الأحد ١٢ أيار (مايو) ٢٠١٩
بقلم محمود فهمي عامر

احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009

أجرى معي الأديب أيمن اللبدي، رئيس تحرير مجلة «حيفا لنا» عام 2009م حوارًا، حول ما يأتي: كيف ترون احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009 من حيث التنفيذ الفلسطيني والعربي والدولي، وتأثيرها، إن وجد، في الساحات العربية والدولية الثقافية تحديدا؟ وهل ترونها استطاعت أن تكسب جولة ثقافية في مواجهة مصوغات التهديد المادية، ومصحباتها الثقافية الغربية؟ وإن كنتم غير راضين عن النتيجة، فما الأسباب؟

فقلت:

سأتناول الرّد من زاوية صحيفة عربية معروفة أتابع صفحتها الثقافية الموسومة بـ (اتجاهات ثقافية)، وكما قالوا في البلاغة العربية: الجزء يدل على الكل، أقصد هنا: جزء الثقافة يدل على كلها في العالم العربي، وقد سجلت هذه المتابعة من 20 – 2 – 2009 حتى24 – 3- 2009م، وربما يسأل المتابع، ولماذا لم تسجل هذه المتابعة قبل ذلك التاريخ، وإجابتي في نقطتين:
الأولى: انشغل العالم مع إطلالة عام 2009م بالحرب على غزة، وقد يكون له العذر أن ينسى أو يتناسى عاصمة الثقافة لهذا العام، مع هذا التطور الذي فرض نفسه على الساحة الدولية، ويحتاج العالم إلى استراحة كي يستذكر القدس بعد غزة، فتركت هذا الشهر الفاصل لإعادة الأنفاس، ولم أبحث عن غياب القدس فيه؛ لأن الرّد عليّ سيكون جاهزا، وربما سيكون مقنعا لغيري.

الثانية: حتى أكون موضوعيا، ومواكبا لآخر المستجدات على الساحة الثقافية فيما يخص القدس عاصمة الثقافة العربية 2009م، وأستطيع الرد على هذا السؤال، كما يأتي:

في حوار طويل جدا للدكتور المثقف العربي منير العكش، ولمدة يومين متتاليين (1 – 2) في الصفحة الثقافية المذكورة، الإثنين 16 – 3 والثلاثاء 17 – 3 – 2009 م، لم أجد اسم القدس في هذا الحوار الثقافي الخاص بالإبادة الثقافية، وطمس ثقافة الشعوب، لاسيما وهو من الناقلين والمروجين لفكرة أن غزاة العالم الجديد يرون الفلسطيني في الضحية الهندية كما يقول، والسؤال: كيف تجاهل من حاوره أولا عن سؤال يخص القدس عاصمة الثقافة العربية عام 2009م؟! ثم كيف تجاهل الدكتور منير العكش، وهو أحد ركائز الثقافة العربية بما قدمه من إنتاج ثقافي عالمي، والحاصل على جائزةPen) ) الدولية في ترجمته لواحدة من مجموعات محمود درويش الشعرية، هذا الحدث الثقافي الذي يعد أساسا ثقافيا في نوعية إنتاجه الأدبي والثقافي في مثل هذا الحوار التعريفي عن مفهوم الإبادة الثقافية؟!

أقول ولا كلمة واحدة، من قريب أو بعيد، تشير إلى القدس واحتفاليتها، ولا أعذر الدكتور العكش إذا لم يوجّه له سؤال خاص عن القدس، أو عن احتفالية القدس عاصمة الثقافة عام 2009م؛ لأن هناك أسئلة كثيرة كان بإمكانه أن يذكر خلالها القدس، من مثل ذلك السؤال لمحاوره: يصدر في يونيو المقبل كتابك «لعنة كنعان» عن دار الريس، وهو يختص بالكامل في الإبادة الثقافية أكثر من الكتب السابقة، ما أهم ملامح الكتاب؟ لم أجد في رد العكش أي ذكر عن القدس، أو عن عاصمة الثقافة العربية 2009م، وأتساءل: لماذا؟ أين تقع القدس، يا دكتور منير، في مجموعاتك الثقافية، وقاموس الإبادة الثقافية؟ وكيف يكون هذا الحوار المعنون في يومه الثاني على لسان منير العكش: (منير العكش: السلام لا يأتي إذا نسينا بل إذا عرفنا)، ولم نعرف فيه، أو نسمع شيئا عن القدس؟ وما الذي أنساك ومحاورك ذكر القدس في مثل هذا الحوار الذي يتناول فكرة أمريكا والإبادة الثقافية؟ أليست القدس، يا دكتور منير، تعاني همَّ إبادتها الثقافية، وطمس هويتها من جهات متعددة؟ لقد تحدثت كثيرًا، أيها المثقف، وأسهبت أثناء حديثك عن حرب التعرية الثقافية في الهند، وترجمتك لحكايات «عشيات الكوخ» الشعبية، إننا، للأسف، العرب، وأنا واحد منهم، ولكني صغير الحجم قياسا معهم، نرجسيون أمام الكاميرات، وعدسات الإعلام، لا يهمنا إلا عدد إنتاجنا الأدبي والثقافي، وموقعه في الإعلام، وننسى في الطرف الآخر من كان مادة أولية في تشكيله أو شهرته.

وما أثار حفيظتي من هذا الحوار الثقافي أمران، الأول: ذلك الحديث الذي تفضل به منير العكش عن الغياب العربي والأكاديمي فيما يخص أمريكا ودراستها من الداخل وفهم أوضاعها، أما الغياب عن القدس في الداخل والخارج فلا معنى له في مثل هذا الحوار الخاص، نناقض أنفسنا في ثانية الحال!! والثاني تلك المقدمة التي بدأ المحاور بها: (الصحيفة تلتقي منير العكش في حوار ينشر على جزأين يتناولان الإبادة الثقافية التي تبدل ضحاياها، وتبقي على عنوان وحشي صلد يوضع في مقدمة عربة خيل، ولا فرق البتة، في مقدمة طائرة أسرع من الصوت، كما تتعرف الدور الثقافي للعرب في أميركا، والعــــرب في بلاد العرب)، لننسى أمريكا في هذا الجزء من المقدمة، فأين أيها المتحاوران تعرف الدور الثقافي للعرب في بلاد العرب؟!
فهل ما زلتم تسألون عن رضانا ورأينا في احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009م، وكما يقولون في المثل العربي: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير؟ ولكم من نافلة القول ما يأتي:

في خبر آخر، يوم الثلاثاء 24–2–2009م، قرأنا: منتدى الفنون المعاصرة ينظم مشروع « توثيق فلسطين» فنانون فلسطينيون من الداخل والشتات يعرضون إبداعاتهم بـ «آرت دبي»، ولا يوجد في هذا التوثيق كله ذكر للقدس عاصمة الثقافة، فما نوع هذا التوثيق؟!

وفي الصفحة الثقافية نفسها: مستقبل المقاومة الفلسطينية في الصالون الثقافي غدا، وهي محاضرة للنائب اللبناني السابق ناصر قنديل بعنوان: مستقبل المقاومة الفلسطينية، وفي المقالة شيء عن غزة، ومحطات في تاريخ النضال الفلسطيني، ولكن القدس واحتفاليتها عن هذه المحطات غائبة!

وفي 25 – 2 – 2009 م هناك خبر يقول نقلا عن عمان رويترز: شاعرة فلسطينية أمريكية تلقي قصائد لفلسطين في بردواي (سهير حماد)، وذكر الخبر غزة، ولكن القدس غائبة، ولا ذكر لها هنا أيضا، أعني بقولي، كان بإمكانهم القول: بمناسبة القدس عاصمة الثقافة العربية...!!
والخبر التالي في : 23 – 2 – 2009 يقول: محمد الأسعد: دائما يأتي من المستقبل... صدور كتاب «ناجي العلي» 1985 – 1987... تناول فيه المحرر اسم الكتاب، وعدد صفحاته وحجمه، وأعمال الفنان ناجي العلي خلال إقامته في لندن، وعرج على كاتب التمهيد للكتاب خالد ناجي العلي، ومقدم الكتاب محمد الأسعد، ولم يذكر في ذلك المقال كله كلمة واحدة عن القدس عاصمة الثقافة العربية 2009م، التي قضى سيرته فيها، وقاوم بفنه أعداءها، لا سيما أن الخبر يتزامن مع احتفالية القدس عاصمة الثقافة عام 2009م، وعن شخصية ثقافية فلسطينية، والأصل في كل خبر من هذا النوع أن ينوه للاحتفالية؛ تضامنا مع القدس، ولو في هذا العام فقط.

والغريب أن صحافتنا العربية وآلتنا الإعلامية عند وفاة شخصية أدبية، أو إعلامية، أو ثقافية تجد كل يوم ولمدة طويلة الأخبار عن هذه الشخصية، وكأن هذه الشخصيات هي أهم من القدس، وأنا هنا لا أقلل من شأن هذه الشخصيات، ولكني أستنكر أن تأخذ دورًا في صفحاتنا الإعلامية ومواقعنا أكثر من دور القدس عاصمة الثقافة العربية، ولو قلبت الصحف في وقت الاحتفالية تجد حضورا للطيب صالح، رحمه الله، أكثر من القدس، وكذلك الحال في محمود درويش، ونجيب محفوظ، وما اخترت هذه الشخصيات إلا لأنها آخر الشخصيات الثقافية التي ودعتنا، وتزامنت مع احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009م، فما الذي فعلناه نحو هذه الشخصيات التي نعتز بها ثقافيا؟ وماذا فعلنا في المقابل مع القدس عاصمة الثقافة العربية 2009م؟

وأخيرا أين القدس في برامج أطفالنا؟ ألا يحق لهذه الأجيال المتصاعدة أن يتسرب إليها بين الدعاية والأخرى شيء عن القدس عاصمة الثقافة العربية عام 2009م؟! أين القدس في مدارسنا وجامعاتنا؟ أين القدس في مصانعنا؟ أين القدس في كل ركن من أركان حياتنا اليومية؟ هل ما نراه ثقافيا ينسجم وحجم القدس في ثقافتنا وتاريخنا وعقيدتنا؟!

فهل ما زلتم تسألون عن رضانا ورأينا في احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009م!! والله إن حالنا الثقافي الخاص باحتفالية القدس لا يسر عدوّا أو صديقا أو مارًّا في طريق ثقافتنا... فلك الله يا قدس، نعم لك الله يا قدس، وقد جعلوك منظمو الاحتفالية في قوائم مدنهم العربية بعد أن اعتذرت عاصمة عربية عن عامها 2009، فكنت مكانها قدرًا في عامك 2009.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى