها معنى عميق لكل قارء
    لا أدري ماذا أقول لك
    ولكن أتمنى أن تتواصل في ابهار نفوس الناس
    ورسم معالم البسمة من كلامك
    محبتي لك صديقي واخي العزيز أبا نجدت ❤️

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى