الأربعاء ١٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم جمانة حداد

حتى أنت يا نجيب؟!

كان من الممكن أن يعضّ أحدنا على الجرح، ويغضّ النظر ربما، لو ان كاتباً "عادياً"، ذا قامة "عادية"، أو "صغيرة"، ومتواضعة، هو صاحب الاقتراح الذي دعا فيه الأزهر الى "الموافقة" على إعادة نشر رواية "أولاد حارتنا". لكن أن يأتي مثل هذا الاقتراح الرجعي، المخزي والمهين، من كاتب "غير عادي"، في قامة نجيب محفوظ، وحجمه، فهذا ما لا يمكن السكوت عليه وإغفاله، وجعله يعبر عبور الكرام.

ولو يا أستاذ نجيب! شو بقي من العمر أكتر مما مضى – أطال الله بعمرك - كي تأخذك الخشية الى هذا الحد، فتطلب إذناً مسبقاً بنشر كتاب لك، هو هذا الكتاب بالذات، الذي صدرت طبعته الأولى قبل 47 عاماً في بيروت، ونال ما ناله من اهتمام واحترام وتقدير في دنيا العرب كلها؟!
هذا الموقف الذي نتخذه، وتشاركنا فيه مجموعة ساحقة من كتّاب مصر، والعالم العربي، ليس انتقاصاً من الأزهر، ومن الموقع الديني الكبير الذي يحتله - فنحن نجلّه ونحترمه كل الإجلال والاحترام - وإنما هو اعتراض على الانتقاص من الأدب، الذي يعود اليه، وحده، حقّ تقرير المصير لهذا الكتاب ولغيره من الكتب.

الكاتب الكبير، وحتى الصغير، يا أستاذ نجيب، لا يطلب الإذن من أحد لنشر كتابه. أنتَ علّمتنا ذلك، وعلّمتنا أن القيمة الأدبية والإنسانية للكتاب، هي الغربال الوحيد الذي نغربل به الصفحات. وأنت علّمتنا أن الكاتب هو الذي يكتب، وهو الذي يحذف، وهو الذي يضيف، وهو الذي يقرر ما يطيب له أن يقرر، وما يصلح للنشر وما لا يصلح، زيادةً او نقصاناً. أما المرجعيات الدينية ورجال الدين فلا. لأن دورها يقتصر على شؤون الدين والعبادة، وهذا لا يشمل النظر في الأعمال الأدبية، تقويماً وتدخلاً نقدياً ورقابياً. وما نقوله عن المقامات الدينية، مؤسسات وأشخاصاً، ينطبق أيضاً على هيئات الرقابة كلها، وعلى الأمن العام ومؤسسات الدولة بلا استثناء.

مئة عام كانت كافية تماماً، لنتعلم ماذا فعلت الرقابة بعالمنا العربي، وبحرياته، وبآدابه، وبفلسفاته، وبأفكاره، وبثقافاته، وبصحافته، وبفنونه المختلفة. وماذا فعلت بالأحرار والأدباء والفلاسفة والمفكرين والمثقفين والصحافيين والفنانين!

سامحك الله يا نجيب محفوظ، وليس عندنا ما نقوله لك سوى هذه العبارة الشكسبيرية المحرّفة: حتى أنتَ يا نجيب؟!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى