الجمعة ٢٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٧
بقلم علي دهيني

ويبقى الكثير

برغم الكثير الذي قيل، يبقى أمامنا الكثير الذي يجب أن نقوله..

قد يأخذنا البَوح إلى الكثير من المحطات الساخنة التي يمكن أن نطلق العنان فيها لقلم ينقل ما يدور في عقولنا أو ريشة تجسّد بعضاً من إبداعاتنا، أو منبر يترنّح على مَوج قصائدنا.. أو شاشة صغيرة أو كبيرة، تحرّك وتعرض بعضاً من معاناتنا. لكن السؤال إلى أي مدى يمكن أن يكون لنا دور أو تأثير وسط هذا الضجيج الصاخب من قعقعة البنادق وأزيز الرصاص.؟

بل، السؤال الأكبر، ما هي موارد ثقافتنا التي تنتج مواطناً واثقاً بنفسه أولا، مؤمناً بوطنه وكينونته ثانياً..؟

نتّهم أنفسنا بأننا ما زلنا متخلفين ونتغنى برأي خصمنا أو عدوّنا فينا لنزيد من كمية الإحباط التي تسكننا، حتى صرنا نصغي السمع طوعاً لمعرفة من نحن من خلال رأي الآخر بنا وكأننا مقعدين عن السير في ركب العصر فهماً وسلوكاً وطريقة تفكير حتى. وأسهل ردة فعل عندنا هي أن نتّهم بعضنا بعضاً ويعيد واحدنا الكرة إلى ملعب إرثنا وتراثنا ونحيل كل ضعفنا وجهلنا إليه وعليه. وبقرارة أنفسنا، بعد مرحلة النضوج الوهمي الذي تجتاحنا، نعيد السبب إلى القيمين على هذا الإرث والمترجمين له سلوكاً عملانياً.

إن ذاكرتنا مُلئت بعبارات ومفردات لا عدد لها ولا حصر "تكوّمت" في أفهامنا وصرنا أسرى التفاعل معها والانفعال لأجلها. والمضحك المبكي أن ذات المفردة ـ لمرونتهاـ يمكن استعمالها بجميع المناسبات وحيث تدعو الحاجة.

مثال، أو أمثلة.

 الثورة، التي تعني رفض ما هو واقع في حياة أمة ومجتمع شعب ومحاولة ابداله بأفضل منه، صار معناها كما يفهمنا إياها اليوم القيمون على إدراكنا، أنها انتقال من يد حاكم إلى يد حاكم آخر، دون الاقتراب من هيكلية النظام الذي هو أساس المشكلة وربّ المصائب والعلل التي نعيشها، والتي ينضوي تحت قوانينه ويرعاها، من نعمل على مساندته ليتولىّ أمورنا.

  الانتفاضة، التي هي الخروج من حالة صمت واستسلام وخضوع لأمر واقع، صارت تترجم على أنها مظاهرة تأييد ومهرجان تكريم وتنصيب.

  الثقافة، وهي انفتاح العقل على كل المعارف والعلوم الإنسانية، صارت بطاقة حصرية لتنظيم أو حزب، أو مذهب، أو فصيل. أو مرجع بعينه. ( طبعا لسنا من أنصار العبثية إنما من رافضي التقوقع وتعطيل العقل).

  الحوار، الذي هو حول نقطة خلافية يسعى المتحاورون الى الوصول عبره إلى التفاهم على نقاط مشتركة، إقناعاً أو اقتناعاً، صار محكوماً بالموافقة المسبقة والإقرار بصوابية وجهة النظر الأخرى قبل الدخول فيه.

مَن مِن كل الأحزاب والتنظيمات والحركات، التي تموج بها الساحة العربية وتمور بتنظيراتها ومنظريها، يسمح لولوج فكر آخر أن يدخل إلى محرابه أو يقارنه في المنابر، دون أن يكون متسماً بالتماهي معه..؟

والساحة اللبنانية اليوم في الطليعة في هذا لما تستقطبه من اهتمام عالمي حتى على الصعيد الثقافي، حيث دعي ما يقرب 12 وجهاً ثقافياً للمشاركة في تظاهرة أدبية في باريس، على أنهم يمثلون الوجه الثقافي للبنان وكأن لبنان يقتصر على هذه المجموعة فقط مع كل احترامنا لهم وتأييدنا لنتاجهم.

دعونا نبحث عن مواردنا الثقافية التي تغني فكرنا الإنساني أولاً.. وأين نجدها.؟ هل في رؤية ورأي الآخر لنا وعنّا..والذي قد يقال أننا نتلاقى وإياه "شواطئياً" ويجمعنا معه بحر من ماء ناسين انه غسل بملوحته وبوارجه الحربية، كل ما يمكن ان يكون موضع ثقة بيننا.. أم في جذورنا وتاريخنا وعلومنا..؟

هل نبحث في الشعر مثلاً، في الأدب، في المسرح، في المحاضرة، في المقال، في البحث، في الكتاب... حسنا، في القانون، في النظام، في التربية.. أين..؟

كل هذه نواقل للثقافة، ربما ـ وبعبارة أكثر فجاجة ـ هذه لصوصها لأنها قادرة على سرقة عقول المتلقي وإيهامه بأنها مرجعه، بالرغم ان لهذه النواقل دورها الإيجابي حتماً لما تتركه من أثر في النفوس ونضوج في الوعي، لكن المطلوب معرفة أين مواردها..؟ أين مناهلها.. ومن أين نستقي أسسها..؟

اللهم إنّا لا ندّعي معرفتنا بتلك المناهل ولا تلك الموارد، لأننا من أبناء السؤال الذي لا ينتهي، لكن ما نلمسه في كل هذا هو غياب الأمين الحافظ لكل ما نشعره ـ مجتمِعاً مع بعضه مما ذكرنا ـ أنه ثقافة، وهو الأخلاق..!؟

أين الأخلاق في كل ما يدور..؟

رحم الله أحمد شوقي، فحيث نجد أخلاقنا.. نجد ثقافتنا.. وحينها نجد أمتنا..!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى