يوميات مواطن في الشرق الأوسط
أعيش في دولة تقع في قلب الشرق الأوسط، ذلك الشرق الذي ملأ الدنيا صخباً منذ فجر التاريخ. اعتاد أبناء هذه الدولة الحروب كما اعتاد وجه الطفل اليتيم على الصفعات.
إنها بلاد لا تعرف مستقراً ولا يهنأ مواطنوها فالخوف جليسهم الوفي الذي لا يعرف الغدر، وقد اكتسبوا مرونة فائقة في التعامل مع أحداث الدهر وقدرة التأقلم السريع في أصعب الظروف وأشدها قسوة.
منذ بضعة أشهر، وضع حسام صورة القائد المفدى على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي، وما إن أطاحت به المعارضة حتى أعلن للعالمين عن تاريخه الطويل في النضال ضد النظام البائد كما يصفونه. وأمطرنا بوابل من المنشورات الثورية التي تلعن النظام السابق وتمجد النظام الجديد.
علاء؛ بائع منتجات التجميل الرديئة الذي يكدس بضاعته على الرصيف، تهدر حنجرته بعبارات التسويق المتواضعة ويصيح دون كلل أو ملل: "تنزيلات، تنزيلات، حسومات، تصافي محلات". فكر علاء في استثمار الحدث التاريخي في البلاد لترويج بضاعته فأضافها إلى عبارات التسويق، فقال: "سقط الحمار، ونزلنا الأسعار!".
سعيد، يمتلك متجراً متواضعاً في الحي الذي أقطن فيه، استطاع جلب كل البضائع الأجنبية التي منعها النظام السابق حتى أنها حطت رحالها في متجره قبل أن تصل طائرة المخلوع إلى المنفى!
وقد انتشرت مهنة صرف العملة كالنار في الهشيم، وظهرت الأعلام الجديدة التي تحتاج إلى أسبوع على الأقل لخياطتها وطباعتها، واختفت الذقون الحليقة منذ ذلك اليوم! إنني على يقين بأن قدرة سكان هذه البلاد على التأقلم مع الظروف تفوق قدرة جميع الشعوب والأمم! إن عقول أبنائها تعمل بسرعة فائقة، فالتغيرات التي ظهرت في الأيام الأولى منذ الإطاحة بالنظام القديم تتطلب شهوراً للظهور في ظروف مماثلة في بلدان أخرى.
يذكر سمير عبده في كتابه "التحليل النفسي للعقلية الشامية" أنه في قرن من القرون السابقة حكم عاصمة البلاد ما يقارب الخمسين والياً عثمانياً، وأورد في كتابه قصة طريفة عن أحد الولاة الذين ظلموا أهلها فخرجوا مطالبين برحيله، فما كان من هذا الوالي إلا أن أخرج صندوقاً كبيراً نصفه ممتلئ من الذهب وقال لهم: "اختاروا، فإما أن أبقى لأملأ هذا الصندوق، أو أن أرحل فيخلفني والِ صندوقه فارغ" فعادوا راشدين!
أن تعيش في الشرق الأوسط، فهذا يعني أن تتوقع حدوث أي شيء في أي وقت وفي أي مكان، إنها كخشبة المسرح التي يغلب الارتجال فيها على أداء الممثلين. يود المرء الذي يحيا في هذه البلاد أن يكون بطريقاً في القطب الشمالي يمشي الهوينا ثم يتزحلق على الجليد، أو كنغراً في أستراليا يحمل أولاده في جيبه ويركض في القارة الأسترالية ولا يلوي على شيء، أو -في أعظم الأمنيات- أن يكون مواطناً مغموراً في دولة لا تظهر على شريط الأخبار.