الخميس ٨ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم أوس داوود يعقوب

في الذكرى السادسة عشر لرحيل توفيق زيّاد

في الذكرى السادسة عشر لرحيل شاعر فلسطين الكبير توفيق زيّاد «أبو الأمين» يحار المرء ما الذي يكتبه عن الراحل الكبير؟ أيكتب عن توفيق الشاعر المبدع، أم الباحث العاشق لتراث شعبه، أم توفيق زيّاد المناضل النصراوي ـ نسبة إلى مسقط رأسه، (الناصرة) ـ الذي قاد المظاهرات الصاخبة منذ نعومة أظفاره دفاعاً عن شعبه وقضايانا الوطنية، وكان نداً وخصماً عنيداً لمن اغتصبوا أرضه وأرض آباءه وأجداده، مؤمناً بمقولة الشهيد البطل غسان كنفاني:"لا تمت قبل أن تكون نداً"..!

وفي رثاء سيد الكلام (محمود درويش) للراحل الكبير يسأل الشاعر، الشاعر؟: "أليس هذا هو صوتك، المعلق على أغصان الشجر وعلى ساحات الذاكرة الجماعية، منذ ربطت معركة هذه البقية الباقية من أبناء شعبك، من أجل البقاء والتعبير الحرّ عن الهوية الوطنية والثقافية والمساواة والتعايش المتوازن، بحق شعبها في العودة وتقرير المصير الحرّ والاستقلال، ليكون للسلام الحقيقي جدول أعمال واقعي، وأرض صلبة للتعايش والتسامح؟".

ولد توفيق أمين زيّاد في 7 أيار ( مايو ) 1929 في مدينة الناصرة بفلسطين المحتلة. تعلّم في المدرسة الثانوية في الناصرة، وهناك بدأت تتبلور شخصيته السياسية وتبرز لديه موهبة الشعر، ثم ذهب إلى موسكو لفترة قصد دراسة الأدب الروسي.

ومنذ شبابه انخرط شاعرنا في الحركة الوطنية والحزبية ، وانتهى به الأمر منتسباً إلى (الحزب الشيوعي الإسرائيلي)، وهنا وجب الإشارة إلى أن الكثير من شعراء فلسطين المحتلة وأدبائها ومثقفيها انضموا إلى (الحزب الشيوعي الإسرائيلي ـ راكاح)، ذلك أنه كان الحزب الوحيد الذي يسمح بانضمام الفلسطينيين ـ الذين بقوا في الوطن المحتل عام 1948م ـ إلى صفوفه وممارسة نضالهم السياسي من خلال موقعهم المتقدم في الحزب، فكانوا يدافعون عن قضيتهم الوطنية.

وقد انتخب توفيق زيّاد رئيساً لبلدية الناصرة عام 1978م وظلّ يشغل هذا المنصب حتى وفاته. وكان عضواً في (الكنيست الإسرائيلي) في ست دورات عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي) ومن ثم عن القائمة الجديدة للحزب الشيوعي، وفيما بعد عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.

يقول الأديب راضي صدوق: "كان زيّاد شاعراً مقلاً في الخمسينيات ثم تدفقت شاعريته مع تزايد جرائم الاحتلال الصهيوني ضد أبناء الشعب الفلسطيني الصامد، فصور بشعره معاناة هذا الشعب وكفاحه ومواجهته للتعسف والاضطهاد في ظل الاحتلال"، وقد تعرض شاعرنا المشهود له بالمواقف السياسية الجريئة وكلماته المقاتلة لعدة محاولات اغتيال، وظل مستهدفاً من قبل قوات الجيش والشرطة والمستوطنين والمتطرفين الصهاينة طيلة حياته، حيث رؤوا فيه واحداً من الرموز الأساسية لصمود الشعب الفلسطيني وتصديه لسياسة سلطات الاحتلال وممارساتها التعسفية الإرهابية.

وقد كان له دوراً هاماً في إنجاح إضراب أحداث يوم الأرض في 30 آذار (مارس) 1975م، حيث قاد مظاهرات جماهيرية عارمة ضد قرار حكومة العدو الصهيوني القاضي بمصادرة الأراضي وتهويد الجليل.

فنظمت قوات الاحتلال اعتداءاتها وقتلت الشباب الفلسطينيين الستة وجرحت المئات وهاجمت بيت شاعرنا المناضل، " سمعت الضابط بإذني وهو يأمر رجاله طوقوا البيت واحرقوه" تقول زوجة توفيق زيّاد.

ويتكرر الاعتداء على بيته في مناسبات عديدة، غير أن أبشع الاعتداءات كان في أيار (مايو) 1977م قبيل انتخابات (الكنيست) إذ جرت محاولة اغتياله، ونجا منها بأعجوبة.

أصدر زيّاد العديد من المجموعات الشعرية منها: (أشد على أياديكم، وأدفنوا موتاكم وانهضوا، وأغنيات الثورة والغضب، وأم درمان المنجل والسيف والنغم، وشيوعيون، وكلمات مقاتلة)، إضافة إلى ترجماته لأعمال من الأدب الروسي وأعمال الشاعر التركي ناظم حكمت. وما من دراسة أدبية تناولت حركة الشعر الفلسطيني المقاوم إلا وأتت على ذكره، فقد كان علماً بارزاً من أعلام الشعر الفلسطيني يذكر اسمه إلى جانب راشد حسين ومحمود درويش وسميح القاسم وحنا أبو حنا وسالم جبران. وقد تُرجم كثير من شعره إلى مختلف اللغات في العالم، وتناوله عديد من الدارسين العرب والأجانب بالبحث والدرس.

وعُرف عن شاعرنا الكبير اهتمامه بالأدب الشعبي، وما من دارس للأدب الشعبي الفلسطيني إلا وأتى على آثاره يسترشد بها ويعتمد عليها، وقد صدر له في هذا المجال عدة كتب هي: (عن الأدب الشعبي الفلسطيني / دراسة/ 1970م، ونصراوي في الساحة الحمراء / يوميات/ 1973م، وصور من الأدب الشعبي الفلسطيني / دراسة/ 1974م، وحال الدنيا / حكايات فولكلورية/ 1975م.

ولقد دخلت قصائد توفيق زيّاد وأشعاره الحماسية الغاضبة، بيوت الفلسطينيين في حيفا ويافا واللد والرملة وجنين وغزة، وفي المخيمات في بلدان الشتات، وفي المنافي البعيدة، من خلال صوت وألحان الشيخ إمام عيسى ومارسيل خليفة ومصطفى الكرد وحسين نازك (فرقة العاشقين الفلسطينية) وغيرهم من العرب الأحرار، عشاق الكلمة الحرة المضمخة بدماء الشهداء، وأصبحت قصائده المغناة جزءاً من التراث الحي لأغاني المقاومة الفلسطينية

فمن منا ينسى رائعته " أُنَادِيكُمْ"، قصيدة الثورة والغضب والعنفوان التي قام بتلحينها وغنائها الفنان اللبناني أحمد قعبور.

قصيدة " أُنَادِيكُمْ "..! أُنَادِيكُمْ..أَشدُّ عَلَى أَيَادِيكُم..أَبُوسُ الأَرْضَ تَحْتَ نِعَالِكُم..وَأَقُولُ: أَفْدِيكُم..وَأُهْدِيكُم ضِيَا عَيْنِي..وَدِفْءَ القَلْبِ أُعْطِيكُم..فَمَأْسَاتِي التي أَحْيَا..نَصِيبِي مِنْ مَآسِيكُم..أُنَادِيكُمْ..أَشدُّ عَلَى أَيَادِيكُم..أَنَا مَا هُنْتُ في وَطَنِي وَلا صَغَّرْتُ أَكْتَافِي..وَقَفْتُ بِوَجْهِ ظُلاَّمِي..يَتِيمَاً ، عَارِيَاً ، حَافِي..حَمَلْتُ دَمِي عَلَى كَفِّي..وَمَا نَكَّسْتُ أَعْلامِي..وَصُنْتُ العُشْبَ فَوْقَ قُبُورِ أَسْلاَفِي..أُنَادِيكُمْ ... أَشدُّ عَلَى أَيَادِيكُم..!

في الخامس من تموز (يوليو) من عام 1994م رحل توفيق زياد، نتيجة حادث طرق مروع وقع وهو في طريقه لاستقبال الفلسطينيين العائدين من تونس إلى أريحا بعد اتفاقيات أوسلو المشؤومة...

نعم لقد رحل ابن الناصرة الذي قال ذات يوم: "كأنّنا عشرون مستحيل..في اللّد، والرملة، والجليل..هنا.. على صدوركم، باقون كالجدار..وفي حلوقكم،كقطعة الزجاج، كالصَبّار،وفي عيونكم،زوبعةً من نار..هنا.. على صدوركم، باقون كالجدار.".

رحل، لكن شعره الثوري العربي والفدائي الفلسطيني سيبقى شوكة في حلوق الصهاينة، وستحتفظ ذاكرة أجيالنا ـ جيلاً بعد جيل ـ بملامح حضوره الإنساني والثوري والشعري القوي والمؤثر في جليلنا المحتل وفي ربوع وطننا العربي الثائر الهادر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى