الثلاثاء ١٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١١
ملف خاص عن الأديب الشامل
بقلم أوس داوود يعقوب

الراحل طلعت سقيرق

أربعون عاماً ونيف قضاها الشاعر والأديب والصحفي والباحث الفلسطيني (طلعت سقيرق) مشتغلاً في حقول الأدب والثقافة والصحافة السورية والفلسطينية خدمة لقضية شعبه العادلة، التي حملها إنتاجه الأدبي الكبير شعراً وقصة وكتابة تميزت بالخوض في آفاق جديدة في مواضيع النقد الأدبي واتسمت بالعمق في معالجات لجوانب أبداعية شتى.

يُعدُّ الأخ والصديق الراحل (طلعت سقيرق) من أبرز رجالات الجيل الثاني من شعراء المقاومة، ومن أهم الأدباء الفلسطينيين الذين قدموا للوطن والمقاومة جل اهتمامهم وفيض كلمات إبداعهم، ولم يبخلوا يوماً عن غرس القيم الإنسانية والوجدانية الفلسطينية بين سطور ما كتبوا. وهو صاحب تجربة شعرية رائدة لم تسلّط عليه الأضواء بما يكفي لمعرفة مشروعه الثقافي والشعري.. لكن يكفي القول أن فلسطين الأرض والإنسان والقضية كانت محور كل ما كتب شعراً ونثراً، وبهذا رسخ اسمه ليكون من الأسماء المعروفة في العالم العربي كشاعر ملتزم بقضايا شعبه الفلسطيني وأمته العربية، وكقاص له بصمته المتميزة المؤثرة وبخاصة في قدرته الكبيرة على التجديد والابتكار في الشكل والمضمون.

وهو أيضاً من أشهر شعراء الأغنية الفلسطينية المحكية، الذين عاشوا الهم الوطني والخيمة واللجوء. والكثير من قصائده العامية، المعبأة برائحة الجذور وعمقها، غنتها فرق كثيرة وقدمت في الإذاعة والتلفزة في عدة دول عربية.

والذي يعرف الفقيد يعلم جيداً أنه لم يكن شاعراً مبدعاً ومثقفاً فحسب، وإنما هو أيضاً من خيرة المبدعين الفلسطينيين الذين اشتغلوا بقطاع الصحافة، ما أهله ليكون صحفياً بامتياز، رغم تأكيده الدائم أنه وقبل أي شيء أنه شاعرٌ، فهو القائل: «إن الشعر ضرورة وليس ترفاً»، وكثيراً ما كان يردد على مسامع أصحابه ومحبيه: «الشعر أولاً ثم أولاً.. أعتبر الشعر حاجة طبيعية للإنسان.. الشعر ضرورة وليس ترفاً». لذلك كان الوطن ومفرداته مسكوناً دوماً بقصائده التي تحاول تقديم مناخات خاصة به وتحمل بصمته وتوقيعه.. هذا عن الشاعر.

ولكن ماذا عن (طلعت) الإنسان؟ لقد تميّز (أبا محمود) بالأنفة، والكبرياء، ونقاء السريرة، وطيبة القلب.. ويُجمع كل من عرفه أنه عاش عزيزاً، نبيلاً، صادقاً، مخلصاً ووفياً لرفاق دربه وأصدقائه وزملائه ومحبيه.. الذين يشارك بعضهم في هذا الملف، رغم تأكيدنا على صدق مقولة شاعرنا الكبير الراحل نزار قباني: «إن كل المراثي في الدنيا لا تكفي لرثاء وردة»...

الشاعر خالد أبو خالد (فلسطين):

هذا الشاعر العربي الفلسطيني طلعت سقيرق.. واحد من الذين يشبهون أنفسهم، حيث يتصرف كما تملي عليه دواخله وضميره.. لم نسمعه يوماً يتحدث عن نفسه ولكنه كان يكتبها.. في الشعر يكتبها، وفي المقالة أيضاً. إنما.. وحين كنا نقرأ ما كتب.. كان واضحاً حتى للمتلقي العادي أنه مثقف يلتزم قضايا شعبه وأمته.. من التفصيل الصغير.. إلى العام في همومهما.. وآمالهما.. ولم يكن يخوض في ذلك نقاشاً حول الثوابت فيهما.. كما أنه – وعلى ما أذكر- لم يسمح لنفسه أو لأحد أن يناقشه في مواقفه وثباته..

فمن حيث هو شاعر.. كان متميزا بالجملة الإيمانية، والرشيقة محمولا على لغة قريبة إلى القلب.. قريبة إلى الوجدان.

إذ لم يكن طلعت يكتب من مرتفع مطل، وإنما كان يكتب تأسيساً على معايشة ورؤية الوقائع.. وصولا إلى الرؤيا في مشروع شعري أعطى نفسه كليا ليكتمل على الورق.. ليصب دائما في طاحونة واحدة.. هي وطنه العربي الكبير.. وفلسطين التي لا تغادر عذاباتها وكفاحها.. مدركا أن شعبه الذي صمم على الانتصار.. لا بد و أن ينتصر لأن الانتصار مشروط بالتضحيات التي تمثلها طلعت دائماً في كل ما كتب سواء في مجموعاته الشعرية.. أو في بطاقاته الجميلة.
ومن الصواب القول: إنه كان أيضا صاحب مشروع ثقافي أراد له أن ينجح في « المسبار» لكنما العين كانت بعيدة واليد قصيرة. فالمشروع الثقافي ليس كالمشروع الشعري.. إذ يتطلب الأول شروطاً لم يكن من السهل تحققها فالتكاليف كبيرة.. والإمكانيات محدودة.. ولعله أراد أن يحتفظ باسم المشروع كنوع من التعزية.. أو كنوع من انتظار انطلاقة أقوى..

الكاتب الصحفي أحمد صوان (رئيس تحرير مجلة صوت فلسطين):

لقد افتقدناك.. فأنت الأخ والصديق والزميل، أنت من كان شريكاً لي في المكتب، أنت يا من أجد نفسي في عزلة دون وجودك معي، نتسامر، نتناقش، نتحدث، نضحك، نبث همومنا، ونبحث عن حلول ولو آنية لكل ما يدور من حولنا، من أزمات ومشكلات، ومنغصات، كنت وحدك من يتجاوز ذلك، ولا يعيرها أدنى اهتمام أو تفكير، لكن في قرارة نفسي، كنت أعلم أنك تدفن كل ذلك في داخلك، إلى أن حدث الانفجار، وكان رحيلك، خسارة لنا، ولكل أولئك الذين يطلبون مشورتك في قصيدة أو قصة، أو نص أدبي، أو نقد لمجموعة أو ديوان أو حتى لشاعر أو فنان، لمبدع، أو لا مبدع. كنت خسارة للأدب بكل فنونه وأنواعه، كما للإعلام والصحافة، ولاسيما على المستوى الوطني الفلسطيني...

ستظل معنا في روحك، وفي طرائفك، وفي نوادرك، وفي كل حكاياتك عن الوطن والزمن والدهر والبشر، عن الإبداع والإعلام، والعلاقات الإنسانية والتي كنت تجد فيها ملاذك، كما نجد فيك المحبة والود والوفاء والصفاء والطهر. ‏

لن أقول وداعاً، فالوادع هو الأصعب بين المحبين،لكن لا مفر من ذلك، لأن «الموت» وأنت الأعرف، هو حقيقة مطلقة، كنقيض للوجود والحيوية والفعالية. هو الذي يظهر أن وجودنا مرهون بما نعمل ونقدم، و نساهم في حياة مرئية، محسوسة وملموسة، ليكون لهذا الوجود أثر أو آثار، أو توضعات أو معالم وملامح تعطي بدورها للحياة معانيها وأبعادها. ‏

القاص والروائي د. يوسف جاد الحق (فلسطين):

بلى، لقد كنت كذلك. كنت أخاً لي في السرّاء والملمات على مدى رحلة العناء، وحروب تأكيد الحضور والوجود في أتون حياة صاخبة موّارة حفلت شعابها بالأشواك المدمية أكثر منها بالزهور والورود المبهجة.

كنت أخاً لي أقرب إليَّ من إخوتي، أبناء أمي وأبي. كنت كذلك توأم الروح الساكن في شغاف القلب. صديقاً فقدت اليوم... وأي صديق.. أخاً وأيُّ أخٍ فقدت. خسارة جلىَّ، ومن الخسائر ما لا يعوُّض...

يكتنفني من سائر أقطاري بعد غيابك فراغ في النفس أليم مضني وخواء في القلب فادح بالغ.
اللوعة تملأ جوانحي، والحُّرقة توهن جوارحي...

آه أيها العزيز.. أه يا طلعت.. هل حقاً مضيت...؟ و... حتى وداعاً لم تقل... مضيت في صمت ورقة ودعة كما عهدناك في أيامنا الخالية. كنت تضفي على أجواء شلتنا الصغيرة حلاوة آسرة لا تنسى على الأيام.

لم تسئ \على مدى عمرك كله\ – وقد كان قصيراً واحسرتاه – إلى أحد، حتى وإن أساء إليك بعضهم غيرة وحسداً ليس إلا.. كنت تكتم الغيظ وتعفو. لم نعهدك قط حاقداً أو ناقماً.. كنت التسامح عينه، والطيبة ذاتها. ثرَّ العطاء، سمح النفس كنت. خصالك الأصيلة العريقة.. رهافتك الأنيقة قلما وجدناها في هذا الزمان، لدى كثير من بني الإنسان. أما الوفاء، إذا ما ذكر الوفاء فلقد تجسد فيك على الدوام. كنت تؤثرنا نحن أصدقاؤك على نفسك. لقد بلوت الإيثار ولا الأثرة.. إيثار بلغ حدود نكران الذات.

الباحث والكاتب د. حسن الباش (فلسطين):

لا أريد من البداية أن أستخدم الألقاب فأقول أيها المبدع العظيم أو الشاعر الكريم أو الأستاذ المبجل أو ما إلى ذلك. لقد أردت منذ هذا العنوان أن أزيح كل الألقاب لأكون معه إنساناً مقابل إنسان، لأنني وإياه كنّا منذ الزمن البعيد نعرف أن فلسطين خلقت الحب بيننا فأزاحت كل الألقاب وبقي الإنسان.

تعرفتُ إليه في عام 1981 مصادفة في مكتب مجلة صوت فلسطين عندما كان في المزرعة وتعرّف إلي. وأعتقد أن من سماتنا نحن أبناء فلسطين أن جلسة واحدة كانت كفيلة أن تعود بنا إلى الجذور إلى الأصل، فمنذ تلك اللحظة عرفنا أننا من نبت واحد وطينة واحدة، وكأننا يعرف أحدنا الآخر منذ زمن بعيد جداً.

في مجلة صوت فلسطين تتصفح الأوراق فترى إبراهيم عبد الكريم ومحمد مباركة ومحمد توفيق الصواف وطلعت سقيرق وحسن الباش وحسن حميد. مجموعة من الشباب الذين يحملون همّ فلسطين في قلوبهم وعقولهم وأكتافهم ونفوسهم. وحين نعود اليوم إلى تلك الكتابات التي مضى عليها ما يقارب الثلاثين عاماً، ندرك أننا لم نكن نلعب؛ بل إن الملفات التي ساهمنا في إنجازها تصبح اليوم مراجع نعود إليها كما يعود إليها غيرنا.. الأرض، العودة. وما إلى ذلك من الملفات التي يتصدرها عنوان واحد وتتفرع إلى السياسة والفكر والأدب والتراث الشعبي والصحافة وما إلى ذلك.

طلعت سقيرق كما هم شعراء فلسطين توحّد مع قضية منذ صغره فكتب الشعر حتى فاض وجدانه الوطني كثيراً. أدرك من هو الفلسطيني ـ فقال ـ أنت الفلسطيني أنت ـ وأدرك التوحّد مع عالمه الروحاني فكتب القصيدة الصوفية. وهكذا مضى العمر ومضت السنوات وبقينا نسمع منه الجديد والجديد في المقالات والقصص القصيرة وغيرها من الإبداعات الأخرى.

لن أتحدث عما أبدعه طلعت سقيرق. فهو منشور في الكتب العديدة كدواوين شعر أو مجموعات قصصية أو كتب دراساتية أو في مجلات وصحف، لكنني ومن باب الوفاء للذكريات التي جمعتنا والجلسات التي وحّدتنا سأتحدث عن طلعت الإنسان...

أتحدث عنه كإنسان وكم هي كثيرة سجاياه، علاقته الطيبة بوالدته وأخوته وأبنائه، لا تفارقه الضحكة والبشاشة، متسامح إلى حد كبير. متواضع لا يعرف التكبر، لا تخرج من فمه كلمة تسيء إلى الآخر. وهكذا عاش حياته لا يعرف الحقد أو الخبث أو المكر، لذلك أحببناه كصديق وأخ. وإذا طال الفراق فإنه يتجدد لمجرد رؤيته ومعانقته. ودوماً تراه مقبلاً على الحياة حتى إنه كان يقول ـ سأعيش مئة وعشر سنين، ولكن حدود العيش ليست بأيدينا ولا نحن نحدد متى ننتقل إلى الحياة الأخرى.

طغت طموحاته الأدبية على طموحاته المادية، حتى لتشعر أنه من القلة القليلة القانعة بما قدر الله لها من رزق ومال دون يأس أو تمرد أو احتجاج، عاش قنوعاً، وفارق الحياة الدنيا مقتنعاً بأن كل إنسان لا بد راحل ولو بعد حين، كما كان الأمر صعباً أن تفقد أخاً وصديقاً بشكل مفاجئ. فحساباتنا الدنيوية تقول فلان مات فجأة وكأنه اختُطف من بين أيدينا، ولكن الموت لا يفرق بين كبير وصغير.

الأديب الفلسطيني داعس ابو كشك (فلسطين):

فقدت الحركة الثقافية الفلسطينية ثلة من فرسان الكلمة على مدى الأعوام الماضية وتركوا بصماتهم واضحة في فضاءات تلك الحركة، وكانوا ضمير هذا الشعب والمعبر عن أمالهم وطموحاتهم ومعاناتهم، فكتبوا عن نضال هذا الشعب والتحفوا بمعاناته وقدموا للحضارة العالمية ابرز إنتاجهم الأدبي ولم تغرهم حياة البذخ والترف، أمثال غسان كنفاني وفدوى طوقان وتوفيق زياد واميل حبيبي ومحمود درويش وعبد اللطيف عقل ويوسف الخطيب وغيرهم كثيرون، ونحن لا نعترض على حكم الله فالأعمار بيده والموت حق، ولكن غيبهم الموت قبل أن يروا تحرير فلسطين التي كانت رمز توهجهم وإبداعاتهم، وأخيراً افتقدنا الشاعر والأديب طلعت سقيرق حيث انتقل إلى الرفيق الأعلى يوم الأحد الموافق السادس عشر من تشرين أول عن عمر يناهز ثمان وخمسون عاماَ...

توزعت كتاباته بين الشعر والقصة والرواية، والقصة القصيرة جداً، والنقد الأدبي، كما كتب المسرحية ذات الفصل الواحد، وقد قدم بعضها على خشبات المسرح، وكتب الأغنية الشعبية التي غنتها فرق كثيرة وقدمت في الإذاعة والتلفزة في عدة دول عربية.. كتب في الكثير من الصحف والمجلات العربية.. كما أذيعت بعض أعماله الشعرية والنقدية من عدة إذاعات.. تناول النقد أعماله الإبداعية في الكثير من الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزة العربية.. أجريت معه حوارات كثيرة تناولت أدبه في التلفزة والإذاعة والصحف والمجلات..

الكاتب والناقد شاكر فريد حسن (فلسطين):

لماذا استعجلت الرحيل يا طلعت، أيها العاشق المحب الأبدي لفلسطين..؟! ولمن تركت الشعر والأرض والوطن والمخيم والحقل والقمح والزيتون والطابون..!!.

حقاً، انه لمن الصعب أن نستوعب ونصدق أن طلعت سقيرق، الذي أحببنا كتاباته الشعرية والقصصية والنقدية، وتابعنا نشاطه الثقافي الجم مثلما أحبه وواكبه الكثير من القراء على امتداد الوطن العربي وخريطة الشعر والإبداع الجميل الملتزم، قد رحل في وقت مبكر دون أن يستكمل مشروعه الثقافي والأدبي ويتكحل برؤية دولة فلسطين الحرة المدنية. فلماذا يموت الشعراء يا ترى..؟!

يعد طلعت سقيرق من كبار الشعراء والمبدعين والناشطين الثقافيين الفلسطينيين، ومن الجيل الثاني من شعراء المقاومة. سما وحلّق بشعره بين الكواكب والنجوم، واستطاع أن يثبت حضوره الفاعل، ويرسخ أقدامه، ويكون اسماً معروفاً ولافتاً في المشهد الأدبي والثقافي الفلسطيني والسوري العربي كشاعر مجيد له بصمته الخاصة المؤثرة، وقدرته على الخلق والابتكار والتجديد في القصيدة الحديثة، شكلاً ومضموناً.

وطلعت واحد من أصحاب التجارب الشعرية الرائدة، وأول من كتب القصيدة الصوفية ذات النسق والسطر الواحد، وألغى النقاط والمقاطع والفواصل. وما يميز كتابته تلك العفوية الجميلة الصادقة والبساطة المدهشة الدافئة، ولغته القريبة من النفس، وعبارته الجزلة الرشيقة المتواصلة مع الوجدان، والتصاقه بالهم الإنساني والجرح الفلسطيني، الذي لا يزال ينزف. أما نقده فينم عن جمالية الأسلوب ودقة وموضوعية التناول.

طلعت شاعر نذر نفسه في خدمة قضايا شعبه وقضايا الوطن الذبيح والجريح، فكان صوتاً للأمل المفقود رغم الهزائم والنكبات، وصوت الذين لا صوت لهم، وصوت الألم والغضب في القصيدة الفلسطينية الحديثة والمعاصرة. وقد نسج من خيوط عواطفه وشعاع خواطره ملاحم النضال والثورة والحرية والخلود، وسكب ذوب قلبه وشوقه وحنينه، ونبض عروقه ودمه، أجمل وأحلى القصائد الوطنية الجمالية لفلسطين، التي سكنته حتى مماته، ولانتفاضة شعبنا الفلسطيني الماجدة في الوطن المحتل.

الفنان التشكيلي فتحي صالح (فلسطين):

لن أسدل ستائر روحي على شاينا الساخن في شرفة الانتظار الطويل، فحكاية عمرنا لم تزل مفتوحة نصوصها على أفكارنا المشتركة، ومشاريعنا الكثيرة التي رسمنا ظلالها على مكتبك في المجلة بغفلة من الأصدقاء، و صيّرناها إبداعاً لافتاً بإخلاصنا وتماهينا في دفء المكان ومحبة الأصدقاء..

لن أتمهل في إتمام وعدي ونبض ضحكاتك داخلي يوقد مدفأة القلب، فأنا الآن أتكئ على الحد الفاصل بين روحينا أحلق في الليلكي وأستنير بضوء الحدس والبصيرة.. وأنا الآن مسكون بوشوشات يراعك في ثنايا الشعر، وما هو استثنائي ومبدع في إرثك الأدبي.. وأنا الآن أراقب طيفك في مئة وعشرين بطاقة رسمتها لديوانك المفتوح زمنياً (ومضات) الذي كنا على وشك الإضافة إليه..

(عشرون قمراً للوطن)، عشرون عاماً من الصداقة و المحبة بيننا، شاعر وفنان كنتهما واحداً، يلتقيان عند حدود السحر والدهشة، يمطران ألقاً وفخراً و تصالحاً في فضاء الإبداع.. طائرك الليلكي المستحيل، أنت خلقت دهشته، و جعلته سرمدياً في لغة لا تُنسى مآثرها... فاخلد يا صديقي مطمئن البال في فردوس مَن صاغوا عمرهم فيئاً بظلّ النُّعمى وبوارف المحبة، ووافر الإبداع وما يتلوه من رونق..

سكبت روحي في بياض قلبك لأرسم لك لوحة مثلى، وألوان وجهك الملائكي لم تزل طازجة في لوحتي تنتظر عينيك كي تراها، ولم تشأ.. فهل تراها روحك التي تزورني في خلوتي و أنا أدندن قصائدك وروحي تسرح في صدى صوتك القادم من الغياب؟!!!!...

الشاعر محمود حامد (فلسطين):

هكذا الشّعراء يمضون مع الفجر، وفي عربات المساء يعودون على رائحة قهوة الذكريات، وجمر القصائد الجوريّ الذي يتوهج في المواقد الحزينة، وهي تحتفظ برماد تلك القصائد لتبثها لأجيال آتية تقرأ ما نزف أولئك الشّعراء من حبر دمهم الأرجوانيّ القاني شعراً نبض فلسطين فيه، وروعة اسمها العظيم، ونكهة ترابها الممزوج بالدمّ والشّعر، وقداسة ذلك الإسم والذي سيظلّ حاضراً بعروبته وقداسته إلى أبد الآبدين!!! طائر آخر يرحل سريعاً على خطى طائرين اثنين غادرانا أمس قبل ثوانٍ، وما غادرا: عبد الكريم عبد الرّحيم، ويوسف الخطيب، طائر فلسطينيّ آخر يرحل... طلعت سقيرق، كأنّ عبد الكريم، ويوسف الخطيب، وفواز عيد، وبقية ثلّة مبدعة رحلت تاقت لاستكمال وجودها في خلودها بانضمام بقية تلك الثلّة إليها، فإذا بقطار الموت يخطف الأسماء الجميلة واحداً تلو الآخر... يودّعون آخرين على رصيف الإنتظار، وهو يرصد الأسماء قي أوراق خريف الموت، من القادم الذي ينتظره القطار الآثم لاختطافه بغتةً من بين الصّحاب إلى مدن الغياب، ليتوهج حضوره أكثر هناك في عالمٍ يفصل بيننا، وبينه خيطٌ شفيفٌ من الوجد والبعد، يبدو أكثر ضراوةً ممّا يحيط بنا من مذهلاتٍ موجعة... ما أن نصحو من ضربة إحداها، حتّى تقذفنا أخرى بضربتها، فإذا بنا من حدّة الوجع نعتاد على وجعٍ يقيم بنا، ويسكننا، ويتغلغل بعيداً في الذاكرة كما وجه فلسطين الّذي ذوّبنا على وجه وأساه.

إذاً.. رحل طلعت سقيرق، وصمت صوتٌ آخر غنّى وأنشد لفلسطين كما غنّاها وأنشدها عشّاقها الموجعون بها حدّ المستحيل، وإذا غاب الصوت، فصداه في قصائده، وأشعاره، ومغناه سيبقى حاضراً بيننا بقوّة وضراوة، والشّعراء، عبر المقولة الخالدة... لا يموتون، ولكنهم يتمظهرون بالموت... وإذا كان طائر الغربة الحزين.. طلعت سقيرق... قد رحل.. على قدر الجسد أن يرحل، فإنّ روحه طوّافة بيننا على الدّوام، وبسمته وكتاباته، وما نطق به خلال حياته، وما ترك فينا من ذكرياتٍ ستظلّ ماثلةً في العين والذّاكرة...

‏الناقد د. يوسف حطيني (فلسطين):

لقد فجعني، على البعد، نبأ وفاة الصديق الأديب طلعت سقيرق الذي نذر قلمه لفلسطين منذ عقود.. الفاجعة بالنسبة لي كانت أكثر من أن تحتمل لأن هذا الرجل رحل قبل أن يتم الستين، وهكذا شاء القدر أن يرحل، وأن تبقى كلماته في ضمائرنا..

لقد عودنا طلعت في كل مرة أن يقدم شيئاً مختلفاً عن سابقه، وفي حضرة الشعر نلاحظ منذ البداية اكتواء الشاعر بعذاب الوطن / عذاب الانتماء الذي دفعه إلى تأكيد فلسطينيته عبر (هذا الفلسطيني فاشهد) و( أنت الفلسطيني أنت) و قد برز هذا الاكتواء حتى في رواياته ودراساته.

غير أن الذي يميز شعر سقيرق شغفه بالتجديد وخوض مغامرة الشكل، وهنا نلفت النظر إلى تجربته الجريئة المتميزة التي أطلقها منذ عام 1996 إذ دأب على إصدار ديوانه المفتوح (ومضات) وهو يحوي بطاقات شعرية مفتوحة زمنياً. فماذا أبقى لنفسه في القصيدة الصوفية؟.. رحم الله الراحل الكبير، وكلّ الذين صدقوا ما عاهدوا عليه الله والوطن، وكل الذين ينتظرون، وما بدّلوا تبديلا.

الكاتب الصحفي محمد مباركة (فلسطين):

لعلي الوحيد الذي اكتشف كل هذه الشاعرية المتألقة منذ أن قرأت لي في بداية سبعينات القرن الماضي، هذين البيتين من الشعر، وقد صدّرت بهما ديوانك الأول (لحن على أوتار الهوى) وفيهما تقول:

«هذا فؤادي فاملكيه
حباً وشوقاً إملأيه
قد صاده منك الهوى
فلتفعلي ما شئت فيه»

هل قلت لك أنني لن أخاطبهم، بل أتحدث عنك للآخرين؟!

ماذا أقول؟

طلعت الأخ والصديق والقريب والحبيب مات، وأنت ما زلت حديثنا وبيننا، لم ينقطع وصلك بعد.. ولن ينقطع صوتك، وابتسامتك، وحنانك، وكرمك، هل أقول أن الموت غيب جسدك الذي أنهكه المرض فجأة، لكن روحك الشفافة المتألقة ما زالت بيننا، وأشعارك وقصصك ومقالاتك لم ولن تموت معك فهي لنا وللأجيال الفلسطينية والعربية التي كان يراها أمامه وهو يكتب، يراها وبيدها مفاتيح أبواب بيوت فلسطينية ستعود لأهلها، ويقسم أن العودة إلى فلسطين لابد أن تتحقق، وان الموت لن ينهي عذابات الفلسطيني، حتى ترفرف روحه على أبواب وحارات و بيارات وشوارع مدن فلسطين وقراها، وسهولها وجبالها، مع فجر التحرير القادم..

الكاتب الصحفي نبيل عودة (فلسطين):

ليس من السهل رثاء أديب موسوعي بمستوى طلعت سقيرق، عاش حياته ودمه على كفه، في سبيل مستقبل شعبه الفلسطيني.مقدماً نموذجاً حياً آخر في قائمة طويلة من أدباء فلسطينيين، كرسوا جل وقتهم وكل إبداعهم من أجل الصراع مع آخر احتلال في التاريخ البشري، وأكثره سوءاً وإجراماً بحق شعب من الشعوب. وأكثره حماية دولية من قوى الاستعمار الغاربة، والتي ما زالت مع الأسف تملك القرار ضد إرادة الشعوب العربية المبتلية بأنظمة قبائل متخلفة ذليلة.

اليوم عندما ننحني إجلالاً لأديب عاش وسلاحه قلمه، مكرساً حياته ونشاطه من أجل بسمة طفل فلسطيني، من أجل كفكفة دموع أم شهيد اغتالته يد الغدر الاحتلالي لوطنه، من أجل شجرة زيتون تحرقها سوائب المستوطنين، نتذكر مسيرة ونشاط أديب يغادر الحياة وشوقه إلى تراب وطنه متغلغل في روحه، في كلماته، في رؤيته الجمالية لدور الأدب في الحياة، ودور الأدب كسلاح في معركة لم نختارها، إنما فرضت علينا وقبلنا التحدي. لا نجد حتى دمعة نعبر بها عن ألمنا من هذا الرحيل في غير أوانه. لأن اللصوص ما زالوا يعيثون فساداً في أرضنا، ولا نملك الوقت للبكاء.

أجل لن نبكي في وداع فارس من فرسان الأدب الفلسطيني. بكينا حتى الثمالة منذ نكبة شعبنا، وحان الوقت أن نحث الخطى، حاملين معنا ألمنا وحزننا نحو الغد المنشود لأبناء شعبنا. بذلك نحقق وصية كل أدباء فلسطين الذين افتقدناهم في مسيرتنا المؤلمة، مسيرة نضالنا السياسي والثقافي. بعضهم سقطوا برصاص الجبناء الخائفين حتى من الكلمة، وبعضهم سقطوا وهم يحثون الخطى، يحملون دمهم على أكفهم، نحو فجر التحرر والحرية.. حالمين بالعودة إلى تراب أجمل وطن.

الشاعرة هدى الخطيب (فلسطين):

لفلسطين بشعره ونثره وفكره صنع طلعت قيثارة الأمل وعزف عليها فأذهل وأبدع... هذا الهرم الفلسطيني الشامخ شموخ جبالنا الذي عرف كيف يكون مرفأ للوطن وسفينة إبداعه تبحر فينا إلى حيفا ويافا عكا وصفد، إلى بيت لحم ونابلس والخليل وإلى بيت المقدس عودة مؤكدة كرّس عمره لغرس آمالها وإبعاد شبح اليأس عن حقيقتها المؤكدة.

أنت الفلسطيني أنت يا رئة الزمان إلى المطر..

لو قلت فلسطين أقول طلعت ولو ناديت يا وطني أقول طلعت ولو تذكرت أبي وأهلي وانتمائي أقول طلعت..

كنعاني عربي فلسطيني من زهور الكرمل جُبل ومن ينابيعه أخذ شفافيته ومن جذور حيفا نبت
ينتمي شاعرنا الكبير الأستاذ طلعت لأسرة عريقة من أقدم العائلات في فلسطين فجده الأكبر لأبيه «سُقَيْرِقْ» من سقر في العربية وكل اللغات السامية، وهو اسم كنعاني / فينيقي، يعني خازن النار أو الكاهن الأكبر، وامتداد هذه العائلة في فلسطين وبلاد الشام يعود للاف السنين قبل الميلاد، ولهذه العائلة آثار معابد كنعانية فلسطينية في كل بلاد الشام تدل عليهم ومن ضمنها ما سبق لي وزرته أثر معروف في مدينة طرابلس – لبنان، أما والدته فمن آل الخطيب الرفاعي الصياد الحسيني الهاشمي وأجدادها من تولوا نقابة الأشراف في حيفا ولقبوا بالخطيب، جدهم الشيخ سليمان من سلالة زين الدين بن الحسين بن علي والسيدة فاطمة رضي الله عنهم.

طلعت سقيرق.. أديب شمولي تميز وأبدع في مختلف الأصناف الأدبية، هذا بالإضافة لتميزه في مجال الشعر وابتكاره وتجاربه المتنوعة مبتعداً عن السير على منهج واحد من النمط المألوف فهو مبدع حقيقي ومبتدع لا يعرف الركون كتب الشعر فابتكر وأبدع وكتب القصة ودخل إلى عمق النفس الإنسانية ورسم لوحات رائعة كل منها تروي حكاية مختلفة من حكايات شعبنا الفلسطيني وتضحياته ونضاله وآلام تشرده ووظفها بشكل متميز، كتب النقد وكان من أفضل النقاد وأكثرهم إيجابية ودعماً للمواهب، في الدراسات والتوثيق جاء كتابه الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني، كتب المسرحية ذات الفصل الواحد وخاض في كل المجالات، ولم يترك شاعرنا وأديبنا الكبير أي صنف أدبي لم يطرقه ولم يبدع ويبتكر فيه الجديد ويدخل مناطق إبداعية لم يدخلها أحد من قبله.

الشاعر قاسم فرحات (فلسطين):

إنه القدر إذن.. يحملك بعيداً عنّي.. ليترك على عباءة الروح جرحاً عميقاً لا أظن الأيام قادرة على محوه أبداً..

ها أنت ترحل وتتركني وحيداً في دوامة الحزن التي انتشلتني منها ذات يوم بكلامك الجميل الذي يزهر في القلب مواسم من الأمل والتفاؤل..

آه يا أستاذي وصديقي ودليلي في درب الشعر والأدب.. عشر سنوات لم أعرف فيها لفراقك طعماً فكيف سأعتاد على ذلك؟ لا أدري!..

صور ومواقف كثيرة تزدحم في ذاكرتي إلى درجة يصعب معها الاختيار.. أي واحدة سألقيها على صدر الصفحة البيضاء؟.. لا أدري!...

هل أحكي عن قلبك بكل ما فيه من حبّ وودّ وطيبة؟.. أم عن كلماتك بكل ما فيها من رقّة وإبداع.. أم عن طلعت سقيرق الإنسان الذي كان يذيب كآبتي بطريقة سحرية غريبة..
يطول الشرح إذن. فأكتفي من ذلك كله بعبارة كنت أحب أن أصفك بها دائماً.. وهي ( أمير الحرف الجميل).. الحرف الذي ينساب على الأوراق ليرسم الوطن والهوى بألوان السحر والوفاء..

د. حسين جمعة (سوريا ـ رئيس إتحاد الكتاب العرب):

طلعت، مبدعٍ نعى نفسه قبل أن ينعاه غيره حين قال:

(صرت في الخمسين فاتئدي قليلاً
صرت في الخمسين، والأيام ما عادت بكفي
صرت في الخمسين أصرخ في جراح الروح
من أعماق قلبي
هل ترى أبقى الزمان
لشعلة الشعر البهي، لبسمتي
بعض الذي في العمر يكفي؟!)

كان مبدعنا ـ رحمه الله ـ يصحو وينام على هموم قضية شعبه الذي تلبسته حالة القهر والظلم داخل الأرض المحتلة وفي الشتات، فانحاز إليه، معبراً عن تطلعاته في الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة إلى أرض الآباء والأجداد؛ إلى أرض الرسالات والنبوات والحكمة؛ ناذراً نفسه للدفاع عنه، دون أن يلتزم بحزب أو تيار؛ إلا أن يكون صورة لشعبه بكل أطيافه... إنه مبدع عاش الحلم والأمل حتى النخاع، لكن الضغوط النفسية والاجتماعية والوطنية والدولية... وسياسة الاحتلال بوصفها أمراً واقعاً كسرت كل أحلامه التي كان يتطلع إليها ويبوح بوحاً جوانياً صادقاً، بوحاً يمتلئ بفيض مفعم بجوهر الوجود المقاوم لكل أشكال البطش والإرهاب؛ وملتفع بوهج الواقع الفلسطيني المعذب... فما إن يخرج من معاناة أو مكابدة أو نكبة حتى يسقط في واحدة غيرها. لهذا كان شاعرنا يئن تحت وطأة الغربة والحصار والعزلة ذاتياً ووطنياً... ولقد أوقد جذوة المكنون في نفسه وفكره، فقدم نتاجاً متميزاً عبَّر فيه عن تلك المكابدة التي عاشها وعاينها على الصعيد الفردي والوطني الجمعي وكأنها غدوة صنواً لهما في الوجود، لا ترغب في أن تغادرهما. فالمبدع الراحل لم تشغله الاختلافات السياسية الداخلية بين التيارات الفلسطينية وفصائلها، ولم تطحنه الأهواء والجري وراء شهوة مؤقتة أو زائلة؛ وإنما ظل يبحث عن كل ما يوصله إلى اللذة المشرقة لأصحاب المجالدة والمعاندة الذين يفوزون بانتصار قضية شعبهم. وإذا كان المرحوم قد قام بعدد من المهام الأخرى فإنه ظل مشغولاً بالهم الإبداعي، الذي جعل خطابه فيه جزءاً أصيلاً من قضيته.. لا تستطيع كلمات قليلة أن تنهض بما تركه المرحوم (سقيرق) من آثار نسجتها قريحة مدهشة؛ وصاغتها مشاعر جياشة؛ فعقدت صلتها مع الكتابة المبدعة التي لا تجف ينابيعها، ولا تذبل أوراقها، وقلَّ من أحسن الارتقاء إلى كينونتها الفاعلة والمؤثرة والواعية، ما يفيد بأن خسارة الإبداع برحيله قبل موعده كانت خسارة كبرى كما أن خسارتي به كانت خسارة صديق عزيز تفانى في سبيل الواجب...؛ ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً.

الأديب والصحفي غسان كامل ونوس (سوريا ـ رئيس تحرير جريدة الأسبوع الأدبي):

ليس يسيراً رصد إنجازات تعددت وتنوعت في رحاب الأدب: إصدارات ومقالات ومقابلات ومتابعات ومشاركات ومهرجانات وندوات وأمسيات..

ليست يسيرةً ملاحقةُ خطوك الثرّ في ميادين الإعلام: صحافة وإذاعة وتلفزة ونشرات ودعوات وإعلانات ولقاءات وقراءات..

ليس ممكناً تكثيفُ حضورك المميز في عالم الورق والأثير والفضاء الإلكتروني!

أما إطلالتك المرحة، وبسمتك الرضية، وحيويتك السخية، وحماستك واندفاعك وأريحيتك ومبادراتك واستعدادك لأي عمل وإنجازك القياسي.. فحدّث ولن تُنصَف!

أما وطنيتك، ونضالك من أجل فلسطين، واهتمامك بأدباء فلسطين، وانشغالك بأخبارها وأطيافها، وأنّات أطفالها، ومعاناة كائناتها الصابرة المكافحة الكاظمة الرابضة النابضة حباً بالحياة المسترخصة سعياً للحرية والتحرر ورفع الظلامات، وجمع الشمل ولمّ الأصداء في صوت واحد مجدٍ، ليسمع من به صممٌ، أو تصاممَ، أو تغافل، أو تعامى، أو تنكّر، أو تراخى، أو استسلم، ولتؤكد أن الحقّ بسوائل غير الدم لا يُدانى، وأن الأرض بسوى الكفاح لا تُحرَّر، ولا المهجّر من دون الصبر والإصرار والنضال المتنوع المتواصل يمكن أن يعود!

ظللتَ مضيئاً لأماسي المبعدين، وأنت الشريد، مؤنساً لأوقاتهم الباردة، وأنت المحترق، مخففاً عن أرواحهم القلقة،وأنت القلق كان الريح تحتك!

فتوسّعت علاقاتك، وتكاثفت صداقاتك، وتعدّدت اهتماماتك، وتوزعت نشاطاتك مختلف المدن والمناطق في سورية التي أحببت، وسواها من بلدان، وما لم تطأه قدماك، زاره صوتك، أو عبرت إليه كلماتك وأخبارك، ووصلته رسائلك الإلكترونية.. لكنك لم تفقد السمت، ولم تنشغل عن القلب: فلسطين!..

كنت يا صديقي فريق عمل في شخص، بإمكانيات يصعب أن تجتمع وتتفعّل وتتوزع في أكثر من مجال، وأكثر من مقام، وأكثر من موقع!

تقرأ القصة، وتقوّم الشعر، وتحكّم المقالة، وتعطي رأياً نبيهاً في الخاطرة، ومفيداً في النقد، ومطلعاً في الأدباء والأعلام، وتكتب في كل هذه الأجناس وتجيد!

ما يحزن أنك مشروع لم يكتمل، وأن في جعبتك –كان- الكثير!

الأديب والصحفي باسم عبدو (سوريا ـ رئيس تحرير جريدة النور):

كنت قد كتبت عن بعض الأعمال القصصية للصديق الأديب الراحل طلعت سقيرق، الأديب المتنوع الذي لم يبخل في يوم من الأيام منذ أن عرفته، في حُبّه لوطنه وشعبه وقضيته. ولم يبخل أيضاً في ابتساماته المشرقة، وأنسه والودّ الذي يكنّه لأصدقائه...

اختار طلعت القصة للتعبير أكثر عن المعاناة، وهو شاعر أيضاً لم يكتفِ بوجود هذا الرصيد، بل رأى أن القصة أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر، وأكثر تخصيصاً بتصوير جوانب كثيرة من حياة الإنسان في الشتات، لجلاء الحقائق وتبيان الرأي. وإذا كانت الرواية تتوغل في أبعاد الزمن، فإن القصة القصيرة تتوغل في أبعاد النفس البشرية.

ترك لنا وللمكتبة الفلسطينية إرثاً غنياً من إبداعاته المتنوعة (شعراً وسرداً ومقالات وخواطر ودراسات). وكان أول من تابع العمل في رصد الجديد من نتاجات شعراء الوطن المحتل، متابعاً ما بدأه الأديب الراحل غسان كنفاني.

الأديب رياض طبره (سوريا):

مشوارك الإبداعي في الصحافة والأدب يشفع لك، يؤهلك لأن تبقى في نفوس القادمين إلى القراءة بنهم، أما نحن الذين عرفناك عن قرب أو على تقطع اللقاءات فالغصة ستظل باقية وستظل شاهداً على موت الأشجار وهي واقفة.. طلعت أيها الوديع وداعة الأطفال لن تنساك منابر الكلمات المقاتلة ولن تمل آذاننا الإصغاء لصوتك العذب.. تتلو ما تيسر لها من استعادة لقصيدة أو قصة أو حتى حكاية أو طرفة. ‏

ويا أيها الراحل على عجل وقبل الأوان وفي عز نثر الثمار فجعتنا وليس لنا إلا الدعاء في أن يفتح رحيلك هذا باب الكلام.. باب القراءة.. ومراجعة كل حرف كتبته.. لنراك كما تستحق وهذا رجاء وأمل كل كاتب بعد الرحيل.. ‏

كتبت عن فلسطين بعدما عشت منها آلامها ولم تنعم ولو للحظة واحدة في أن تراها كما كنت تتطلع وتعمل لأن تكون حرة مستقلة من حقها أن تضم أبناءها في الشتات ولو لساعة أو اغفاءة عند حافة كرملها أو رحاب خليلها وجليلها. ‏

لقد استكثروا عليك ترى وطنك الحلم دولة على ورق بين أوراق الدول في أمم قيل أنها متحدة.. مثلما استكثروا عليك أن جواز سفر فلسطينياً يؤهلك أن تعود به ذات وجع أو ذات شوق لجنين أو غزة، لبيسان أو طولكرم، لقلقيلية أو لأحد المخيمات..

الأديبة حنان درويش (سوريا):

... كان حضورك بيننا ظلاًّ وفيئاً... أيا شاعر العصافير والقمح والليمون، وبيّارات السطوع الطالع من قرص الشمس، أيا شاعر الحبّ والحزن والصباحات الهادئة الخجولة. في فضاء البوح كنت شهاباً يضيء القوافي، ويعلن عند ناصية النثر أحلى الكلام. ويرسم وهج القول من يراع الروح ويتحف الكتابة بطيب النفس. وكنت من الذين يفيضون طيباً، وحسّاً مرهفاً، ومحبة للناس أجمعين، تعطيهم روحك وقلبك ووقتك دون انتظار مقابل. إنك الإنسان الذي يملك بين جوانحه حبّ الدنيا بإثرها ليقدّمه إلى الآخرين...

عذبتك غربة الوطن. ذبحت قلبك آلام فلسطين، وأنت الفلسطيني الجريح المذبوح من أعماقه، المفجوع من الوريد إلى الوريد بأغلى الأسماء، وأغلى الأحبّة، فكيف لا تفتتك المأساة؟... وكيف لا يضعف قلبك الرهيف؟... وكيف لا تقع من شاهق، وأنت ترى ما يصول وما يجول فوق تراب الأرض السليبة؟.. القدس تقاوم المخرز، وحيفا لا يغيّبها احتلال، وغزّة ترتدي المقاومة عنواناً لها كلّ صباح. وكما كتب عنك على الصفحة الأخيرة من ديوانك الشعري طائر الليلك المستحيل: «نبض عاشق يهوى الوطن، ورعشة حبّ تؤطر المسافات، وتؤجّج المستحيل، رسم حلم أبى أن يزول.. تدفق أمنيات تشاطرك العمر، أمنيات ترتبط مع الحبيبة، مع الأرض، تتفرّع كلّها من الحنين للجذور، للتراب، للمكان الذي يئن جريحاً بين أيدي الطغاة للزمان الذي تتلاعب فيه الأشياء، فيعمّ الظلم، وتغيب القيم».

افتقدناك.. طلعت سقيرق افتقدنا شفيف طفولة تراود داخلك النظيف، وتحيق بك من خلال إحساسك بالآخرين، وتشبثك بالأمل الذي يمنحك فسحة خيال ترتقي بها إلى العالم الفاضل...

الأديبة رامية الملوحي (سوريا):

طلعت سقيرق.. لا أدري ماذا أسميه.. شاعراً.. أم أدبياً.. ام صحفياً متألقاً..؟؟...
طلعت.. بدأت مسيرتك متفرداً ومتميزاً.. ومبدعاً خلاقاً؛ كنتَ عاشقاً كبيراً لوطنك فلسطين.. حملته في حناياً صدرك كنزاً عظيماً،وفي دمك، وفي دفاترك.. أحببت دمشق بلدك الذي أحبك واحتضنك وعشت على أرضه..

ـ لقد خسرنا بفقدك قامة أدبية وشاعرية من قامات فلسطين وسورية..

طلعت.. أنت رحلت وسنفتقدك كثيراً.... ولكن عزاؤنا أننا لن نفترق.. أنت معنا وبرفقتنا.. آثارك الأدبية مؤلفاتك، طيفك على منابر المراكز الثقافية، أوراقك المطرزة بروحك ووداعتك كلها معنا.. رحلت تاركاً ميراثاً أغنى رفوف مكتباتنا الثقافية.. (ووداعاً.. طلعت..).

الشاعرة غادة فطوم (سورية):

أجمع الحروف... أصفّها..أشكّلها.. تفرّ هاربة من مداد قلمي، تجتاز أصابعي.. تتساقط على البياض دماَ يتكاثف حتى السواد. حزناَ عليك طلعت.. حتى الآن تلك القصائد التي رددناها معاً في أمسياتنا تائهة.. ضائعة.. فقد خسرت راهباً عشقها، رعاها منذ نشأتها الأولى.. حائرة... تنظر إلى الأفق علها تجدك كوكباً يحوم حولها ويرعاها من جديد..

هي رسالتك الأخيرة أرسلتها من السماء.. فعقدت العزم على أن تكون مخلصة لوصاياك، متعمدة بطهارة روحك...

شاعرنا الذي فقدناه جسداً وكسبناه روحاً.. لن ننسى بأنك كنت تقتل ضعفنا لتحوله إلى قوة نجابه فيها الأقلام السوداء. كان عملنا معاً تحدياً بأن الإنسان فوق كل الخلافات، بعدها يأتي العمل الذي يجب أن يؤهلنا لنعيش بشموخ..

لن أنساك طلعت... ولن ننساك يا أيقونة تركت الأرض، وهاجرت إلى السماء.. لتبقى مضيئة..
الشاعر طلعت سقيرق إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى... وشاعر حمل حب قضيته الفلسطينية التي كانت شغله الشاغل، لا يترك أي شخص بحاجة إلا ويساعده بقدر ما يستطيع..

أعتقد أنه الآن في جنان النور...

الشاعرة رنا كنعان (سورية):

علمتني كيف أسير واثقة الخطوات، متوجةً بالأمل والتفاؤل، متمسكة بالحياة،... علمتني أن أترجم أفكاري وخواطري على الورق،... وكيف أصوغ منها نصاً جميلاً وعقداً من جواهر الكلام مصنوعاً من أيام عمري.... فأنت الأب الحنون... وأنا «ابنتك المدللة».

أردت أن تصنع مني كاتبة، لأنك ربما قد لمست شيئاً موجوداً لديّ، لكني لم استطع أن أكمل مشوار الأدب الصعب..

علمتني بأن أبوح بما أفكر به حتى ولو خلق مشكلة، علمتني... ألا أهتم لكلام الآخرين...
لدي ما أبوح لك به: .. أنا حزينة لفراقك... لكن هذا هو قدرنا جميعاً، لقد أخذك الموت منا. وفي داخلي إيمان بأن كلماتي ستصلك لا محالة.

أستاذي الفاضل:

لا تخف... لن نجعل منك مجرد ذكرى ماضية.. مطوية على رفوف المكتبات.. أو حتى ورقة من كتاب العمر سنقلبها يوماً ماً، ستظل أشعارك ورواياتك.. وأمسياتك الشعرية منبراً لأجيال قادمة، سيتحقق حلمك يوماً بتحرير فلسطين والعودة إليها..

سأحفظ دروسك في الحياة... راسخة في ذاكرتي..

علمتني الابتسامة في أشد لحظات الألم!!

مَنْ بعدك سيقرأ أفكاري؟ وخواطري؟ سأدفن أقلامي و دفاتري في قبر النسيان.

الأديب سعدي الزيدي (العراق):

اقترن اسم طلعت بذاكرتي مع كتابه «الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني» وفي الحقيقة إن هذا الكتاب يعد علامة بارزة في تاريخ الأدب الفلسطيني ما بعد محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، توجه في كتابه هذا إلى أدباء الداخل الفلسطيني إلى أصوات قوية غير ضامرة ولكننا لسنا قادرين على إزاحة الحجاب وهو فكّر في كيفية اختراق حواجز عديدة وجعل منها منفذه إلى غايته والتحليق في فضائه.. كان لقائي الأول به، معرفة اسم لم نلتق به من قبل يصلح أن يكون صديقاً لذائقتنا القرائية...وبدأت متابعة كتاباته النقدية والشعرية...ومع «طائر الليلك» تبدأ رحلة جديدة معه، وكان ذلك اللقاء مع طلعت سقيرق الشاعر، فإذا كان في الدراسة والبحث النقدي المحلل والدارس و أحياناً المعرفي في الجدال والنقاش والمتابعة.. وهنا في «طائر الليلك»، نجده ينطلق من أسلوب جديد لديه متجاوزاً انجازه السابق و مطوراً له ومتخطياً مزاجه الغنائي ولكن الشاعر سقيرق حاول امتصاص الغنائية بنمط جديد غير معهود لدى الشعراء الغنائيين وذلك: باستخدام طريقة الحوار و المداورة في الأفكار، وتعدد الصور واستقراء نفسية الفاعل الايجابي...
امتازت قصائد هذا الديوان، بكونها قصائد طويلة نوعاً ما والإطالة مبررها أنها تمنحه فرصة تجسيد ما يريد الوصول إليه.

الأديبة والصحفية بشرى شاكر (المغرب):

ما الذي نكتب عن مناضل نقرأ بين ثنايا قصصه هم المواطن وهم الوطن وهم أمة بحالها؟
لم يكن طلعت يوما أنانيا كما حال شعراء كثر في زمننا هذا، ممن صاغوا الكلمات وكأنهم يحيكون ثوبا يعرفون رسمه مسبقا، لم يكن ذلك الذي يكتب لمجرد ملء الصفحات ولا من اجل مكسب مادي أو معنوي، بل كان يكتب لكي يمتع ويساهم في بناء فكر المجتمع، كان يبني فكرا لأنه يعلم أن الفكر هو ما يستطيع أن يخرج الوطن من علته...

الغريب وأنا اكتب الآن، أتذكر كم كان حريصا في آخر أيامه أن يكتب كل واحد فينا عن الشاعر الراحل رحمه الله (يوسف الخطيب) وكم دقق في كل كلمة وكأنه يقول له ارحل يا صديقي فاني سوف ألحقك قريبا... وحينما يحصل سوف أجد بالتأكيد من يعامل ذكراي مثلما فعلت أنا معك...

نعم هو ذا طلعت، من السهل أن نتعرف على سيرته الذاتية والكل يمكنه أن يقرأ عن مسيرته من الإعلام للشعر للقصة والرواية والنقد...

ولكني اليوم أتذكر رفقتكم طلعت الإنسان، لا أقول أتذكر لأني لا يمكن أن أنساه قريباً... فهو شخص من المستحيل أن ننساه... لأنه ببساطة لم ينس أبداً أياً منا ولم ينس فلسطين وهو المتنقل بين لبنان وسورية، بل حملها جرحا في قلبه وغصة في روحه، كان يحاول أن يخمد بركان الذكريات في قلبه من خلال نظمه للشعر وكأن القصائد مسكنٌ للألم ولكن هل كان يستطيع أن ينسى قضية أمة بحالها؟؟

الأديب فهد عنتر الدوخي (العراق):

نظل نطوي المديات، نجتاز فيافي الذكرى حتى نترك خلفنا رمزاً يعرف الحب بابتسامة، أو همسة، وربما بنجمة، أو بزهرة يعرّفها، قصيده، كلمة طيبة أو شجرة طيبة.. نغادر حكايات موشحة بعفوية قلوب أدركها الرحيل، وهي وحدها تعلم أن ذاك هو قدرها، إذ اجتهدت لترسم معالم الموت قبل سفرها، تراها في حل من أمرها وهي موغلة للبحث عن مرفأ لا تدركه الأبصار، تلك هي النفحات الصوفية التي أودعها طلعت سقيرق في قصائده، في حياته، في حبه وجريه السريع نحو أجله، بلى... كان بالأمس يحلم، يكتب ويبدع ويغني، يغرد، يتصوف شعراً وألقا، يرمي بنفسه بين أحضان قصيدة موجعة يهديها إلى حبه الأول، أسرته، أهله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وفي سره يداعب صغيرات الحي وهن كما عهد إليه إلهامه الأول وتأكد أنه الأخير ولم يدرك أنه يودع آخر بسمة وآخر نغمة تسري في روحه، إذ كان وحده يراها، يطالها الفناء ولم تؤنسها طيور الرياض وهي تبتهج في صور تحليقها بعيداً عن آماله بعيداً عن انتماءاته، ولو كان يعلم السر لأستعار أجنحتها ونأى بنفسه وحيداً يمسك بأشعاره بدواوينه، يلقى قصائده على مسامعنا عند أول نزوح نحو الفردوس وهو يمسك كتابه في يمينه، ويلوح لأحبته..

طلعت سقيرق.. مبدع متعدد، متوهج العطاء

ولد الأديب والقاص والناقد والصحفي والشاعر الفلسطيني الراحل طلعت محمود سقيرق في طرابلس بلبنان يوم 18 آذار عام 1953، وكانت أسرته قد لجأت اليها من حيفا فلسطين اثر نكبة 48.

انتقل مع أسرته إلى دمشق وفيها تلقى علومه حتى نهاية الثانوية حيث درس بعدها في جامعة دمشق وحاز إجازة في الأدب العربي. ليعمل فيما بعد في الصحافة منذ العام 1976 في مجلة صوت فلسطين الصادرة عن إدارة التوجيه السياسي والمعنوي في جيش التحرير الفلسطيني، وهو المسؤول الثقافي في مجلة (صوت فلسطين) منذ العام 1979. عمل مديراً لمكتب سورية ولبنان لجريدة (شبابيك) الأسبوعية التي كانت تصدر في مالطا منذ العام 1997، ثم مستشار التحرير فيها حتى توقفها عن الصدور. ومدير دار (المقدسية للطباعة والنشر والتوزيع في سورية). وهو صاحب و مدير مجلة (المسبار)، كما أسس موقع أوراق 99 الإلكتروني.

توزعت كتاباته بين الشعر والقصة والرواية والقصة القصيرة جدا والنقد الأدبي كما كتب المسرحية ذات الفصل الواحد والأغنية الشعبية وتناول النقد أعماله الإبداعية في الكثير من الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزة.

وهو عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين- فرع سورية، وعضو اتحاد الصحفيين في سورية. وعضو اتحاد الكتاب العرب بدمشق، وعضو رابطة الأدب الحديث – مصر، ورئيس رابطة المسبار للإبداع العربي التي تأسست بتاريخ 1/7/1999.

عام 2001 منحته وزارة الثقافة في سورية جائزة (تحية لأطفال الانتفاضة).

رحل صديقنا وزميلنا شاعرنا الكبير الغالي (أبا محمود) يوم 16 تشرين الأول /أكتوبر الماضي، عن عمر ناهز الثامنة والخمسين عاماً.

للأديب الراحل حوالي عشرين مؤلفاً في الشعر والقصة القصيرة والنثر الأدبي والمسرح

● أعماله:

في الشعر:

• )لحن على أوتار الهوى( 1974.
• )في أجمل عام( 1975.
• )أحلى فصول العشق) 1976.
• (سفر) قصيدة طويلة 1977.
• (لوحة أولى للحب) 1980.
• (هذا الفلسطيني فاشهد) 1986.
• (أنت الفلسطيني أنت) 1987.
• (أغنيات فلسطينية) شعر محكي/1993.
• (قمر على قيثارتي)، طبعة أولى: 1993/ طبعة ثانية: 1995.
• (طائر الليلك المستحيل) 1998.
• (ومضات) شعر/بطاقات ديوان مفتوح زمنياً ـ صدرت منه بطاقات متفرقة في الأعوام 1996، 1997، 1998.
• (القصيدة الصوفية) 1999.
• (خذي دحرجات الغيوم) / وزارة الثقافة 2002.
• (نقوش على جدران العمر) دار المسبار 2008.
في الرواية:
• (أشباح في ذاكرة غائمة) 1979.
• (أحاديث الولد مسعود) 1984.
في القصة القصيرة:
• ( الأشرعة ) اتحاد الكتاب العرب بدمشق/1996.
• (احتمالات) اتحاد الكتاب العرب 1998.
• (الريشة والحلم ) اتحاد الكتاب العرب / 2001.
• ( امرأة تسرج صهوة الروح ) اتحاد الكتاب العرب / 2003.
في القصة القصيرة جداً:
• (الخيمة) 1987.
• (السكين) 1987.
نصوص:
• ( زمن البوح الجميل ) / مشترك مع ليلى مقدسي/1999.
• ( إشارات ) زوايا صحفية / نشر الكتروني / 2001
قصص للأطفال:
• ( هيفاء وضوء القمر ) / نشر الكتروني / 2000.
ببلوغرافيا:
• ( دليل كتاب فلسطين)، (ثبت توثيقي لـ 880 كاتبا، وكاتبة)، دار الفرقد 1998.
في النقد:
• (الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني) اتحاد الكتاب العرب / 1993....وطبع عدة مرات في الوطن المحتل..
• (عشرون قمراً للوطن) دار النمير- دمشق 1996.
• (الانتفاضة في شعر الوطن المحتل ) دار الجليل /1999.

دراسات:

الإسلام ومكارم الأخلاق، 1990.

الإسلام دين العمل، 1991.

عشرون قمراً للوطن، دار النمير، دمشق، 1996.

مقتطفات من آخر حوار أجراه الشاعر الراحل طلعت سقيرق

حوار أجراه: عبد الله قنديل ـ ( نقلاً عن الموقع الالكتروني (مؤسسة القدس للثقافة والتراث) ـ أجريت المقابلة بتاريخ 7-5-2011 في منزل الشاعر الراحل).

[[ أديب يجول في أروقة الثقافة والأدب، يكتب بجميع الأجناس الفنية والأدبية، من الشعر إلى المسرح والأغنية والرواية، كما كتب للأطفال.

وبين مطرقة الإلهام وسندان الإيحاء تولد الفكرة التي تجعل منه أديباً متقدماً عن باقي الأدباء في زمن أصبحت فيه الكتابة الأدبية الأصيلة من النوادر إن لم تكن من المستحيلات.

وفي ظل كل هذا تبقى المظلة الوطنية حاضرة، والمرجعية برأيه واحدة، هي فلسطين فقط.
وعلى الجميع أن يعمل منها ولأجلها، وفلسطين هي كل فلسطين، لا نقبلها منقوصة.....
# ازدحمت الساحة الأدبية بالكثير من الأسماء وبالتالي الكثير من النتاجات الأدبية، كيف تقيم هذه الحركة، وهل هي بحاجة إلى موجه لها؟

بالطبع إن كل مرحلة تستدعي أسماء جديدة ووجوهاً جديدة أيضاً، بحسب الظروف التي تستجد، نحن أبناء قضية متحركة دائماً ويجب أن تتقدم نحو الأمام ونحو بوصلة تحدد فلسطين بشكل كامل والتي يجب أن توجد من خلال الشعب المتطور الحي أسماء جديدة ، فهناك توجهات وأشكال فلسطينية جديدة وكذلك أساليب أدبية جديدة.

فلو قسمنا الأدب الفلسطيني إلى مراحل فسنجد أن هناك أدب قبل النكبة عام 1948، وأدب النكبة، وأدب الداخل، وأدب ما بعد النكبة ، كل ذلك شكل أشياء من الممكن أن نصنفها في العديد من المحاور وكلها يقبل التقييم.

وأقول إن التقانة المتطورة جرت الناس بعيداً عن القراءة والثقافة، فالتلفزيون مثلاً وانتشار الفضائيات والانترنت الذي أخذ الناس نحو ثقافة جديدة أنتجت (أدباء انترنت) وبالتالي لا نستطيع إلغاء العديد من الأسماء التي صعدت عبر الانترنت، وأصبحت أشهر من الذين صعدوا عبر المنشورات الورقية.

ضمن المتاح أنا راض عما يقدمه الشباب الفلسطيني اليوم، لأن الكاتب الفلسطيني الشاب مظلوم ومتروك من دون موجه، ودون مساعدة من أحد، وبالتالي الجميع يتحمل مسؤولية ذلك من أدباء ومؤسسات ومنظمات أدبية وكل واحد من الشعب الفلسطيني يجب أن يتحمل المسؤولية تجاه رعاية واحتضان هؤلاء الشباب.

لأن الشاب الذي يكتب أفضل بكثير من الشاب الذي يتلهى هنا وهناك، لماذا نترك الشباب يلهثون وراء من يطبع لهم كتبهم، لذلك علينا احتضانهم وعدم تركهم لأنهم إن تركوا سيذهبون للمجهول بعيداً عن الاتجاه الصحيح، لأننا أخذنا فرصتنا كاملة واليوم يجب إعطاؤها لهم.

# كتبت والمقاومة حاضرة في معظم ما تكتب، كيف ترى العلاقة المتبادلة بين الأدب والمقاومة؟

لا أعتقد أن هناك أدباً فلسطينياً من دون مقاومة، حتى عندما نكتب عن الحب هناك مقاومة، وليس هناك انفصال بين الأدب الفلسطيني والمقاومة.

الأديب الفلسطيني أديب مقاوم شاء أم أبى، لأنه يتجه دائماً إلى فلسطين، فهو يعيش بأي مكان من الأرض عيشاً غير مستقر، لذلك هو يبحث عن وطنه وذلك يستدعي المقاومة والوطن لا يعود إلا بالمقاومة.

أما بالنسبة لي لا وجود لشيء اسمه سلام، لأن السلام يقوم بين طرفين والطرف الثاني هنا هو احتلال وأنا أنفي الاحتلال.

لأنني أريد فلسطين من الشمال إلى الجنوب، وهذا الموجود على أرضي استيطان غريب وسرطان نريد التخلص منه.

أنا أعبر عن ضمير الشعب وللسياسي ما أراد، فموقفنا مخالف تماماً لأي موقف ينادي بالتسوية.

#هنا أريد أن نسألك كيف يساهم المثقف في بناء وعي الشباب تجاه القضايا الوطنية؟
إننا نرفض رفضاً تاماً أي سلام مع الاحتلال الصهيوني، لأنني أقول احتلال، وأنا عندما أكتب أضع دائماً قبلها سيئة الصيت وأضعها بين قوسين، لأنها كلمة غريبة.

هناك فلسطين مسلمة ومسيحية ولجميع الأديان لكنها عربية، ولا نقبل وجود هذا الكيان الغاشم بين هذه الدول العربية الأصيلة.لا ننسى أن ( إسرائيل) قامت على الدين وليس ثمة دولة قامت على الدين، فهل من المنطقي أن نقول على جميع المسلمين أن يعودوا إلى السعودية، هل من المنطقي أن يعود اليهود إلى فلسطين.

وبالرغم من المحاولات لزرع أيديولوجيا جديدة تنادي بالتطبيع والتسوية وإنهاء الصراع؟

هنا تقول زرع، والزرع اصطناعي وليس حقيقياً لأنه ليس له جذور، ودور المثقف هنا أن يشير دائماً إلى البوصلة الحقيقية باتجاه فلسطين، فلسطين عربية ولا يمكن أن تكون إلا عربية ومن الواجب أن تكون عربية.

# ما دور الأديب الفلسطيني المبعد في رسم الصورة الحقيقية للوطن الأم فلسطين؟
السياسة لها أن تصمت، ونحن من يعبر عن الضمير الفلسطيني الحي، كل سياسي يقول إن فلسطين جزء منها لنا وجزء منها للآخرين، يجب أن يصمت فهو يعبر عن نفسه فقط.

نحن نعبر عن الضمير الشعبي الحي ولا يمكن أن يذهب أي دم لشهيد فلسطيني وعربي قدم لاسترجاع فلسطين هباء.فعلينا جميعاً أن نعود لفلسطين وحتى أبي الذي مات خارج فلسطين، علينا استعادة عظامه ودفنها هناك في فلسطين.

الحق لا أحد يتخلى عنه، فلسطين لنا وكاملة لنا وستبقى لنا.

وإن طال الزمن لا بأس سننتظر، ولكن يجب أن تعود، فأنا من حيفا لا أرضى غير حيفا وطناً بديلاً، دفعنا الكثير وسندفع أيضاً الكثير لأن الوطن غالٍ والعودة مكلفة ولا بأس في ذلك.

# من خلال تجربتك الطويلة في العمل الأدبي والإعلامي خارج فلسطين كيف تقيّم لنا الحركة الثقافية والأدبية الفلسطينية في الشتات؟

هي معبرة عن وجود كل فلسطيني في مكان ما وجميع هذه الجداول تصب في مجرى واحد يتجه نحو عودة فلسطين ونحو حق العودة، نحو شمولية فلسطين.

الصوت الفلسطيني في سورية له خصوصية، والصوت من مصر له خصوصية أخرى، ومن لبنان له خصوصية أخرى، وكلها جداول تلتقي في نهر واحد يصب في البحر الفلسطيني.

وبرأيي هذا التعدد يفيد الأدب الفلسطيني ولا يضره، وأنا قمت بدراسات عديدة للأدب الفلسطيني، لذلك أقول إن هناك نكهة وخصوصية لكن بلد، والأديب الفلسطيني لا يستطيع إلا أن يتأثر ويؤثر في المكان الموجود فيه.

والنتيجة المهمة أن أدبه فلسطيني.

# إلى أي مدرسة أدبية ينتمي طلعت سقيرق، كما يشعر بنفسه؟

لا أحب أن أنتمي إلى أي مدرسة، على نحو عام أنا أنتمي إلى الأدب الفلسطيني، لأن كل قصة أو مسرحية أو قصيدة

من الممكن أن أميل فيها إلى الانطباعية لكونها تحمل المشاعر، والانطباعية حتى في الدراسة تحمل بصمة المشاعر.

تحمل الاحساسات وتحمل شعوري نحو شيء ما.

ما زلت متحرراً من جميع المدارس لأن المدارس قيد، ولكل قصة لها حالة منفردة وبالتالي فهي ترفض القولبة والتأطير، مع العلم أن جميع المدارس مستوردة ولم تولد عندنا لذلك أقرب شيء لنا المدرسة الانطباعية.

مع العلم أن الأدب الفلسطيني هو مدرسة بحد ذاته، لأن هناك أدباً في المهجر وفي الداخل،
فنياً أفاد الأدب الفلسطيني من كل المدارس ولكن وظفها لكي تكون ضمن بوتقة واحدة هي البوتقة الفلسطينية.التي تحمل الطعم الفلسطيني.مستفيدة من جميع الفنون من دون استثناء.

فأقول إنه ممكن أن يكون أدبي مائلاً نحو الانطباعية، كونها تابعة للعواطف وقابليتها بالتأثر من كل شيء.

# كيف تراقب الحالة الثقافية الفلسطينية؟

من خلال اختصاصي كوني خريج أدب، ولي أربعة كتب جميعها في النقد الأدبي الفلسطيني، ومتابع لمعظم ما يصدر من الأدب الفلسطيني في الداخل والشتات.

ومن خلال عملي الحالي في الببليوغرافية ، أستطيع أن أقوم بمتابعة ما يصدر في الأدب الفلسطيني.

#هل تشعر بفوارق بين ما يكتب اليوم، وما كان يكتب في الماضي حول القضية؟
نعم هناك فوارق واضحة، الالتزام في صعود وهبوط، فمثلاً هناك فترات ازدهرت بها الأغنيات الفلسطينية وعلو صوتها، واليوم غابت وأسأل لماذا؟ وأين هي؟
والسبب برأي هو انعكاس للحالة السياسية العامة وللظروف المتموجة للقضية الفلسطينية،وانعكاس للتراجعات والهزائم والتراخي ولأشياء أخرى، وهنا أدين الجميع من جهات ومؤسسات التي صنعت من الإنسان الفلسطيني إنساناً يعمل من أجل فلسطين وتركته وحيداُ بالفراغ.

# حبذا لو تحدثنا عن تجربتك الجديدة في ببليوغرافية أدباء فلسطين؟

لي كتاب اسمه أدباء فلسطين في القرن العشرين، صدر عام 1998 عن دار الفرقد، ضم حوالي 890 اسم أديب وكاتب فلسطيني، ثم قررت أن يتحول إلى موسوعة أعلام فلسطين في القرن العشرين، فقمت بمراسلة الكتاب والأدباء في الخارج والمهجر، وحقيقة أن الشعب الفلسطيني غني جداً بالأدباء والكتاب والإبداعات المتميزة، لذلك لابد من الحفاظ عليه كما نحافظ على التراث الفلسطيني من الضياع.

لكن من واقع التجربة للأسف هناك محاولات من البعض يقوم بتقليد البعض الأخر وبالتالي لا إضافة جديدة وهذه مشكلة أدبية كبيرة، يقومون بتكرير بعضهم البعض دون محاولة استكمال لما قام به السلف، وهناك أجيال تفنى وتأخذ معها ما أنتجته، وللتاريخ إن من أفضل من يقوم بالتوثيق العلمي الصحيح هو الباحث الفلسطيني محمد توفيق السهلي، فهو متابع جيد للتوثيق، ومثله الباحث نمر سرحان.

اليوم تحوي الموسوعة الجديدة التي أقوم بكتابتها حوالي 3000 أسم كاتب وشاعر وباحث فلسطيني، وستعتبر من أهم المراجع في مجال الببليوغرافية إن شاء الله.

واليوم مشروع آخر بدأت العمل به وهو أنطولوجيا القصة والرواية والشعر الفلسطيني، وهو عمل أدبي ضخم، وبحاجة إلى وقت ومجهود كبيرين.

من أجل ذلك أدعو جميع المؤسسات والمنظمات التي تعمل في مجال الأدب والتراث الفلسطيني أن توجه مجهودها نحو أعمال بهذا الحجم للحفاظ على التراث والثقافة الفلسطينية، لأن التواصل عند الشعب الفلسطيني هو تواصل شفوي، ومعظمهم يعتمد على الذاكرة الشفوية، لذلك لابد من الحفاظ على التراث الفلسطيني.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى