المرأة العربية لم تنصف
أهلًا بِضيفِنا: فقرة حوارات أسبوعيَّة لمجلَّة ديوان العرب العريقة.
تُجري الحوارات: الأديبة السُّوريَّة ميَّادة مهنَّا سليمان.
"للأسف المرأة العربية، وبالذات العراقية، لم تنصَف يوماً، ودائماً ما يكون الرجل هو المتسلط في كل قراراته."
ضيف اليوم الأستاذة زينب التّميميّ.
– قاصّة، شاعرة، وإعلاميّة من العراق، مواليد البصرة.
– عضو اتّحاد الأدباء العراقيّين.
– مدير إدارة مجلّة (الحراك الأدبيّ الحرّ)
– حاصلة على شهادة بكالوريوس في اللغة الإنجليزيّة، وتجارة قسم المحاسبة، ودبلوم في التّربية الرّياضيّة.
– سكرتير تحرير مجلّة أوراق المهجر الدّوليّة، والرّاصد نيوز، وجدار نيوز العراق حاليًّا.
كما عملت مديرًا للتّحرير في مجلّة دار العرب الثّقافيّة، وعضو هيئة الإشراف الأدبيّ لمؤسّسة دار العرب الثّقافيّة.
نستضيفها اليوم، ونطرحُ عليها هذه الأسئلة:
- كانت لديكِ هواية الكتابة منذ الطّفولة،
هل نُشر لك نصوص للأطفال في تلك الفترة، وما أهمّ الصّحف التي نشرت لك؟
وهل طوّرتِ هذه الموهبة من خلال مشاركاتك في مسابقات شعريّة وأدبيّة خلال فترة الدّراسة؟
حقيقةً إن الكتابة هي ملاذي الذي ألجأ إليه، لأصب فيه انفعالاتي سواء الفرح أو الحزن، لذا كان القلم رفيقي منذ الصغر.
يوم الخميس كان المميز في أيام الأسبوع حيث كانت مشاركتي أسبوعياً في إلقاء كلمة، أو شعر في وقفة العلم، أو من خلال التمثيل في مسرحيات كانت تعدها معلمة اللغة العربية في المدرسة.
كذلك مشاركاتي في المخيمات الكشفية وما يتخللها من نشاطات أدبية كمباراة الشعر، والخطابة.
ومن جهة أخرى كانت لي مشاركات في مجلة (مجلتي والمزمار ) وهي مجلة للأطفال أيام الثمانينات، وهي بصراحة مَن حببتني بالكتابة، فكانت جذابة تحاكي الطفل بكتابات بناءة لفكره وعقله.
- تكتبين القصّة القصيرة، والقصّة القصيرة جدًّا، هل تعتقدين أنّ الأخيرة طغت حتّى أنّ الكتّاب عزف معظمُهم عن كتابة القصّة القصيرة؟
نعم أكتب الاثنتين، لكن القصة القصيرة يبقى لها طعمها الخاص عندي رغم انتشار الق. ق. ج وإعجابي بالتكثيف العالي الذي يصب في عمق الفكرة، ولكن أرى للأسف البعض، وكأنه يفتل عضلاته فينحى منحى اللغز في السرد، فيعمد إلى استخدام ترميز قد يصعب على القارىء البسيط.
أنا من وجهة نظري أن النص الجيد كلما وصل ولامس تفكير وروح أكبر عدد من القراء، هو الناجح.
فاستخدام مفردات ورموز مشفرة هذا ليس بأدب، وبرأيي لم تطغَ الأخيرة على الأولى لأن القصيرة لها متذوقوها، وتبقى هي الأولى حتى على القصة والرواية وتعطي مساحة أكبر للكاتب في معالجة الموضوع ثيمة القصة، اذا ما سردت بأسلوب مميز، وعدم إسهاب في الطرح، وعدم انفلات حبل الفكرة بشكل مشوّق يشد القاريء حتى النهاية.
لا أنكر أن الق. ق.ج تلائم عصر السرعة الذي نعيشه اليوم، فهي جيدة اذا ما عالجت موضوعاً بعمق بمفردات بسيطة يفهمها الجميع وليس للنخبة فقط .
- لديك مجموعة قصصيّة بعنوان:
(هاديس) صادرة عن دار أفاتار في مصر.
هاديس طبعًا هو إله العالم السّفليّ، ومعنى اسمه "الشّخص غير المرئيّ"، فقد كان مرتبطًا بخوذة الخفاء، وكان يُعرف أيضًا باسم "واهب الثّروة".
ما سبب اختيار هذه الشّخصيّة الأسطوريّة عنوانًا لكتابك، وهل أنت مع تضمين الأساطير في الأدب، ولا سيّما القصّة القصيرة جدًّا كما شاع مؤخّرًا حتّى غدا معظمها طلاسم؟
أنا سبق وقلت إن مانراه اليوم في الساحة كأنه عرض عضلات في اختيار المفردات واتباع التشفير في الق.ق.ج بشكل لايستهويني بتاتاً.
ليس لأني لا أعرف فك شيفراتها، لا وإنما الأدب الحقيقي هو الأدب السهل الممتنع الذي يلامس الروح والعقل معاً، والذي يشدني فيجعلني أعيش النص، وكأني من ضمن أبطاله.
قصة هاديس، وهو ملك الموت عند الإغريق أبداً ليست مشفرة، وكانت واضحة المعالم والشخصيات، لبنت فقدت كلا الوالدين وأخيها، فكانت تتشوق للقائهم ..
في مشهد في المقبرة حيث أول أيام العيد ومن عادات البشر زيارة الموتى في يومٍ كهذا، هاديس ملك الموت عرض عليها صفقة بأن يمنحها الخلود، لكن هي فضلت الموت لتكون معهم، في الوقت نفسه تطفو غريزة الأمومة عندها، فتتذكر ابنتها، فتعود لترجوه عقد الصفقة، إلا أنها لم تجده، فتعود للواقع على إثر خروج رجل دين يقرؤها الفاتحة التي تهدأ على إثرها في النهاية.
ويتخلل النص عدة حوارات مع أهلها، ثم مع هاديس، وفي النهاية مع الرجل الصالح. النص عالج عبثية الحياة والموت.
هذا بالنسبة لصفقة هاديس كقصة أما اختياري (لهاديس) كعنوان للمجموعة فبسبب أنها تحتوي على عدة قصص تتناول موضوع الفقد، حيث بالتالي أؤكد أن الموت هو حقيقة حتمية نفقد فيها الأحبة كما الروح التي ترحل معهم لنبقى جسداً واقفاً بلا حياة.
- إضافة الى كتابة الشّعر النّثريّ تكتبين الهايكو، وهو من الشّعر اليابانيّ، حيث تتألّف أشعار الهايكو من بيت واحد مكوّن من سبعة عشر مقطعًا صوتيًّا (باليابانيّة)، وتكتب عادة في ثلاثة أسطر.
هل وجدتِ متعة في كتابة قصيدة الهايكو بحيث رأيتِها تعادل متعة كتابة القصيدة العاديّة؟
وهل الهايكو الّذي يكتبه الشّعراء العرب أوصل الإحساس الحقيقيّ للقارئ، كما أوصله هذا الجنس الأدبيّ للقارئ اليابانيّ؟
كتابة النص النثري وعلى غرار النص العمودي كلاهما رائع.
لي قصيدة واحدة عمودية على بحر الكامل والبقية نصوص نثرية.
برأيي أن النص النثري طالما يفتقد للوزن
إذن يجب أن يحمل صوراً مدهشة، ولغة ذات مفردات قوية تجذب القارىء بشكل يضاهي النص العمودي، وعلى كاتب النثر عن يبتعد عن القافية في نصوصه،
ليكون أكثر جماليةً، واستقلالا عن العمودي.
أما الهايكو ذلك الجنس المستحدَث، فهو يجذبني بصراحة لما يحمل من صفات أولها عمق الفكرة ..التكثيف ..والبساطة في الوقت نفسه.
وقد نرى العديد من الآراء المختلفة حول رفض أو قبول هذا الجنس الأدبي بحجة أنه دخيل وعلينا أن نهتم بالعمودي، لأنه إرث عربي بدل اهتمامنا بالمستورد من الغرب، ويبقى لكل وجهة نظره التي أحترمها.
- تمّت استضافتك في أكثر من برنامج تلفزيونيّ وإذاعيّ، وتحدّثتِ عن واقع المرأة وإبداعها الأدبيّ، حدّثينا باختصار عن المرأة العراقيّة، هل هي مُنصَفة اجتماعيًّا، وثقافيًّا، وفنّيًّا، وما أبرز الحلول الّتي طرحتِها في لقاءاتك تلك؟
للأسف المرأة العربية، وبالذات العراقية لم تنصَف يوماً، ودائما ما يكون الرجل هو المتسلط في كل قراراته في ظل مجتمعات ذكورية تدعو للمساواة علناً وفي الباطن تجحف حق المرأة.
وفي آخر ماظلمها هو تعديل قانون الأحوال المدنية العراقي الذي أعادها إلى عصر الجاهلية، والانغماس بهذا الموضوع يحتاج وقتاً، ومساحةً لايتسعها اللقاء بصراحة.
أما من ناحية حضورها الأدبي، لو كانت المرأة العراقية قد أعطيت مساحتها الكافية لكانت أبدعت، وأبدعت، لكن يبقى للمجتمع دوره في تقييد هذا الإبداع رغم أن البعض منهن قد حاربت، لتكون عنصراً مهماً في كل نواحي الحياة، سواء الأدبية أو المهنية. وقد قلت في أحد اللقاءات:
إن المرأة اليوم في حالة تمرد لتثبت هويتها كإنسانة لها حق الحياة أسوة بالرجل كونها هي من تدير الأسرة أكثر حتى منه،
فنراها حاضرة في البيت، والعمل، وتربية الأولاد، ودورها يتعدى دور الرجل أحياناً الذي ينطوي تحت العمل، والدخل المادي فقط.
- عملت كإعلامية من خلال برنامج (ما وراء القصّة) الّذي يُبثُّ عبر الأثير عبر راديو على باب مصر، وهو يتناول الإبحار في القصّة، وكشف معالمها وأغوارها من خلال طرحها على مائدة النّقد.
سؤالي: لماذا اختيارك للقصّة دون غيرها، وما أهمّ الأفكار الّتي طُرحت في هذا البرنامج، وهل مازلتِ تقدّمينه؟
البرنامج أضاف لي الكثير من خلال قراءة النصوص من كُتاب على مستوى الوطن العربي، برفقة الناقد الرائع د. وليد مجدي، فكانت القصة اختياري، لأني كاتبة قصة قبل النثر حيث أجد روحي فيها.
البرنامج يتناول القصة بكل أنواعها، والوقوف على مكامنها، ونقاط الضعف، والقوة فيها، وفك كل شيفراتها، وهذا حتماً
أفادني ككاتبة من خلال قراءة العديد من النصوص يومياً، لاختيار النص الذي سنتناوله في الحلقة، إضافة الى المعلومات التي كان يطرحها د. وليد، والتي كنت أسجلها، لأعود لها في كتاباتي.
البرنامج كان من فكرتنا أنا والدّكتور مجدي؛ أنا أعده وأقدمه، وأقدم أيضاً رؤيتي النقدية للنص إلى جانب رؤيته هو باستضافة كاتب النص.
للأسف توقفتُ عن تقديمه منذ فترة بصراحة.
• تقولين في قصيدة (للنّساء فقط):
"فأنا امراةٌ
كأيّ امرأةٍ شرقية
تهوى الطّيران
ولو ..
بأجنحة مكسورة
وتعشق الغناء
ولو...
بفمٍ مكمّم ..وأوتارٍ مبتورة"
برأيك هل تستطيع المرأة العربيّة عمومًا، والعراقيّة خصوصًا، التّمرّد على واقعها، وهل حدث أن تمرّدتِ، واستطعتِ إثبات وجودك؟
لولا التمرد لما وصلتُ لما أنا عليه الآن.
هناك مَن تمردت، ووصلت، وهناك ممن لا زلنَ يعشنَ خلف الكواليس، ويكتبن بأسماء مستعارة.
• من ومضاتك القصصيّة:
" جوع
امتلأت قائمة الدائنين؛ شحّت مائدة الإفطار."
في عام ٢٠١٦ كانت الومضة في أوجها؛ السّجالات، المسابقات، المنشورات...، كلّها عن الومضة، ثمّ خبَتْ فجأةً.
ما سبب هذا الانطفاء، وهل ترين أنّ الومضة قادرة على إيصال فكرة ما أكثر من القصّة القصيرة جدًّا؟
لكن جنس أدبي معالمه الخاصة به، ويتفرد بجمالية، وتميز عن الآخر بخصوصيته؛
الومضة لها القدرة على معالجة سلبيات المجتمع بصورة كبيرة، مثلها مثل القصة القصيرة، والق ق ج، وهي توصل رسالة قوية لاتقل عنهما أثراً.
لا أعتقد أنها خبت، أو ضعفت، بالعكس هناك الكثير من كُتابها في الوطن العربي.
• أخيرًا.. ما هي إصداراتك المقبلة؟
وهل من تفكير في كتابة الرّواية لاحقًا؟
نعم هناك كتابان ينتظران الطبع منذ زمن، لكن كلما أقدمتُ على الأمر، انشغلتُ بأمرٍ آخر، إضافةً إلى أنني أبحث عن دار نشر لها حضور في معارض الكتاب الدولية بصراحة.