الأحد ٢٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٩
بقلم محمد زكريا توفيق

الشفاء بالإيحاء

يخبرنا أحد الصحفيين الأمريكان يدعى "ستيوارت السوب" عن تجربته الحزينة مع مرض عضال، أودى بحياته بعد ثلاث سنوات من اكتشافه. كتب يقول:

"استيقظت فجأة في منتصف الليل، أضأت المصباح ثم جلست في سريري. سمعت سائق القطار يقول إننا سنقف في محطة بلتيمور القادمة. قمت فوجدت أمامي دولابا صغيرا به ملابسي ودورة مياه صغيرة.

سرت في ردهة ضيقة تؤدي إلى صالة أكبر. ثم توقف الهز والرج بوقوف القطار في بلتيمور. عندما نظرت من النافذة، وجدت الرصيف عريضا جدا، لكنه خالي من المسافرين. كنت متأكدا أن بلتيمور ليست هى محطتي. فقلت في نفسي بحزم: "لا لن أنزل هنا. ثم عدت إلى سريري بصعوبة بالغة وأطفأت النور ثم خلدت إلى النوم."

لم يكن الصحفي في عربة نوم في قطار. لكنه كان في غرفة بأحد المستشفيات بعد إجراء ثلاث عمليات جراحية له، لإزالة جلطات دموية في رئته بسبب مرض اللوكيميا. كانت حالته تزداد سوءا يوما بعد يوم.

في صباح اليوم الذي رفض فيه النزول في محطة بلتيمور، بينت الأشعة أن حالة رئته أفضل من ذي قبل. بعد عدة أيام، اقتربت حالة رئته من الحالة العادية. غادر المستشفى، وعاد إلى عمله المعتاد لكي يكتب:

"ماذا حدث؟ تقول الأطباء بصراحة لا ندري. لكن لدي تفسير آخر، وهو الأكثر احتمالا. قراري بعدم النزول في بلتيمور ربما يكون هو السبب. لقد كان قرارا برفضي أن أموت. هذه العلاقة الغريبة بين العقل والجسد، لا يستطيع أن يفسرها أعظم الأطباء أوالعلماء أوالفلاسفة".

لكن للأسف، عاود المرض "ستيوارت السوب" بعد فترة. ومات بعد ثلاث سنوات من بداية اكتشاف الأطباء لمرضه. القصة الأكثر غرابة هى قصة "نورمان كوسينز" المحرر بجريدة "سترداي ريفيو".

أثناء عودته بالطائرة من روسيا إلى الولايات المتحدة، بعد رحلة عمل مضني وإجهاد شديد، شعر بثقل في رجليه وظهره. عند وصول الطائرة، كانت درجة حرارته 104 فهرنهيت.

بعد أن مكث يومين في السرير، أرسله الأطباء إلى المستشفى. الثقل في رجليه وظهره قد تحول إلى شلل. أقل حركة تشكل آلاما مبرحة. ثم فقد قدرته على الحركة تماما وكانت العقاقير التى يتناولها، لمجرد تخفيف الآلام ومساعدته على النوم.

بعد أسبوعين من وصوله المستشفى، ازدادت حالته سوءا. فلم يكن يستطيع تحريك رقبته. كان يقوم بتحريك فكيه بصعوبة. وكتب يقول: "كنت مرعوبا. الأطباء كانت تطلب مني كتابة وصيتي". أحد الأطباء ترك رسالة إلى طبيب زميله في الغرفة تقول: "أخشى أننا في الطريق لفقد نورمان".

بدأ نورمان يراجع حياته وما قد حدث له خلال الشهور السابقة لمرضه المفاجئ هذا. وجدها مليئة بالتعب والإجهاد والقلق. إذا كان الإجهاد والتعب يجعلان الجسم يفرز سموما تمرض الناس وتقتلهم. إذن، لابد أن يكون العلاج هو عكس ذلك. لذلك قرر نورمان أن يتولى أمر علاج نفسه بنفسه.

ترك نورمان المستشفى وذهب للإقامة في فندق. ألقى كل الأدوية والمسكنات في سلة المهملات. كان يقول: "الآلام مبرحة، لكنني لا أحتاج إلى مسكنات، بل إلى الضحك والفكاهة".

طلب آلة عرض سينمائية صغيرة وأفلاما فكاهية مثل أفلام "الإخوة ماركس" و"لوريل وهاردي" و"الكاميرا الخفية". كان يقول: "كل 10 دقائق ضحك، تجعلني أنام ساعة بدون ألم. كنت في نفس الوقت، أبتلع كميات كبيرة من فيتامين "سي". ومع استمرار العلاج بالضحك، بدأت حالتي تتحسن يوما بعد يوم"

شفي "نورمان كوسينز" من مرضه تماما في خلال شهور. لا تدري الأطباء كيف استطاع هذا الرجل علاج نفسه من مرضه اللعين باستخدام الفيتامينات والضحك وقوة العقل فقط.

عندما تكتشف شركات الأدوية عقارا جديدا، وتريد تجربة فاعليته في علاج مرض معين، تختار ثلاث عينات عشوائية من المرضى. تعطي المجموعة الأولى الدواء الجديد. وتعطي المجموعة الثانية دواء مزيفا (فشنك) يسمى "بلاسيبو". هو عبارة عن ماء وسكر. أما المجموعة الثالثة، فلا تأخذ دواء على الإطلاق. ثم تقارن نتائج المجموعات الثلاث. الغريب في الأمر، أن الدواء المزيف هذا، وجد أن له تأثير فعال في علاج المرض، مثل الدواء الجديد، لكن بنسب متفاوته. هذا ما يعرف بالعلاج بالإيحاء.

أثبتت التجارب أن "البلاسيبو"، أى الدواء المزيف "الفشنك"، تصل كفاءته في تسكين الألم 54% من كفاءة الأسبرين، و 56% من كفاءة المورفين. ووجد علماء النفس، أن قرصين من "البلاسيبو" أفضل من قرص واحد. وأن "البلاسيبو" له مفعول أفضل إذا وصف عن طريق الطبيب. لأن المفروض أن الطبيب يصف عقاقيرا حقيقية.

عندما يقف البائع في السوق يبيع شربة الحاج محمود التي تقتل الدود، أو الوصفة التي تذهب بألم الأسنان بعد أكل الحلاوة الطحينية، هو يبيع للمارة العلاج بالإيحاء. الذي ينتج عنه نتائج إيجابية في كثير من الأحيان.

وجد أيضا أن بعض الناس تتماثل للشفاء بمجرد أخذ ميعاد لرؤية الطبيب، أو عند سماع صوته على التليفون، وهو يقول كلمات طيبة. أو قبل أن تتعاطى الدواء. لذلك ثقة المريض في الدكتور المعالج هامة، تمثل جزءا كبيرا من العلاج. مما يفسر لنا نجاح العلاج بالوصفات البلدية، والرقية والأدعية والأحجبة والشبة والفسوخة، في حالات كثيرة.

هذا يجعل الدجالين يستمرون في العلاج بالدجل حتى الآن. لأن علاجهم يأتي في كثير من الأحيان بالنجاح. السبب يرجع إلى الإيحاء لاغير. لقد اعترف لي طبيب متخصص في علاج الحساسية هنا في مدينة نيويورك، أنه عالج، في بعض الأحيان، مرضاه بحقن ماء مقطر بعد إيهامهم أنه دواء جديد. وحصل على نتائج جيدة.

لى صديق حميم أعرفه منذ أيام الصبا والدراسة الجامعية. كان والده رئيس جماعة صوفية لها مريدين وأتباع ولها مولد يقام كل عام. في يوم من الأيام عندما كنت في زيارة لصديقي هذا، جاء والده الشيخ لتحيتي والترحيب بي. أثناء الحديث معه، أخبرني بحدوث شئ غريب له.

كان الشيخ يعاني من التهاب الزائدة الدودية. لكنه كان يخشى إجراء عملية جراحية لإزالتها. في أحد الليالي، رأى في المنام رجلين طويلين، ربما كانا ملاكين، يلبسان الملابس البيضاء. اقتربا منه وهو نائم، وقاما بعمل العملية الجراحية له لإزالة الزائدة الدودية.

عندما استيقظ الشيخ من النوم، وجد بعض بقع دماء على جسده وملابسه. مما يثبت أن العملية الجراحية كانت حقيقية. تمت بالفعل في الليلة السابقة، ولم تكن مجرد رؤيا. بعدها، اختفت آلامه منذ ذلك الحين.

في أحد تجارب علم النفس، تم تنويم شخص بالغ تنويما مغناطيسيا. ثم خاطبه الموجه مباشرة قائلا أنه سيقوم بتقريب سيجارة مشتعله إلى ذراعه حتى تلامسه.

لكنه بدلا من السيجارة المشتعلة، قام بتقريب قلم رصاص حتى لامست نهايته ذراع المنوم مغناطيسيا. وعلى غير المتوقع، أخذ ذراع المنوم في تغيير لونه مكان التلامس، ثم بدأت تظهر علي الجلد بقاليل وآثار حروق.

هذه تجربة معروفة وموثقة في مراجع علم النفس. توضح ما يمكن أن يفعله "الإيحاء" بأجسامنا. مثل كفي الصبية التى تقطر دما، نتيجة للإيمان الشديد بقصة صلب المسيح، أو مثل حالة شيخنا المشار إليها سابقا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى