المسافات الباردة - رواية زكريا شاهين - قسم 6
على حد السيوف!!
وضع رأسه على الوسادة، تطلع إلى السقف، كان كل شيء واضحاً أمامه.. لكنه فجأة، أحس بنفسه يطير في الهواء، وحوله أجنحة تصفق بشدة، تلفه من كل اتجاه، لم يتبين نوع الطيور التي لها مثل هذه الأجنحة، لكن لاحظ أن رؤوسها مغطاة بقبعات تشبه الخوذ العسكرية وهي صغيرة جداً قياساً بالأجنحة الطويلة الممتدة على الجانبين.
ظل يطير.. ينظر إلى الأرض، فلا يرى سوى البحر، وفجأة اختفت الأجنحة، هوى بسرعة غريبة، لكنه قبل أن يرتطم بالماء، وجد نفسه يقف على حدي سيفين قاطعين، كان حدا السيفين قد التصقا بقدميه، أو على العكس، المهم ، كان واقفا على الحدين، وليس هنالك من ألم، رغم أن وهج بريق السيفين يكاد أن يخطف الأبصار.
كان كلما رفع قدماً عن سيف، عاد السيف والتصق بالقدم.. بدأ باليمنى، ثم حاول باليسرى، لكن الحركة كانت تتكرر بنفس الوتيرة، مقبضا السيفين كانا على شكل قلب ينبض بالحياة، باتت شرايين الدم من حوله، والدم يتحرك فيها ظاهراً كأن أوردة القلب صنعت من ضوء، أما في داخل القلب الأول، فقد وقف رجل يعتمر عمامة بيضاء، يضع يده على جبينه بشكل يتقي فيه وهج أشعة الشمس، كان ينظر إلى السماء.
أما القلب الثاني فقد وقف بداخله رجل يحمل معولاً.. يحفر في الأرض كمن يبحث عن قطرة ماء.. كان العطش والتعب باديان على وجهه.. ورغم ذلك، فهو يملك من القوة الكثير، ما بين المقبضين، تدلت سلسلة ذهبية طويلة.. كانت على شكل قوس يقع بين الحدين، أحنى قامته حتى أمسك بوسط السلسلة محاولاً الإبقاء على حالة التوازن فوق السيفين، التفت السلسلة حول معصميه بشدة، كثعبان يعتصر فريسته، نظر إلى أسفل مرة أخرى، كان يهبط فوق قطعة من الأرض اتصلت بالبحر من جهة، وبممر بري طويل مع اليابسة من الجهة الأخرى، والخضرة تغطيها بالكامل.. ظل يهبط حتى شعر بأن السيفين ارتطما بالأرض من ناحية المقبضين، والحدين ظلا إلى أعلى، تحركت قدماه حتى وقفتا على نصل السيوف، أما السلسلة فقد تعلقت على غصن شجرة برزت فجأة، كانت ضخمة وقديمة بعمر الدهور التي مضت، هكذا كان يدل شكلها عليها، تدلى أناس كانوا يجلسون فوق الأغصان، كانوا أيضاً معلقين بسلاسل ذهبية كالتي تعلقت به.
رأى رجلاً يقترب من أسفل الشجرة، نظر إليه ثم سحب القدم اليسرى عن نصل السيف ووضعها فوق اليمنى التي ظلت ملتصقة بالنصل الثاني، جاء رجل آخر، فسحب القدم اليمنى التي أصبحت تحمل اليسرى أيضاً، وسحب السيف من تحتها معاً.. أصبح معلقاً في الهواء تماماً..
تبادل الرجلان النظر إلى بعضهما ثم قالا بصوت واحد.. أهلاً بك في مملكة التائهين.. ثم استدارا، وقف كل منهما في مواجهة الآخر كمن يريدان المبارزة، لكن رجلاً ثالثاً أتى مسرعاً وهو يمتطي ظهر حيوان ضخم.. الحيوان، يسير دونما أقدام.. شكله يتخذ قاعدة كقاعدة الهرم، ثم يرتفع بشكل مخروطي، ليظهر كأنه مدبب في أعلاه، والواجهة التي كانت في مدى نظر عبد الرحمن كأنها وجه لأسد.
الرجل الذي يمتطي الحيوان المخروطي الشكل، يرتدي ملابس كأنها صنعت لمهرج في سيرك، والمساحيق تغطي وجهه من كل جانب، وأذناه قد استطالتا كأنهما أذني فيل، كان حافي القدمين، لكن قدماه التصقتا بصخرتين يتحرك فوقهما..
صرخ بالرجلين اللذين يحملان السيوف، فاستدارا ليقفا في مواجهته وقفة تأهب، نفخ من فمه، فإذا بنار عظيمة تخرج من الفم، وإذا بالرجلين وقد سقط السيفين من يديهما..
دوت ضحكة الحيوان المخروطي، فإذا بها كالرعد، أو كارتطام الصخور الضخمة بأسفل الجبل حين تهوي من عل.
بدأت الشجرة بالدوران كأرجوحة الأطفال.. وعبد الرحمن يدور معها، انحنى الحيوان الضخم، التقط السيفين، رمى بهما عبد الرحمن، فانغرسا في الغصن دون أن يصيباه، كل على ناحية. ظهر الرجلان مرة أخرى، كانوا عراة تماماً، انتزع كلا منهما سيفه عن الشجرة التي توقفت عن الدوران بعد قذفها بالسيفين، ثم رسما خطا عريضا يفصل بين الحيوان والشجرة، التي تعلق بها عبد الرحمن.. كان الحيوان كلما اقترب من الخط باتجاه الشجرة غاصت قاعدته في الأرض، لكنها كانت تخرج من جوف الأرض عندما يدير وجهه إلى الخلف وفجأة ظهرت حزمة من أشعة الشمس، اخترقت رأس الحيوان، صرخ حين تفتت قاعدته بفعل الأشعة ثم هوى مبتعداً كأنه حجارة صغيرة، تكوم كومة لا حياة فيها أمام الخط الفاصل الذي رسمه الرجلين، مرة أخرى برزت المرأة التي قرأت له راحة يده، كانت تحمل عصاً صغيرة، خطت أمامه خطاً يتجه إلى الشرق وقالت:
طريقك من هنا.. انظر.. إنه البحر..
كأنني رأيت حلماً.. كان يحدث نفسه، لكن عيناه كانت مفتوحتان، إنه على كل حال، حلم ليس إلا.. هم بترك فراشه حين دخلت عليه أمه، قالت إنها سمعت حركته، فأحضرت له كوباً من الشراب..
تقبل ذلك بسرور، ثم نهض وارتدى ثيابه، وغادر البيت.
كانت المرة الأولى التي يخرج فيها عبد الرحمن من البيت بعد تلك الحادثة، كان الوقت عصراً، والمدينة بدت وكأنها تتأهب بعد أن استفاقت من قيلولتها، اتجه إلى دكان والده القريب، فوجئ الوالد به، لكن ملامحه أشرقت من الفرح، أفسح له أخاه مكاناً خلف طاولة كبيرة، جلس هناك، كأنه لم يكن أبداً يعاني من المرض، ظل يحادث أباه عن المستقبل الذي عليه أن يبحث عنه، ورغبته في السفر، قال الوالد، إذا كان الأمر إجازة ليس إلا فهو لا يمانع، أما إذا كان رحيلاً أو هجرة، فأولى به أن يبقى في هذه المدينة، فالخير كثير، والرزق وافر، كذلك يمكن له أن يتسلى في البيع والشراء، وفي ذلك فوائد كثيرة، أهمها، أنه يخوض تجربة مفيدة من كل النواحي، هذه التجربة قد تدفع بتفكيره إلى البحث عن الاستقرار والزواج..
كان والده يسترسل في حديثه، عندما قاطعه عبد الرحمن قائلاً:
إنني لم أعد أطيق العيش في هذه المدينة، أريد أن أجد عملاً بعيداً، لكنني سأرجع بعد بعض الوقت، أرجوك..
هون عليك، سنتباحث في الأمر عندما نعود إلى المنزل، على كل حال، آن أوان إغلاق المتجر، هيا بنا، سيتبعنا أخاك بعد أن يغلقه..
سارا باتجاه المنزل، كان الوالد قد واتته فكرة قد ترضي ولده، إذ أنه من خلالها يحقق رغبة في السفر وبالتالي يبقى في المدينة..
عندما وصلا إلى البيت قال الوالد:
أي عبد الرحمن.. لدي عرض ممتاز لك.. أسمع.. هنالك على الشاطئ الآخر، توجد بعض القرى المتناثرة على طول الشاطئ.. هذه القرى تعتمد على الزراعة وتربية المواشي، نحن نستفيد منها في مواسم جز الصوف، إن أخويك يذهبان كما تعلم ويشتريان الصوف من هناك.. ما رأيك لو قمت أنت بهذه المهمة، إنها تغرقك بالعمل، وتأخذ من وقتك الكثير، عدا أنها تدر عليك ربحاً سيكون بداية تجارة تستقل بها..
قال عبد الرحمن:
لست أبحث عن الكسب، ولكنني أوافق.. متى سأذهب؟
عليك أن تنتظر ثلاثة أشهر وبعدها يحين العمل..
بدا عبد الرحمن كأنه يثرثر كلاما ما.. ثلاثة أقمار عجاف، والبحر والعبور.. لابأس، ليكن ذلك لكن الشهور الثلاثة كانت ثقيلة الظل، مؤلمة الأحاسيس بالنسبة له، إذ أنه لم يستطع أن يكتسب ود أحد، حتى أبناء الحي الذي يسكن، والذين كانوا يتهافتون على مصاحبته، ابتعدوا عنه.
في الليل، كان يعيش حالة كابوس دائم، يستفيق وقد بلغ به الهذيان حداً يرهق أعصابه، لكنه كان قد قرر أن يجتاز هذا الامتحان.. وجد في القراءة متعة جديدة، لكنه ملها بعد أيام.. صار يخرج ليلاً ويعود عند الصباح، وجد أن الحانات المكتظة في الشارع الغربي من المدينة، مليئة بمن يستطيع أن يكسب ودهم.. أصبح من روادها الدائمين.
اكتشف والده ذلك ، كان الوالد يستعد للذهاب إلى المسجد وأداء فريضة صلاة الفجر، لم يعاتبه في الموضوع، ولم يفاتحه في الأمر..
قال في نفسه، إنها نزوة وسينتهي الأمر.. لم يبق سوى أسبوع، ويبدأ موسم شراء الصوف..
أصبح لدى الوالد رغبة سريعة في سفر عبد الرحمن.. كان يعد الساعات عداً.. لكن ما اكتشفه سبب له أرقاً جعله لا ينام إلا بعد أن يسمع صوت أقدام عبد الرحمن حين يعود إلى غرفته ليلاً.
أخيراً جاء موعد السفر.. وأنطلق عبد الرحمن إلى تلك القرى عن طريق البحر.. لقد عبر البحر على قارب كبير، كان على القارب مسافرين من كل الأجناس، بدأ يتنقل بين القرى، ابتاع الصوف من مربي الأغنام، أتقن عمله بسرعة، حتى أن أصحاب المواشي بدأوا يثقون به، كان بارعاً في كسب ودهم..
مضت ثلاثة مواسم وهو على هذه الحالة.. تنقل دائم.. قرية أثر أخرى، لكن نصيب قريتنا أن أحبها عبد الرحمن، فكان يطيل الإقامة بها، كذلك من تعامل معهم، كانوا لا يسمحون له بالعودة إلا بعد قضاء عدة ليالي في بيوتهم.
في المدينة، أصبح الشارع الغربي جزءاً من حياته، تعرف على كل من فيه، رواداً وأصحاب مقاهي، وهو الآخر.. صار معروفاً هناك، لم يختر مكاناً معيناً لقضاء الوقت، كان يمضي وقته في أي مكان يدخل إليه أولاً..
ذات ليلة، كان يهم بالخروج من إحدى المقاهي الليلية، حين استوقفه متسول قرب الباب ماداً يده إليه، نقده بعض النقود، تطلع إلى وجهه، لكن الرجل كان قد مضى..
لم يحفل بالأمر كثيراً.. فالشارع هذا يغص بمثل هؤلاء الرجال.. لكن العملية بدأت تتكرر كلما جاء إلى الشارع، يستوقفه نفس المتسول، ويمضي، أحس أن في الأمر شيئاً، حاول أن يحادث الرجل، لكن الرجل كان حذراً معه.. لكن الإلحاح المتواصل لعبد الرحمن، جعلته يصل إلى حديث قصير ومقتضب مع هذا الرجل..
قال عبد الرحمن.. ما حكايتك؟ وما سر وجودك هنا كل ليلة؟
قال الرجل.. أنا رجل فقير، أسكن هناك في أكواخ الصيادين.. لا أريد شيئاً يا سيدي ثم توارى عن الأنظار..
تملكت عبد الرحمن رغبة عارمة بأن يعرف سر هذا الرجل، كان صوته مألوفاً.. ولكن كيف؟
قرر أن يتبعه ، رآه وهو يدخل كوخاً على الشاطئ.. عاد من حيث أتى، وعند الصباح خرج باكراً رغم أنه يستيقظ متأخراً بسبب السهر، ابتاع بعضا من طعام ثم قصد الكوخ..
كان الباب مفتوحاً، والرجل انحنى فوق طبق من الماء ليغسل وجهه، إذ يبدو أنه استفاق من نومه للتو.. رفع الرجل رأسه لدى سماعه صوت الباب، صرخ عبد الرحمن..
أيعقل هذا؟ وليد.. كيف يمكن أن تكون هنا؟
والمفاجأة، عقدت لسان الرجل أيضاً، لكن ما حصل قد حصل، ولابد من المواجهة، نعم.. ولم الغرابة قال وليد..
صمت عبد الرحمن، وضع الطعام على الأرض، وجلس على حصيرة ملقاة على الزاوية وقال:
لم أتناول فطوري بعد.. هيا لنأكل معاً..
ضحك وليد ثم قال.. أحمل طعامك وأمضي.. لن أكرر ما كان..
ما الذي فعل بك هكذا، ثم منذ متى وأنت خارج تلك القلعة اللعينة؟
المسألة ليست هكذا.. قل منذ متى وأنا ورائك؟ أردت أن أراك ليس إلا..
أريد أن أحادثك حديثاً لن تحبه، لست متسولاً، ولكنها الطريقة الوحيدة، لا أريد أن يراني أحد معك..
ولكن!
دعني أكمل.. أنا أعمل كما ترى مع الصيادين هنا.. أكسب قوت يومي وكفى.. أنصحك بالرحيل عن المدينة، فالجماعة قد اتخذوا قراراً بقتلك..
ولكنني لم أفعل شيئاً..
لا أدري.. فعلت أم لم تفعل.. إنها مشكلتك الآن.. أيها الرجل.. أحمل طعامك وأمضي، هيا قبل أن يأتي بعض الصيادين..
لم يكن أمام عبد الرحمن إلا الرحيل.. اتجه نحو الباب، لكن صوت وليد جاءه بغتة..
قلت لك أحمل طعامك..
حمله عبد الرحمن، عاد إلى البيت، كانت المفاجأة ما زالت عالقة في ذهنه..
النهار كان منذ بدايته سيء الطالع.. فما أن وصل عبد الرحمن إلى البيت حتى شاهد جمعاً كبيراً يقف أمامه، أصدقاء والده، طبيب العائلة، شيخ المسجد، ثم رأى أخاه الكبير متهجم الوجه، مكروب الحال.. مر مسرعاً من قربه دون أن يحس به..
دخل إلى البيت بسرعة، أخبروه أن والده قد فارق الحياة.. هكذا فجأة.. لم يكن مريضاً قالوا إنها إرادة الله..
ظل عبد الرحمن شارد النظرات، مبلبل الأفكار، كان البيت قد امتلأ بالأصدقاء والمودعين، الطبيب الذي تابع وضع عبد الرحمن اقترب منه هامساً..
عليك أن تتمالك أعصابك، فصحتك لا تسمح بأية انفعالات..
كان الطبيب لا يعرف أن عبد الرحمن كان قد تجاوز حالته الأولى فعلاً، ومع ذلك فإن عبد الرحمن هز رأسه كمن يوافق على ما قاله الطبيب..
أيام، وانتهت طقوس العزاء، لم يبق أحد من تجار المدينة ومن الأصدقاء إلا وحضر هذه الطقوس، وعبد الرحمن انهمك في خدمة الضيوف والمعزين حتى أن ذلك أنساه ما كان من أمره مع وليد. لكن ما إن هدأت الأمور حتى تذكر ما قاله له وليد بشأن قتله..
ليتهم يفعلون ذلك.. قالها في نفسه.
أيام أخرى.. وعبد الرحمن يحاول أن يجد حلاً مناسباً لوضعه الجديد دون جدوى، لكن أسباب الرحيل تجمعت لديه هذه المرة بشكل جعله يزمع على الأمر بجديه.. حادث أخويه بالأمر.. قالوا له تريث، فالواجب يقضي أن نبقى معاً..
قال لهم إنه لن يعود.. ولذا فلابد أن يأتي معه أحدهم في رحلة جز الصوف الأخيرة له.. ليتعرف على مربي الأغنام ويكمل ما بدأه هو..
أخواه.. لم يفهما الأمر.. لقد ظنوا أن أخاهم يريد اقتسام تركة الوالد، أشارا إليه ذات ليلة أن كل ما تركه الوالد تحت تصرفه، فقد كان لهما تجارة خاصة يعملان بها بناء على رغبة الوالد أيضاً.. ولن يفكرا في أمر كهذا أيضاً.. لكنه افهمهما أن في الأمر سوء فهم.. إذ لا يريد أي شيء، فقط.. سيستقر في قرية أحبها على ذلك الشاطئ البعيد، هذا كل ما في الأمر..
قال الأخ الكبير، إذا كان في الأمر امرأة هناك، فنحن على استعداد لاستقبالها في هذا البيت، عليك أن تبقى.
لكنه نفى ذلك، وعدهم بأن غيابه لن يطول.. حتى إن مكانه سيكون معروف لديهم، ألن يذهب أحدهم معه إلى هناك؟
وافقوا رغم أنهم كانوا متمسكين به، كانوا من طينة طيبة.. وتم الأمر كما أراد عبد الرحمن.. فقد توجه وأخاه إلى القرية.. شرح له كل شيء يعرفه عن طبيعة العمل مع مربي المواشي هناك.. أخذه إليهم واحداً واحداً.. استقبلوه بترحاب، وعندما انقضى وقت عودة أخاه، ودعه تاركاً له بعض النقود وعاد إلى المدينة.
ذلك يحدث أحياناً!
"لأن الثوب لا يقاس إلا على الجسم الذي خيط من أجله"
أكتمل الرجال في مجلس الشيخ الكبير، لكنهم قبل أن يبدأوا الحديث، سمعوا طرقاً قوياً على الباب، اتجه الخادم إلى هناك.. الرجل الضرير هو الطارق الجديد.
كانوا يدعونه "أبو النور" كان فطناً للغاية، ذكي بالفطرة، وكأنه بذكائه يعوض عما فقده من البصر، يعرف كل أسرار القرية، وكل ما يبوح به جدرانها، اسمه هذا، التصق به حين أنقذ طفلاً من الغرق في بئر القرية، كان حينها يقف إلى جانب البئر، أما الطفل، فقد كان يلهو بالدلو المعلق، وقد صعد إلى حافة البئر، فقد كانت غير مرتفعة عن الأرض، وفجأة، سحبه الدلو إلى الأسفل، سمع الشيخ ارتطام الدلو بالماء، انتبه إلى صرير بكرة البئر الحديدية التي ترافقت مع صراخ الطفل وصوت ارتطام الدلو، أمسك بكلا الحبلين الصاعد والنازل، رفع كلا الحبلين قليلاً، فأحس بهما ثقيلان، صرخ بالطفل، تمسك بالدلو جيداً، وكأن الطفل فهم ذلك، لكن الحقيقة أن الطفل كان جالساً بداخل الدلو عندما سقط.. وبغريزته، يبدو أنه أمسك الحبل المتصل بالدلو..
سحب الشيخ الضرير الحبال مرة أخرى، فوجد أنها مازالت ثقيلة، تيقن أن الطفل معلق بها، أو ممسكة به على الأقل.. ظل يسحب الحبلين معاً حتى ارتطمت يداه بالطفل الجالس داخل الدلو، كان الطفل قد استبد به الرعب، ففقد قدرته على الكلام.. وسكت عن الصراخ.. لكن الشيخ الضرير أمسكه ووضعه على الأرض، ولما لم يسمع صوته تحسس وجهه، فوجده ينبض بالحياة، صفعه صفعة جعلته يصرخ بالبكاء.. أرتاح لذلك ارتياحاً بالغاً، حمله عائداً إلى منزل والدته..
كان الطفل، يعي جيداً ما فعله الشيخ، ويجيد الكلام، فلم يكن صغيراً، كان عمره ست سنوات..
الطفل نفسه حكى لوالده ما كان من أمر الشيخ الضرير، نهره الوالد، لكن الشيخ أشار عليه بعدم جدوى ذلك، فالطفل لم يكن يقصد إلا اللهو، ثم أن من في مثل سنه، لا يترك قريباً من ذلك البئر.. فحافته واطئه، كما أنه لابد سيخبر شيخ القرية بالأمر، حتى يرسل من يضيف مدماكاً آخر إلى حافة البئر..
كان الجزار ايمن، يزور العائلة عندما أحضر الشيخ الضرير الطفل، هلل فرحاً لما فعله الشيخ وخاطبه قائلاً:
سلمت يداك يا أبا النور..
كانت هذه بداية التصاق الاسم به..
الرجل الضرير.. ولد هكذا.. لم يغادر قريته قط، فارقه أبواه منذ زمن بعيد، ليس له أقارب سوى شقيقته المتزوجة في القرية المجاورة، والتي تزوره في بعض الأحيان، حاملة معها ملابس وحاجيات أخرى له لمساعدته في مواجهة الحياة..
تعوّد عليه أهل القرية، يجلس في أي مكان يريد، ويشارك في أي حديث أنى شاء..
وفي المقبرة، يرتل القرآن على أرواح الموتى، أيامه السعيدة تكون في الأعياد والمواسم، حين يتذكر الناس موتاهم.. فيذهبون لزيارتهم حيث يتنقل الضرير من قبر لآخر مرتلاً بعض آيات الذكر الحكيم..
تعلم الترتيل في المسجد، وحفظ القرآن عن ظهر غيب، كان حين يجلس في جمع بالقرية، يبدأ بالحديث عن الثواب والعقاب، وعن يوم القيامة، يقول:
إنها قريبة، ومن علاماتها تغير الفصول، ففي العام الماضي، انتهى فصل الصيف، والمطر مازال كأنه في أول فصل الشتاء، ثم أن هنالك علامات أخرى منها عودة الناس إلى عبادة الأصنام..
الأصنام في رأيه، ليست تماثيل منحوتة من الحجارة أو الخشب فحسب، إذ أن لها هيئات وصفات كثيرة، فهذا يقدس حصانه، وذاك يقدس الوالي، وتلك تعبد زينتها، وهناك "وهم كثر" من يعبد المال، ولا يرعى في ذلك ذمة أو خاطر..
يقول الضرير:
إن أشياء كثيرة ستحدث للبشر، يتمنى أن يقبض الله روحه حتى لا يعاصرها، لكنه واثق من أنها قريبة، فمثلاً، غرق الفتيات اللواتي حاولن الاستحمام في الجدول قبل عدة شهور، مع أنه جدول لا يتجاوز عمقه النصف متر ليس إلا، لكن مياهه سحبتهم إلى الصخور الكبيرة، حيث لحقتهم أللعنة هناك.. كل ذلك لأنهم لم يراعوا للأخلاق مكاناً، حين كانت عورتهم قد بانت..
يقول.. إن الفئران التي لم تعرفها القرية أبداً، ستظهر في يوم قريب، فئران بحجم القطط..
يذكّر الناس بما حدث.. إنها علامات ولاشك.. فالغابة التي تقع خلف الجبل احترقت دون سبب ظاهر.. الجبل الغربي، تحرك ليترك صدعاً في الأرض مازال ماثلاً للعيان، بل إن العلامات الأخطر من ذلك جميعاً، هو أن يسطو أحدهم على حصائر المسجد.
ثم يحدث عن خنوع الناس، وقبولهم بأن يقادوا كالقطعان، والا فلماذا يهجرون الأرض، ويرحلون إلى المدن ليعملوا تحت رحمة الأسياد هناك؟
أما آخر ما قاله في هذا الأمر، هو أن الله أرسل الأعاجم للعقاب، لقد أفسد الناس كل شيء، ومع ذلك.. فها هو قد جاء إلى بيت الشيخ الكبير ليشارك في مقارعة الأعاجم هؤلاء..
كان الجمع الذي أصبح عدده سبعة رجال مجتمعاً في بيت الشيخ الكبير، أما الشافي، "أو ذاك الرجل الذي ذهب ليستطلع مكمن الشمس" فلم يكن يعلم ما يدور هناك، لكنه هو الآخر، كان يخطط لشيء مشابه، ولكن بطريقة مختلفة، فما إن يحل الليل، حتى كان الشافي يتسلل إلى الوادي يراقب كل حركات العسكر، عرف بفطرته وبذكائه الذي اكتسبه من تجربته الطويلة، إن المرقط يخطط لشيء ما.. لقد كان يراه وهو يتحول في الليل من خيمة إلى خيمة، يحصي عدد من فيها، يتفقد السلاح، يسهر مع الحراس، يسكب لهم الشراب بكثرة، حتى أنهم تعودوا على كثرة الشراب حتى في نوبات الحراسة، كانوا يغيبون عن الوعي أحياناً.. انتبه إلى المرقط ذات مرة حين رآه يلقي ما في كوبه من شراب خلف ظهره، موهماً من يجلس معه أنه يشاركهن الشراب، رآه يترنح في مشيته أمام الضابط ذات مرة، لكنه حين ابتعد عن مجلسه، عاد ليمشي مسرعاً.. واتجه إلى خيمة يقيم فيها الخدم.. كان يطيل الجلوس مع الخدم.. كان كلما دخل إلى هذه الخيمة، خرج أحدهم مستطلعاً إذا كان قد رآه أو تبعه أحد..
بالطبع، لم يعرف الشافي بالضبط ماذا يخطط المرقط، عرف كل ذلك بالحس فقط، كذلك فلم يكن يعرف ما يدور في بيت الشيخ هناك.. كان يغيب في الفترة الأخيرة كثيراً عن القرية، أما السبب فكان أيضاً من الأسباب التي خفيت على القرية رغم أن أسرارها مشاعاً للألسن.
منذ مدة بعيدة، وبعد وصول العسكر إلى الوادي بأسابيع، رأى الشافي أن رجالاً قد اتخذوا من الكهوف المتناثرة في الجبل ملجأً لهم.. بعضهم كان يبدو عليه سيماء أهل المدن، وآخرون يحملون صفة البداوة، حسبهم في بداية الأمر، أنهم قطاع طرق أو لصوص، ومع ذلك فقد قرر الاحتكاك بهم، حين تبين له أن بعضهم يرتدي زياً يكون موحداً، ثم إن أسلحتهم من النوع التي تستخدم في الجيوش، ليست أسلحة كطبيعة أسلحة قطاع الطرق المختلفة والمتنوعة..
ذات نهار.. سنحت له الفرصة، رأى شاة قد ضلت طريقها واتجهت إلى كهف يعرف أن بعض الرجال يقيمون فيه، اتجه الشافي إلى الكهف، كانت الشاة قد وصلت إلى فتحته، كانت الفتحة صغيرة قياساً إلى حجم الكهف الواسع من الداخل، وصل حيث كانت الشاة تهم بالعودة، إذ يبدو أن دخان النار الخارج من فتحة الكهف لم يرق لها.. أمسك بها مصدراً صوتاً عالياً وهو ينهرها، أحس بأن يداً قوية أمسكته من الخلف، بينما أحس أن شيئاً صلباً يصطدم بظهره كانت فوهة بندقية ولاشك..
لا تتحرك.. ولا تلتفت إلى الخلف.. هيا إلى الداخل.. قالها صاحب اليد القوية..
والشافي لم يقاوم.. أحنى قامته ودخل الكهف.. ذلك أن فتحته كانت واطئة نسبياً لقامة الشافي..
لقد كان ينتظر مثل هذه الفرصة، رغم أنه يعرف بأن ذلك سيعرضه للخطر ربما.. ولج إلى الداخل.. كانت هنالك مواقد قد اشتعلت للتو، وهذا سر الدخان الذي ملأ المدخل، المواقد اصطفت في زاوية قرب الفتحة بينما كان هنالك سراجاً مضيئاً في الداخل، جلس تحته رجل ملتح يحمل دفتراً كبيراً وقلم، وإلى جانبه بعض الكتب والصحف، أما في الجهة المقابلة للرجل، فقد جلس جمع من الرجال، مسلحون بالبنادق التي يبدو عليها أنها نظفت للتو، كانت الذخائر معلقة على صدورهم..
فوجئ الرجل الملتحي بدخول الشافي، كان الشافي مازال ممسكاً بالشاة، والرجل الذي أمسك به، كان يشهر بندقيته من الخلف.
نظر الملتحي إليه:
اسمي الشافي.. وأنا من القرية المجاورة، هكذا دون أن يسأله الرجل شيئاً.. قدم الشافي نفسه..
تبسم الرجل الملتحي داعياً الشافي إلى الجلوس، ترك الشافي الشاة التي عادت إلى الفتحة بسرعة، ويبدو أنها قد هبطت نحو قطيعها، إذ كانت وقع حوافرها تسمع من بعيد، كانت كأنها هاربة من وحش يركض خلفها.. أما الشافي فلم يحاول حتى النظر إليها حين غادرت الكهف..
انتبه الرجل إلى ذلك.. فقال مخاطباً الشافي:
لا تقل لي أنك من الرعاة..
لا.. لست منهم..
من تكون إذن؟
إنني أعمل في القرية، أعلم الأولاد القراءة في المسجد، وأساعد أحياناً في جمع المحاصيل، وتصليح المحاريث، وغير ذلك من الأعمال التي تحتاجني..
ماذا جئت تفعل هنا؟
الشافي لم يكن يعرف المراوغة، أجاب الرجل بكل صراحة عن مقصده، قال لهم أنه استغرب وجودهم هنا.. إذ لم يسبق أن كانت هذه الكهوف مأهولة.. حتى أن رعاة الأغنام لا يستخدمونها.. إن أهل القرية يروون عنها حكايات يرثها الأطفال عن آباءهم.. هذه الحكايات غالباً ما تكون عن أحداث تجري في هذه الكهوف، أما أبطالها فهم ليسوا من البشر.. يبتعد عنها الصغار، أما الكبار فقد صدقوا ذلك منذ عهد بعيد..
قال الرجل الملتحي..
كان يجدر بك ألا تأتي.. إنك تخاطر بحياتك، فقد وضعت نفسك بين خيارين لا ثالث لهما... ولكن قبل ذلك.. أريد أن أسألك..
منذ متى وأنت تهبط الوادي ليلاً؟
بهت الشافي للسؤال، لقد فاجأه الرجل تماماً، لكنه لم يحاول إخفاء الحقيقة فقال:
إنني أراقب أولئك العسكر..
هل تريد أن تعمل معهم كما فعل المرقط؟
لا أعتقد أنه يعمل معهم.. قالها وقد تفاجئ مرة أخرى.. إنهم يعرفون الكثير.. ترى من يكونون؟
إذن فأنتما متفقان على شيء ما!
لا.. لست متفقاً مع أحد، إنني أراقبهم، وهذا يكفيني في الوقت الحاضر على الأقل..
ألا تقل لي لم ذلك.. المرقط في الداخل.. وأنت في الخارج.. وتعملان لنفس الهدف.. أليس كذلك؟
قلت لك لا أدري ماذا يفعل المرقط هناك، ربما ما يدور بخاطره، مشابه لما يدور بخاطري، ربما على العكس.. أنا فقط أتحين الفرصة..
فرصة ماذا؟ قاطعه الرجل الملتحي..
لا.. لاشيء.. قلت أن أمامي خيارين فقط، هلا قلت لي ما هما؟..
في الواقع.. لقد اخترت أحدهما بالفعل.. ولكن القضاء على هؤلاء العساكر، لن يتم من خلالك وحدك.. ثم نحن نعرف واقع القرية جيداً، إنها غير مؤهلة للقتال.. دعني أريحك وأجيب على تساؤلاتك مرة واحدة..
نحن هنا من أجل هذا الغرض، وجميل جداً أن نتقابل، كنا تواقون لمقابلتك.. ولكننا في الحقيقة نقلّب الأمر من كل الوجوه، تريثنا رغم أننا كنا سنبدأ بقتالهم منذ مدة، أما سبب التريث فهو ما شاهدناه منك ومن المرقط.. علينا أن نعمل معاً.. فالأمر ليس سهلاً..
لكن قبل ذلك.. أريد أن أعرف من أنتم؟ وكيف تصادف أنكم هنا؟ ومن أين لكم كل هذا السلاح؟
حسناً.. سنحدثك بالأمر قالها الرجل الملتحي وتابع.. لنشرب الشاي الآن.. اطمئن..
لو لم تجيء إلينا لأتينا إليك.. إننا نعرفك منذ أول يوم أتينا فيه إلى هنا.. كذلك نعرف آخرين..
تقدم رجل من الذين يعملون قرب الموقد، وقدم أكواباً من الشاي الساخن للجميع قال الرجل الملتحي..
أسمع يا صاحبي..
نحن الذين يعتبروننا خارج القانون.. إننا جماعة ملاحقون من قبل السلطة.. وجنود الوالي لا يحبوننا.. ولولا التغيير الأخير الذي حدث باستبدال الوالي لما رأيتنا هنا.. إن معظمنا كان داخل السجن.
شرح الرجل الملتحي للشافي كيف قبض عليهم في تلك الليلة المشؤومة، كان المتحدث هو وليد.. صديق عبد الرحمن القديم.. أما الباقون، فقد كانوا هم نفس المجموعة التي تم القبض عليها في تلك الليلة، في ذلك البيت المهجور، حين كان عبد الرحمن يقابلهم للمرة الأولى..
تابع الرجل.. إن الوالي الجديد، وبمجرد استلامه للمنصب، قام بإصدار عفو عام، محملاً الوالي القديم، مسؤولية الأوضاع المتردية في تلك الناحية، وعد الناس بالتغيير بعد أن تفاقمت الأمور، لكنه ما إن استتب له الأمر، حتى عادت شرطته لملاحقتنا، كان لابد أن نغادر المدينة حتى لا نعاد إلى السجن، فجميعاً كما ترى عانى كثيراً من ذلك السجن الذي لا يخرج منه الأحياء، وإن خرجوا فإنهم يكونون أمواتاً بشكل أو بآخر.
المهم، إننا لم نكن نريد حمل السلاح، كنا ننوي أن نقود كفاحاً سلمياً يحقق ما نصبوا إليه، لكن الوالي الجديد، وبعد أن نشطت حركتنا، استعان بالعسكر الأعاجم، استقدمهم لتثبيت سلطته في البلاد، فعاثوا في الأرض فساداً، قبضوا على رقاب العباد بالسيف، انتشروا في كل مكان، وها أنت ترى، إذ رغم أن قريتكم لا تسبب للوالي أي إزعاج، فإنه قد أرسل العساكر لتكون بالقرب منها..
قررنا مقاتلة الأعاجم.. وتوزعنا في كل مكان، نجحنا حيناً.. وفشلنا أحياناً أخرى، بعضنا ظل بالمدينة، وهؤلاء البعض كانوا يعملون في السر أصلاً، لذلك فلا خوف عليهم، ولكنهم عيوننا وآذاننا هناك، وعلى فكرة.. إن لنا صديقاً قديماً هنا في القرية..
استغرب الشافي وتساءل..
أيهم يا ترى؟
إنه الراعي عبدالرحمن، تصور، إنه صديق شخصي لي.. لقد سبق وأن أصدرنا حكماً بإعدامه، وأظن ذلك كان سبباً في هجرته نحو قريتكم.. كنا ظلمناه..
كيف؟
كان معنا ليلة القبض علينا، أفرج عنه مقابل مبلغ دفعه والده لذلك الضابط، لم يكن عبد الرحمن يعرف ذلك.. حتى لو عرفه، فإنه لم يكن متورطاً.. كان في زيارة ليس إلا.. اتهمناه بأنه هو الواشي.. تصور كم كنت فظاً معه حين قابلني ذات صباح في كوخ على شاطئ البحر.. نقلت إليه خبر الحكم عليه.. تصور..
الضابط الذي قام بالقبض علينا، طرد من الخدمة بعد أن حاول التمرد على الوالي الجديد، أراد أن يحتفظ بسلطات كان الوالي قد وهبها لضابط أعجمي.. قابلته في المدينة، باح لي بسر عبد الرحمن.. آه كم أنا مشتاق له.. أريد أن اعتذر منه..
على كل حال... وكما قلت لك.. ليس الأمر بهذه السهولة.. دعنا نفكر معاً.. لكن الشافي أراد أن يعرف المزيد فقال متسائلاً..
عبد الرحمن.. لطالما قلت في نفسي أن هذا الرجل يحمل في جوانحه سراً كبيراً.. إذ كيف يمكن أن يتحول من تاجر ثري.. كان يأتي في مواسم جز الصوف، يبتاعه بأثمان قليلة، والله أعلم بكم يبعه، إلى رجل عادي، لا بل إلى راعٍ للغنم.. إنه لم يولد هكذا، ملامحه تدل عليه.
لقد أثار في نفسي الكثير من الفضول الممزوج أحياناً بالخوف، لكن تصرفاته وأخلاقه الحسنة كانت تشعرني بالراحة..
قال الرجل الملتحي.. والمرقط.. هلا أخبرتني عنه؟
قال الشافي: إن للمرقط قصة طويلة.. فلا أحد في القرية، يعرف قصته الحقيقية، كل ما يعرفون عنه أنه وجد تحت تلك الشجرة في وضع غريب..
لكن الأمر ليس هكذا.. إذ أنني أعرف حقيقة مولده، كان ذلك بالصدفة، كنت لا أزال حينئذ بالمرحلة الثانوية، أعود إلى القرية في الإجازات المدرسية، ولما كانت صداقاتي مركزه في المدينة. فقد كنت أشعر بالفراغ كلما أتيت إلى القرية، كنت أهوى تاريخ الأمم.. كانت المادة المحببة لي أثناء الدراسة.. وقد جاء في إحدى الكتب، أن قوماً أقاموا هنا في هذه الكهوف منذ القدم، وأنهم استقروا زمناً طويلاً، لكن عوامل طبيعية لم تعرف حتى الآن، أجبرتهم على الرحيل، تملكني الفضول، وراقني الأمر.. ولما كنت أملك الوقت للبحث، أصبح التجوال في هذه الكهوف كلما أتيت إلى القرية يثير في أحاسيس ممتعة، خاصة وأن أهل القرية كانوا قد نسجوا حكايات غريبة عن سكان ليسوا من البشر، يقيمون في هذه الكهوف..
كنت في القرية حين سمعت قصة ذلك الحيوان الذي هاجمها، لم أقتنع بما قال القوم.. أصبح الخروج ليلاً من البيت، والاقتراب من شجرة الرعاة، الشغل الشاغل لي.. ذات ليلة رأيت رجلاً يتسلل خارجاً من القرية باتجاه الجبل، كان يحمل بين يديه عباءته التي انتفخت بفعل شيء ما وضع بداخلها، تبعت الرجل، كان قد لف قدميه بقطعتي جلد سميك، حتى يترك آثاراً تختلف عن آثاره الحقيقية، تأكدت أنه هو المطلوب، الرجل لم يشعر بي، كان مطمئناً جداً، كذلك فإن الريح القوية ساعدت في إخفاء صوت خطواتي التي كانت تدب على صخور الجبل وأنا اتبعه.
المهم.. إنه دخل الكهف نفسه، هذا الذي نجلس به الآن.. إنني أتذكر التفاصيل هنا كأنها موجودة أمامي..
كانت هنالك نار مشتعلة، وقد تمدد بقربها جسد على فراش صنع من القش والأغصان، تبينت حين حدقت بهذا الجسد أنه لامرأة، رأيت وجهها على وهج النار، كانت في ربيعها العشرين، وجهها اكتسى بصفرة خفيفة من ألم كانت تعانيه..
الرجل عندما وصل إلى جانب المرأة فتح عباءته وأخرج بعض الفواكه منها ووضعها في سلة من القش كانت هناك، كذلك دجاجة وقربة ماء ممتلئة.
إذن فهذا هو الوحش الذي أرعب القرية..
تفرست في الرجل جيداً فتذكرته، إنه أحد أدلاء القوافل، وهو معروف جيداً لدى جميع سكان القرية، بدا لي الأمر محيراً.. إذ أنه يستطيع طلب أي شيء من القرية هناك، دون أن يردوا له طلباً.. تذكرت اسمه كان اسمه مصعب..
عزمت أن أعرف السر الذي جعله يتصرف هكذا، ناديته بصوت عالٍ..
يا مصعب.. أنا رجل من القرية.. لم أحضر هنا للأذى..
كانت المفاجأة سريعة، ضرب الرجل كفه على رأس جبينه، كمن كان يتوقع ذلك ثم قال:
كنت أعرف أن هذا سيحدث.. أدخل.. أعرف أنكم طيبون..
رآني اتطلع إلى قدميه، كانت قطعتا الجلد لم تنزعا بعد عنهما، نظر إلى حيث أنظر ثم قال:
بالله عليك.. لا تظن بي السوء.. ثم أخفى رأسه بين يديه وجلس على الأرض بعيداً عن المرأة.
جلست بقربه، كان خجلاً كمن ارتكب فعل الإثم، لكنه تطلع إليّ طويلاً منتظراً أن أبادر بسؤاله عما يحدث هنا.. لكنني كنت قد قررت أن أترك له حرية البدء في الحديث..
لحظات.. استجمع مصعب شجاعته وقال:
أترى هذه المرأة.. إنه سبب كل ما فعلت، أنظر، قد تلد في أية لحظة، وقد أقسمت لها أن لا يعرف أحد بوجودها هنا.
رأيتها تتبع القافلة من بعيد، كانت تحمل صرة بيدها، بينما كانت تسير متثاقلة رغم بطء القافلة، كنت على حصان أتحرك أمام القافلة.. لمحتها وقد هوت فجأة على الأرض، حسبت أن ذلك كان بفعل حرارة الجو.. اتجهت نحوها، رفعتها على ظهر الحصان وسرت أمام الحصان عائداً إلى مكاني أمام القافلة.. ظلت متماسكة حتى حطت القافلة رحالها لقضاء الليل، تهاوت على الأرض كمن لا حراك بها، أدخلتها إلى خيمة استخدمها للنوم.. لاحظت آثار الحمل عليها، كان بطنها منتفخاً بفعل ذلك، أما أنفاسها فقد كانت تتقطع ثم تخرج بصعوبة ظاهرة..
توجهت إلى آمر القافلة، قال:
علمت بأمرها، فقد حضرت إلي عندما كنت في ساحة المدينة اهم بالانطلاق، قالت أنها تود مرافقة القافلة، لم تحدد مكاناً معيناً للذهاب إليه، رفضت الطلب، لكنها قالت إنها ملاحقة من قبل عشيرتها، إنهم سيقتلونها ولاشك إذا ما وجدوها..
ازددت رفضاً، لكنها كما رأيت ظلت تتبع القافلة، لست مسؤولاً عنها ولا عن ما بها..
أشفقت عليها وعدت إلى الخيمة، كان وضعها قد تحسن، قدمت لها بعض الطعام، فتناولته كأنها لم تأكل منذ أيام..
قالت إنها تستجير بي، وأن لديها نقوداً يمكن أن تعطيني إياها، على أن لا أخبر أحداً بأمرها.. كنا نتحادث بأمر إخفاءها عندما ظهر غبار من بعيد، ثم وصل فارس ترجل واتجه إلى آمر القافلة، كان يعرفه، همس في أذنه ببضعة كلمات فإذا بالأمر يشير بيده إلى خيمتي، والفارس يتجه نحوي.. خرجت من الخيمة، ووقفت متحفزاً لهجوم توقعته، لكن الفارس وحين رآني أقف متحفزاً للدفاع عن المرأة، قال لي إنه لا يريد شراً، وإنما جاء ليخبر المرأة بأن قومها قد عرفوا أنها تبعت القافلة، وأنهم قد يصلون في أية لحظة.. كان الرجل يعرف المرأة.. ثم امتطى فرسه وعاد من حيث أتى..
كان آمر القافلة من النوع الذي لا يحب المغامرة، رغم معرفته وتجربته الطويلة في عمله المغامر هذا.. قال لي علي أن أرحل.. وأن آخذ المراة معي، فهو لا يريد أن يتورط ومن معه في قضية لا يعرف ماهيتها أصلاً..
أعطاني حصاناً آخر.. لم يكن أمامي من خيار سوى ذلك، رفعت المرأة على الحصان ثم انطلقت على حصاني حتى وصلت إلى هنا، لم اتجه إلى هنا مباشرة، درت دورتين بعيداً عن المكان ثم عدت وقد ساعدتني الريح في تلك الليلة التي وصلت بها، ساعدتني كثيراً.. فقد كانت تخفي آثار الحصانين، كأنما السماء تشفق أيضاً على هذه المرأة..
أما الفتاة، فهي تحمل سر ما في بطنها ولا تتكلم.. ربما لأنها تعبة، ربما لأنني غريب عنها.. إنها خائفة، أنظر..
توقف مصعب عن الكلام، حين تألمت المراة، وطلبت بعضاً من الماء، قام مصعب إليها وناولها كوباً من الماء.. تفاجأت المرأة بوجودي عندما رفعت رأسها لتناول ما أحضره مصعب، لكنه طمأنها قائلاً، لم أبح لأحد بوجودك، إنه هنا بالصدفة، لكنه صديق على أية حال.. لا تخافي..
لم يبد على المرأة أنها اطمأنت إلى وجودي، لملمت نفسها على نفسها وتلفحت بالعباءة، كانت خائفة فعلاً..
قلت لها.. ليس في الأمر ما يخيف.. فقط عليك أن ترتاحي.. لن أخبر أحداً بالأمر، إنما على العكس من ذلك، سأعمل على مساعدتك حتى ينجلي الأمر..
قضيت جزءاً من الليل في الكهف، ثم عدت إلى القرية، وفي الصباح حملت بعض الطعام والماء إليهما كما وعدت، ثم تكرر الأمر على مدار أسبوع كامل، كانت المرأة قد شعرت بأعراض الولادة.. عرضت عليها أن أحضر من يساعدها من عجائز القرية فرفضت، قلت لها سأحضر أمي.. إنها ولاشك ستتفهم الأمر.. لكنها رفضت ذلك، ثم طلبت منا الوقوف خارج الكهف..
انصعنا إلى ما طلبت، لحظات كانت كأنها دهر كامل.. سمعنا صرخاتها المتكررة، ثم سمعنا صراخ الطفل، عدنا إلى داخل الكهف، كانت قد وضعت ذلك الغلام الذي يدعى المرقط..
كأنها وضعت قبل ذلك.. أو أن لها خبرة بالأمر، فقد قامت بكل ما تقوم به القابلة، عجيب كان أمر هذه الفتاة..
لم يكن هنالك حاجة لتدخل أي منا.. فقط.. صنع لها مصعب حساء وأسقاها إياه، ثم تناولت طعاماً أحضرته معي.. وانقضى الأمر كأن شيئاً لم يكن..
بعد أسبوعين عدت إلى الكهف كعادتي، كنت قد علمت بأمر ما أعده رجال القرية، مكان الكمين تحت الشجرة، طريقة وضع الفخاخ والحبال وكل شيء.. أخبرت مصعب بالأمر.. كانت الفتاة تسمع ما أقول..
نظرت إلى مصعب وقالت.. إنها فرصة طيبة، لم أفهم ماذا قصدت بذلك، وعندما رأت حيرتي قالت أن عليها أن تترك الطفل هناك تحت الشجرة، إذ لا يعقل أن يتركه القوم عندما يروه.. إنهم سيفاجئون به، وعندها نكون قد رحلنا..
استغربت الأمر.. هكذا وبكل بساطة، وبعد هذا العناء الطويل، والهروب المتواصل تترك طفلها وتهرب، قالت أنه تعتقد أنه لابد من ذلك، قالت المرأة:
إن ذلك أفضل بكثير للطفل.. إنه سيعيش أليس كذلك.. كانت كمن يتوسل إليّ أن أرعاه.. أو في نفس المعنى..
استسلمت للأمر وقلت.. كل ذلك مرهون بمشيئة الله، واعداً إياها بأنني سأكون هناك مع الرجال..
هممت بالذهاب والعودة إلى القرية، لكن المرأة، ناولتني صرة صغيرة، قالت هي أمانة للطفل عندما يكبر، إن بها بعض الحلي الذهبية، وثوب زفاف لم يستعمل بعد.. إنه لي.
ودعت المرأة ومصعب.. وعدت إلى القرية.. ثم كان ما كان من أمر المرقط تحت تلك الشجرة..
وهل عرف المرقط بالأمر؟ قال وليد:
أجل.. إذ عندما توفي والده الذي رعاه، أردته أن ينتفع بما تركته أمه.. أخبرته بتفاصيل الحكاية التي أعرف، ثم ناولته الأمانة، لكنه قال.. ستكون هذه الأمانة هدية زواجي للفتاة التي ستكون من نصيبي، ثم أخبرني بعد أيام أنه وضعها في صندوق خشبي ودفنها تحت كومة الحطب أمام بيت والده..
قال وليد.. والفتاة؟
تأكدت أنها رحلت ومصعب في نفس الليلة.. فقد عدت في اليوم التالي إلى الكهف، فلم أجدهما، حتى أن مصعب وهو الخبير بما يفعل، محى آثار ما كان في الكهف.. والآن.. أتعلم من يكون مصعب؟
من هو؟
إنه الرجل الكهل الذي ينادونه بلقب "الشايب"..
الله.. قال وليد: ما أصغره من عالم.. وكيف ذلك؟
قال الشافي:
بعد عامين من الحادثة.. تحدث أهل القرية عن وصول رجل أشيب الرأس إلى القرية..
قالوا إنه أقام في الغرفة الملحقة بالمسجد، ذهبت إلى هناك بدافع الفضول ليس إلا.. وكم كانت دهشتي حين رأيته أمامي.. إنه مصعب..
ولكن ما الذي فعل بك ذلك ، عرفني هو الآخر.. ارتاح كثيراً لرؤيتي.. أشار إليّ بالجلوس، كان مشتاقاً للحديث.. فقد جاء منهكاً من أثر سيره الطويل، كان قد ترك القافلة التي أتى بها وجاء إلى القرية سيراً على الأقدام....
قال الرجل..
رحلت والفتاة.. كانت قد استعادت عافيتها تماماً.. أشرق وجهها من جديد، قالت إنها فارة من العشيرة بسبب ما حدث مع قريب لها.. وعدها بالزواج، ثم أخطأ في ليلة أثم.. وكان أن سافر مع قافلة للتجارة ولم يعد، لكن الحمل الذي بدأ بالظهور، فضح الأمر.. ففرت، لم يكن أحد يعلم بأمرها إلا خادمة تعمل عندهم في البيت، ويبدو أن الخادمة باحت بما تعرف..
سألتها والحديث لمصعب، ماذا تنوين فعله؟
قالت أن لديها بعضاً من النقود، وهي تعرف المدينة التي قصدها فتاها.. لعلها تعثر عليه..
كنت قد فكرت عكس ذلك، فالفتاة جميلة جداً.. راودتني فكرة الزواج بها، لكن ما قالته أغلق الطريق أمامي، لكنني مع ذلك قررت إكمال المسيرة آملا ألا تعثر على ذلك الشاب..
وصلنا إلى المدينة، واتخذنا من غرفة لامرأة عجوز مسكناً لنا.. تفاهم ثلاثتنا بسرعة، بدأت بالبحث عن عمل، فوجدت عملاً في ملعب لسباق الخيل.. أنت تعرف أنني أتقن التعامل مع الخيل.. كنت أخرج صباحاً لأعود في المساء وقد أنهكني التعب، أما الفتاة فقد كانت تطلب مني وبإلحاح أحياناً.. أن اتركها.. كانت واثقة من أن أهلها سيجدونها.. لكنني رفضت ذلك.. كنت أعيش ذلك الأمل رغم خبرتي بالسراب نفسه..
بعد عدة شهور.. بدأت بالابتعاد عني، لقد بدأت تخرج كثيراً، ثم تطور الأمر بأن أصبحت تقضي بعض الليالي خارج البيت متعللة بأنها تعرفت على صديقة تعلمها الخياطة، صارحتها بأن هذا الأمر يسبب لي إحراجاً أمام العجوز على الأقل، فالعجوز تعرف أنها شقيقتي، لكنها كمن كان ينتظر ذلك.. لملمت حوائجها وانطلقت في نفس اليوم الذي حاولت أن أحادثها بضرورة الكف عن البحث..
لم أنم تلك الليلة، وفي اليوم التالي وبعد انتهائي من العمل، توجهت كالعادة إلى باب الملعب الرئيسي للخروج.. كان الملعب فارغاً في ذلك اليوم، والعاملين قلة.. وما إن وصلت إلى هناك، حتى هاجمني بعض الرجال، أوثقوني بالحبال ثم وضعوا قماشاً على فمي، ورفعوني إلى حيث كانت سيارة بالانتظار، ثم القوني في صندوقها الخلفي وانطلقوا..
كانت السيارة تسير على أرض ترابية، عرفت ذلك لكثرة ما ارتطم رأسي بكل زوايا الصندوق الخلفي، والمسافة كانت طويلة، توقفت السيارة فجأة، ثم فتح أحد الرجال صندوقها الخلفي وأخرجني منها، تناوب الرجال علي بالركل والضرب، لكنني سمعت صوت امرأة تأمرهم بالتوقف عن ذلك، نظرت إلى حيث الصوت، كانت الفتاة نفسها تقف قرب الباب، كانت متوهجة كفتاة تزف إلى عريس، بكامل زينتها نظرت إليّ وهي تبتسم وقالت:
أسمع عليك بالرحيل عن المدينة، بل عن كل هذه المنطقة فوراً، لقد عثرت على فتاي وأشارت إلى شاب كان أكثرهم ضرباً لي، ثم ألقت إليّ ببضعة نقود، وانطلقت مع الرجال..
وقعت على الأرض، فقد هدني التعب لكثرة الضرب والركل، ثم إنني كنت موثقاً بالحبال، وفمي مربوط بقطعة قماش.. ومع ذلك فقدت أسناني، كان الدم يسيل من فمي، والقماش الأزرق استمال إلى لون أحمر لكثرة ما نزفت من دماء..
اتجهت إلى حافة الطريق زحفاً.. أسعفني القدر بشاحنة صغيرة أضاءت أنوارها علي..ثم توقفت بقربي، استغرب سائقها الأمر، فك وثاقي، ثم غسل وجهي وفمي، وساعدني في الصعود إلى جانبه ثم انطلق حيث كان متجهاً إلى مزرعة لتربية الدجاج، يملكها مع شريك له تعرفت عليه هناك..
كان الرجلان كريمان معي، كانا ينامان في المزرعة بالتناوب، لكنهما ومع وجودي لم يتركاني لأكثر من شهر.. تصور أنني قضيت شهراً كاملاً هناك وأنا لا أستطيع الحركة، المهم أنني عندما شفيت بقيت في المزرعة حيث ساعدتهما على إدارة شؤونها، إلى أن شعرت بأن علي الرحيل..
أوصلني الرجل في شاحنته الصغيرة ليلاً إلى ساحة المدينة، حيث عدت أعمل دليلاً للقوافل، لكن عيناي ضعفتا، وجسمي لم يعد كما كان في السابق، قررت الاستقرار، وتوجهت إلى هنا.. كما تراني..
إنني مشتاق إليك.. قالها الرجل وضمني بقوة، وبكى كطفل صغير..
لقراءة الرواية بكامل أجزائها انقر أدناه