الخميس ١١ آذار (مارس) ٢٠٢١
بقلم محمد زكريا توفيق

زوجات ستيبفورد -صرخة ضد عبودية الرجل للمرأة

ينتقل والتر ايبرهارتز المحامي، وزوجته الشابة جوانا، وطفلاهما من مدينة نيويورك إلى بلدة ستيبفورد في ولاية كونيكتيكت. هناك يجدون جميع النساء جميلات، لكن مهووسات بالأعمال المنزلية.

جوانا أم وربة منزل، إلا أنها تستمتع بالتصوير الفوتوغرافي كهواية وتسعى إلى تحويله إلى مهنة. عندما تصل إلى مكانها الجديد، تتعرف بجارتها بوبي التي انتقلت حديثا هي الأخرى مع زوجها إلى نفس الحي. رحبت جوانا بجارتها ونشأت بينهما صداقة سريعة. ثم أخبرتها جوانا بأنها تريدها أن تكتب في الصحيفة المحلية لكي تتعرف على قادة الحركة النسائية.

في بلدة ستيبفورد، ينضم والتر زوج جوانا ويصبح عضوا في جمعية للرجال فقط. بعد ذلك، تتحدث جوانا إلى الجمعية عندما يعقدون اجتماعا في منزلها. أثناء الاجتماع، يقوم أحد الأعضاء برسم وجه جوانا ويركز على عينيها، وهي تعتقد أنه مجرد عمل فني. كما تلاحظ جوانا أن الأعضاء وزوجها قاموا على غير العادة بزيارة غرفة نومها الخاصة، ومكثوا فيها مدة أطول من الازم.

تقترح جوانا عقد اجتماع لأولياء أمور الطلبة في أحد الصالات الرياضية. حتى تكون فرصة لخروج العائلات من منازلهم للتعارف والتحدث مع بعضهم البعض. لكن للأسف مثل هذه الاجتماعات، لم يحضرها إلا عدد قليل. 12 رجلا وتسع نساء فقط. ثم تقترح جوانا إنشاء جمعية نسائية بالبلدة، بهدف عقد اجتماعات دورية لإذكاء روح الحركة النسائية.

تلاحظ جوانا وبوبي أن بعض الزوجات يعملن على إرضاء أزواجهن جنسيا، ويتمادين في خدمته وإسعاده بطريقة غير عادية، ويفضلن الأعمال المنزلية ونظافة البيت المبالغ فيها، على إقامة صداقات معهما أو ممارسة أي نوع من الهوايات أو حتى مجرد المقابلة للدردشة وسماع الموسيقى.

بعد قراءة مقال صحفي قديم تبين أن العديد من نساء ستيبفورد كن مهنيات وناشطات سياسياً واجتماعيا. خلصت جوانا وبوبي إلى أن شيئاً ما غير طبيعي يجري في هذه البلدة. هذا الشيء هو الذي حولهن عما كن عليه. ثم أصبحت، جوانا وبوبي، متأكدتين من هذا عندما تحولت صديقتهما شارمين بشكل غير متوقع إلى امرأة مستكينة، تعبد زوجها وتكرس حياتها لراحته وإسعاده، وتقضي جل وقتها في نظافة بيتها وترتيب أدواتها المنزلية بطريقة غير سوية.

أحد الزوجات، بعد حادث تصادم سيارة خفيف، تبدأ في التصرف بشكل غريب. وبدلا من أن تُنقل إلى أقرب مستشفى، تأخذها عربة خاصة إلى مكان بعيد.

شكّت جوانا وبوبي في تلوث البيئة والمياه، لكنها بعد استشارة صديق سابق كيميائي، تبين أن المياه صالحة للشرب، لا غبار عليها وليست ملوثة، والبيئة ليس بها إشعاع من أي نوع يدعو للقلق.

أخيراً، تتأكد جوانا أن جمعية الرجال بالبلدة هي المسؤولة عما يحدث. فقد تبين أنها هي التي تقف وراء مؤامرة تغيير النساء بطريقة ما، مع مساعدة دايل كوبا، المصمم السابق للشخصيات المتحركة في ديزني لاند. الرجال يقتلون زوجاتهم، ثم يقومون باستبدال أجسادهن ب روبوتات مبرمجة تشبههن في الشكل.

تعود جوانا إلى بيتها وهي في حالة يرثى لها، فلا تجد طفليها. تتشاجر مع زوجها وتضربه على رأسه بعمود حديد المدفأة وتحاول العثور عليهما. تفترض أنهما في رعاية صديقتها بوبي. تذهب إلى بيت بوبي فتكتشف أنها قد تحولت هي الأخرى إلى روبوت.

تقدمت جوانا نحو بوبي وهي واقفة بجانب الحوض وفي يدها سكين. إنسية المظهر، البشرة، العينان، الشعر، اليدين وارتفاع وهبوط الصدر. إنها لا يمكن أن تكون روبوتا. هي تنكر ذلك بشدة. تجرح جوانا نفسها بالسكين فيسيل من اصبعها الدم حتى تتأكد أنها لا تزال إنسية، وتطلب من بوبي فعل نفس الشيء، لكن تتردد بوبي.

هنا تدرك جوانا أن بوبي ما هي إلا روبوت. عندما طعنتها بسكين المطبخ، لم تنزف دما ولم تتألم. أخرجت السكين من جسمها ببساطة، واستمرت في تقديم القهوة لضيفتها. لكنها أخذت تعاتبها بجملة "كيف تفعلين ذلك"، بتكرار آلي وهي تسقط فناجيل القهوة من يدها على أرض المطبخ لتتكسر.

أصبحت جوانا واثقة أنها ستكون الضحية التالية. لذا تسللت إلى مكان جمعية الرجال للبحث عن أطفالها. هناك، وجدت العقل المدبر للعملية برمتها، دايل كوبا، والمعروف ب "ديز" اختصارا لكلمة ديزني.

يقود ديز جوانا إلى غرفة نوم. هناك تلتقي ببديلتها الروبوت الجميلة. كما أنها تجد كلبها الذي فقدته قبل أيام. الكلب هنا يمثل ما يتوقعه الرجل من المرأة. الرجل يريد من المرأة أن تكون مثل الكلب. أي تكون أفضل الأصدقاء، مدربة، مخلصة، منقادة، مطيعة، مخلصة وحاضرة دائما. وتهز ذيلها عندما تراه، إن كان لها ذيل.

تقابل جوانا بديلتها، فتجدها جالسة على طاولة خلع الملابس. عندما تقف، نجد أنها ليست بالضبط في شكل جوانا. بل هي نسخة معدلة أجمل. ثدييها أكبر، خصرها أضيق، أوراكها وأردافها أضخم، تصلح موديل لمجلة البلاي بوي. ثم تتقدم الروبوت لكي تخنق جوانا الإنسية بفردة جورب حريمي، وهي مستسلمة لقدرها بدون مقاومة تذكر.

وتنتهي الرواية بمحادثة لشبيهي جوانا وبوبي في السوبر ماركت. بوبي تسأل جوانا كيف الحال، وجوانا تبتسم وتبدو رائعة وهي تجيب: كله على ما يرام.

ملاحظات على الرواية والفيلم:

"زوجات ستيبفورد" رواية مصنفة خيال علمي كتبها إيرا ليفين عام 1972. هو نفسه مؤلف رواية "طفل روز ماري". عن حكاية امرأة تشك في ربات بيوت بلدة ستيبفورد بولاية كونيكتيكت، وتظن أنهن مجرد روبوتات من صنع أزواجهن.

أنتجت الرواية فيلمين سينمائيين بعد تعديل طفيف، عامي 1975 و2004، بنفس العنوان. ثم تم إنتاجها مسلسل تليفزيوني من ثلاثة أجزاء فيما بعد. هي رواية تساهم في أدبيات الموجة الثانية من الحركة الأمريكية لتحرير المرأة في الستينات والسبعينات. في وقت كان يتميز بإنتاج أفلام الخيال العلمي مثل حرب الكواكب، الثقب الأسود، مغامرة بوسيدون، إلخ.

لقد شاهدت فيلم زوجات ستيبفورد في السبعينيات، وأذكر أن موضوعه قد هزني جدا، وظل عالقا في ذاكرتي مدة طويلة. الفيلم بالرغم من تصنيفه خيال علمي، إلا أنه خالي من مشاهد الرعب أو العنف. شيق جدا ورائع التمثيل والإخراج. قامت بدور جوانا الممثلة القديرة كاثرين روس بأداء منقطع النظير، وبدور بوبي بأداء رائع الممثلة بولا برينتيس.

في الرواية إعجاب ضمني من كفاءة الرجال، ونجاحهم. يقوم دايل كوبا، بسبب خبرته في عالم ديزني لاند، بصناعة دمى متحركة. ثم ينشئ هو وزملاؤه، جمعية من الرجال تقوم باستبدال النساء ب روبوتات مطيعة نموذجية، كما يحلم بهن الرجل. فكيف يكون هؤلاء الرجال المملون البغيضون أذكى من زوجاتهم؟

هي مجرد أحلام الرجل المكبوتة، تذكرنا بعائلة الحاج متولي، وبالحور العين الاثنين والسبعين. وتبين لنا تفسيرا، لماذا يصر الرجل على طمس معالم المرأة بالنقاب، وبسجنها في البيت. وكما جاء على لسان سي السيد في رواية بين القصرين: "المرأة لا تخرج من بيتها إلا مرتين. مرة يوم جوازها، ومرة يوم مماتها".

فهل المرأة تصبح أكثر سعادة عندما تفقد إرادتها وتستسلم للرجل؟ الرواية تترك الإجابة مفتوحة.

رواية زوجات ستيبفورد تصور حالة المرأة في المجتمعات البرجوازية الأبوية. الرواية أو الفيلم الذي يمثلها له رؤية اجتماعية فلسفية. القوة المتزايدة للحركة النسائية ومطالب المرأة بتحسين وضعها الاجتماعي أثارت ردود فعل عنيفة ظهرت في الكثير من الأفلام التجارية، مثل فيلم الأب الروحي وغيره.

بدلا من الثناء على الفيلم لعناصره النسوية الإيجابية، ركز النقاد على الصورة السلبية التي أظهرها الفيلم للرجل. فماذا يريد الرجل من المرأة حقيقة، غير الجنس والعناية بالبيت والأولاد؟

زوجات ستيبفورد، هو فيلم عن المرأة ومستقبلها. الفيلم لا يلجأ إلى مشاهد الرعب النمطية التي تجعل المشاهد يقفز من مقعده مرعوبا وشعره واقف زي الإبر، فهو لا يحتاج إلى تخويفه. لكنه يدعو إلى معالجة قضايا وأفكار هامة، هي في الواقع مخيفة عندما يفكر فيها الرجل بينه وبين نفسه. الفيلم يعتبر محفز قوي لحل مشاكل المرأة في المجتمعات الذكورية والتي يكبتها عقل الرجل الواعي.

فيلم زوجات ستيبفورد يظهر النساء وقد تحولن إلى مجرد أشياء، إلى روبوتات. بعد أن يقوم أزواجهن بتدميرهن جسديا ونفسيا. وهذا لا يختلف كثيرا عندنا، عندما يصر الرجل على طمس معالم المرأة بالنقاب وسجنها في البيت بحجج نصوص دينية؟

الفيلم يعالج على وجه التحديد دور المرأة في المجتمع المعاصر والهواجس المتعلقة بالتكنولوجيا. فالشر ليس "هناك"، ولكن في ثقافتنا، في مجتمعنا، في وطننا وعائلتنا. في المعتقدات التي تتحكم في حياتنا بدون رحمة أو هوادة.

المؤامرة الأساسية ضد المرأة، تأتي من قبل الرجل. لقد اكتشف في النهاية طريقة للسيطرة على المرأة ومحاربة حركة تحررها. بالتخلص منها بالمرة واستبدالها بروبوتات ليست لها إرادة. هي أقرب ما تكون إلى الجواري بل أسوأ. فالمرأة في شكل روبوت، لم يعد لها وظيفة سوى راحة الرجل وإشباع شبقه الجنسي والعناية ببيته وأطفاله.

يستخدم الرجال مواهبهم العلمية المتنوعة والجماعية على مراحل، للهيمنة الكاملة على كل النساء. المرحلة الأولية تبدأ برسم صورة للمرأة. ثم تكون الرسومات بمثابة مخططات لبناء روبوت يشبه المرأة الأصل.

تاريخياً، التقاط الرجل لصورة المرأة ترسخ هيمنته عليها. الصورة قديما هي الروح. ومن يمتلك الصورة يمتلك الجسد. يمكنه التأثير أو حتى قتل الأصل.

تشك جوانا في سلامة عقلها. تخشى عدم السيطرة على نفسها أو فقد "ذاتها". تدرك أن شخصيتها الجديدة "لن تستطيع التقاط الصور الفوتوغرافية. ومن ثم لن تكون أنا التي تعرفها".

تعلم جوانا أن هوية المرأة وقوتها على المحك. هويتها المبكرة تأتي من حياتها المهنية المزدهرة كمصورة فوتوغرافية. قوتها تكمن في النظر وقنص اللقطة بدلا من أن تخضع لها. هويتها تكمن في أن تكون فاعلا، لا مفعولا به.

المرأة المثقفة تنظر وتحلل، وهذا يشكل تهديداً للنظام بأكمله. التصوير الفوتوغرافي لا يسمح لجوانا بالخروج إلى العالم واستكشافه فقط، بل يمكن أن يمنحها دخلا إضافيا، يجعلها أكثر استقلالية من الرجل.

في الفيلم، في المرحلة الثانية من عملية صنع الروبوت الشبيه، يطلب خبير لغوي من المرأة تسجيل قائمة كلمات، بزعم دراسة اللهجات المحلية. يتم بعد ذلك برمجة الكلمات والتعبيرات المسموح للروبوت باستخدامها.

المرحلة الثالثة للتحول هي بناء نموذجا لغرفة نوم المرأة. عندما قامت جمعية الرجال بجولة في منزل جوانا الجديد، أصبحوا مهتمين جدًا بمفروشات غرفة النوم وألوانها، وظلوا بها فترة أطول مما يسمح به العرف.

التحول النهائي يحدث للمرأة خلال عطلة نهاية الأسبوع، يتبع ذلك شهر عسل آخر في غرفة النوم "الجديدة".

في زوجات ستيبفورد، الرجال يمارسون السيطرة الكاملة تقريبا على الروبوتات. هذه المخلوقات لن تتحرر أبداً، ولن تستعين بالخارج، أو تنتحر، أو تثور على مبدعيها.

فهي ليس لديها إرادة خاصة، ولا تمثل سلطة على أي شيء أو أي شخص. محكوم عليها بتبادل أفكار تافهة ليس لها أهمية. مثل تبادل وصفات طبخ أو طريقة كي الملابس. الروبوتات لن تتحد وتثور لأنها ليس لديها مجتمع تتفاعل داخله.

لا يبقى لها سوى اقتراض الملح والسكر لزوم الطبخ. أحياناً قد تفشل دوائرها الكهربية، لكن بالنسبة للروبوت، الكارثة الكبرى هي إسقاط طبق وكسره في المطبخ. أليست هذه هي حالة شعوبنا حاليا؟

في الرواية أو الفيلم، الروبوت موجود لمتعة الرجل فقط، وليس لخدمة أي هدف علمي أو نبيل. كما يشرح كايل كوبا لجوانا قبل استبدالها بروبوت شبيه، "إذا كان الوضع معكوسًا، ألا تحبين عشيقا مثاليًا يكون شابًا إلى الأبد ومكرسًا تمامًا لك، حتى عندما تكونين كبيرًة في السن ومتجعدًة الوجه؟" وإذا كان للمؤمن 72 جارية، لماذا لا يكون للمؤمنة 72 عبدا؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى