السبت ١٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
سيرغي يسينين
بقلم إبراهيم محمود إستنبولي

كمنجة روسيا الحزينة

داعـاً، يا صديقي، وداعـاً،
حبـــيبي، أنــتَ في صــدري.
إن الـــــــفــراق المـرتـقـــــــب
يعـِـــد بلــــقــــاء فيمــا بــعد.
وداعاً، صديقي، بلا كلام ولا سلام،
لا تـــــحزن ولا تقــــطب حــاجبيـك،-
ليــس جـديداً أن نـموت في هذه الدنيا،
وأن نعيش، بالطبع، ليس جديداً أكثر.

ولد الشاعر الروسي سيرغي يسينين في 4 تشرين الأول (21 أيلول حسب التقويم القديم) من عام 1895 في بلدة كونستانتينوفو (أو قسطنطينوفو) الواقعة على ضفة نهر أوكا في وسط روسيا.
كان إنساناّ ذكياً وجميلاً، كان لطيفاً وأنيقاً.

كانت كتابة القصيدة عنده تبدأ على الشكل التالي: يقوم بغسل احتفالي للرأس، ثم يضع باقة من الأزهار على الطاولة أمامه، ثم يحضّر إبريقاً كاملاً من الشاي الأسود (أكرك – عجم)، ومن بعد ذلك يباشر كتابة القصيدة
كان قادراً أن يكتب من دون تصحيح. وقد كان يحبّ، كما عبّر هو ذاته، أن (يتسكع ثم يقضي مع القصيدة ليلة كاملة)
ولأنه إنسان موهوب فقد كان لديه حس مرهف وقلب رقيق شفاف، ولهذا كله فقد عانى كثيراً مما تعرضت له روسيا من إهانات ولما أوصلوها من كفر وابتعاد عن الرب.
كم تعرّض الشاعر (للطعنات) من قبل النقاد بسبب تدينه ولأنه كان يعتبر نفسه بمثابة الناي الإلهية، التي تنشد المجد لا للطبيعة الروسية وحسب بل وللخالق أيضاً.
وفي وقت متأخر من ليلة 27 كانون الأول من عام 1925 وفي غرفة في فندق (إنغليتر) في بطرسبورغ (تم هدم البناية في عام1987 ) لقي حتفه بصورة تراجيدية الشاعر الشهير والوسيم يسينين وهو في أوج فتوته وإبداعه.
كان في الثلاثين من عمره فقط ...
لم يستطع قلب الشاعر الرقيق والمفعم بالمحبة تجاه أهله وقريته بل وتجاه كل ما هو روسي، أن يتحمل ما وصلت إليه روسيا(ه) بعد الثورة البلشفية حيث: (الرب مطرود رسمياً من البلاد، والملحدون الكفرة يتحكمون بها، وحيث يسود القتل الخراب والجوع ...)
لقد أكدت السلطات وقتذاك أن يسينين مات انتحاراً عبر الشنق ... لكن الشهود يؤكدون أن الشاعر كان بمزاج رائع بل و كانت ثمة مخطوطات مصححة بين يديه يريد أن يدفع بها إلى الطباعة .. والكل يعرف كم هي جميلة وممتعة تلك اللحظة التي تسلك فيها القصيدة طريقها إلى النشر ..
كما إنه معروف أن والدة الشاعر حضرت جنازته، وكانت ترغب في أن يتم دفن الجثة كما تتطلب ذلك التقاليد والمعتقدات المسيحية، وأن تذرو بيديها التراب على قبره على شكل صليب. كما إنها أرادت دعوة قس لكي يقيم الصلاة عن روحه. لكنهم لم يسمحوا بكل ذلك. بل أقاموا له جنازة رسمية باهرة وخالية من أية مظاهر دينية. ومع ذلك فقد أقام أهله وأقرباؤه الصلاة عن راحة روحه في مسقط رأسه غيابياً.
علماً أنه: لا تجوز الصلاة على مَن قضى منتحراً
باختصار هناك شكوك قوية في روسيا اليوم بخصوص فرضية انتحار الشاعر.. بل إن بعض الباحثين يجزمون بأنه تم اغتيال الشاعر من قبل أجهزة السلطة .. وهذا ما توصل إليه أحد المحققين الجنائيين الروس حديثاً والذي قام بالتحري حول ملابسات الجريمة .. وقد صدر كتاب بهذا الخصوص يلقي الضوء على (انتحار الشاعر).
هنا ترجمة لبعض لمقاطع من بعض قصائد الشاعر

(1)
لماذا هو القمر يضيء باهتاً
فوق حدائق وجدران مدينة خرسان؟
كما لو أنني أمشي بالضبط في سهل روسي
تحت الستار المخشخش للضباب –
هذا ما سألت عنه، يا عزيزتي لالا،
أشجارَ السروالصامتة ليلاً،
لكن أرتالها لم تجب ولا بكلمة،
وقد شمخت برؤوسها نحو السماء باعتزاز.
لماذا هو القمر يضيء حزيناً؟
سألت الأزهار في أيكها الهادئ .
فأجابتني الأزهار: (عليكَ أن تشعر
من خلال حفيف الوردة الحزينة).
أفاضت الوردة بأوراقها،
وبأوراقها أسرّت لي الوردة:
حبيبتكَ شاغانيه غازلت أخرَ،
حبيبتك شاغانيه قبّلت شخصاًَ آخر.
 
ظنّت: (الروسي لن يلاحظ ...
للقلب – الأغنية، وللأغنية – عيشٌ وجسد ...)
لهذا، القمر يضيء باهتاً،
لذلك يبدو القمر شاحباً.
كم عرف الزمان من الخيانات،
من الدموع والعذاب،
فمن الذي يتمناها،
مَن الذي ينتظرها.
ومع ذلك، لتبقى مباركة إلى الأبد
الليالي الليلكية في الأرض.
 
(2)
لم يبق لي سوى تسلية واحدة:
أن أضع أصابعي في فمي – وأن أصفّر بفرح.
فقد شاعَ مَجَدٌ كريه،
أنني ماجنٌ ومشاكس.
آه! يا لها من خسارة مضحكة!
وكثيرة هي الخسارات المضحكة في الحياة.
معيب لي أنني كنت أؤمن بالله.
ومحزنٌ أنني لم أعد أؤمن الآن.
أيتها الآفاق البعيدة الذهبية!
كل شيء يحرقه عماء الحياة اليومية.
لقد كنتُ مشاكساً وداعراًً
بالضبط لكي أشتعل بدرجة أقوى .
رسالة الشاعر – أن يلاطف و يهدِّأ.
فهذا هو قدره المحتوم.
فأنا أردت أن أزاوج على هذه الأرض
بين الوردة البيضاء والضفدعة السوداء.
ليكن، أنها لم تتحقق ولم تنجح
خواطر الأيام الوردية تلك.
لكن طالما أن الشياطين قد عشعشت
في روحي – فهذا يعني أن الملائكة
كانت تعيش فيها.
 
(3)
لستُ نادماً، لا أستجدي ولا انتحب،
فكل شيء سيمضي،
كما العجاج عن كروم التفاح الأبيض.
وقد نال مني ذهب الذبول،
فلن أكون شاباً بعد الآن.
ولن تخفقَ هكذا بقوة بعد اليوم،
أيها القلب، الملفوح بالبرودة،
ولن تغريني بلاد دمّور البتولا
بأن أتسكع حافي القدمين.
 
(4)
في القفقاس
(بارناس2) الروسي منذ القدم
يتوق لبلدان غريبة، لكن أنت فقط،
قفقاس، أكثر من اشتهر بضباب كله أسرار.
هنا بوشكين، في نار الشهوة،
نظم من روحه المقهورة:
(لا تغن ِ، أيتها الجميلة، بحضوري
أغاني جورجيا الحزينة).
ليرمنتُف، وهو يعالج الكرب،
قصَّ علينا عن أظامات3،
كيف أنه لقاء حصانه كازبيتش
أعطى الأختَ بدلاً من الذهب.
لأجل الحزن في عينيه والمرارة
هو جدير بغليان الأنهار الصفراء،
إنه، كشاعر وكضابط،
أسكتته رصاصة من صديق.
والآن إلى رحابك أتيت
أنا، ولا أعرف الأسباب:
هل لأبكي قبور الأهل
أم بحثاً عن ساعتي الأخيرة.
لا فرق عندي! فأنا مفعم
بذكراهم، وقد رحلوا عظاماً.
لقد بلسم آلامهم ضجيج
وديانـ(ك) وأنهار(ك) الموحشة.
هربوا من الأعداء إلى هنا
ومن أصدقائهم هربوا،
فقط ليسمعوا وقع الخطى
وأن يروا من قمم الجبال
الآماد البعيدة.
سامحني، يا قفقاس، لأنني
ذكرتهم لك من غير قصد،
اجعلْ كي تسيل أشعاري
الروسية كعصير الزعرور.
لكي، إذا عدتُ إلى موسكو
من جديد، أستطيع بقصيدة
رائعة أن أنسى الكرب الزائد
ودون أن أتصادق إلى الأبد
مع الآلهة.
ولكي أكرر في ساعة الوداع
أمراً واحداً في بلادي:
لا تغن ِ، أيتها الجميلة ، بحضوري
أغاني جورجيا الحزينة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى