الثلاثاء ١٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
صبرا وشاتيلا
بقلم أوس داوود يعقوب

من ذاكرة الدم الفلسطيني

منذ وعد بلفور المشؤوم ووقوع فلسطين تحت سيطرة الاحتلال البريطاني والسماح لليهود بالهجرة إلى أرض فلسطين، اعتمدت الحركة الصهيونية إستراتيجية دموية لإجبار الفلسطينيين على ترك أراضيهم، حتى تتمكن من تنفيذ أهدافها في تفريغ فلسطين من سكانها. وكان قوام هذه الإستراتيجية ولا تزال هي القيام بعشرات المجازر*، ومنذ أيام مرت الذكرى الثامنة والعشرين لمجزرة صبرا وشاتيلا، والتي اعترف المحققون الصهاينة، أن ضحاياها تراوح عددهم بين (3000 و3500) بين رجل وشيخ وامرأة وطفل جرى قتلهم بدم بارد، والتنكيل بجثثهم بأبشع الطرق في محاولة لإلحاق الهزيمة النفسية وتدمير الإرادة السياسية للشعب الفلسطيني، كما تعرَّضت بعض النساء للاغتصاب المتكرر، وقام السفاحون ببقر بطون الحواملـ بالسكاكين والبلطات والآلات الحادةـ وإخراج الأجنة منها ونثرها فوق القمامة وفي الأزقة والشوارع.
ولقد صدر قرار تنفيذ تلك المجزرة عن لجنة صهيونية ثلاثية عليا تشكلت يومها من رئيس حكومة العدو في "تل أبيب" مناحيم بيغن ووزير حربه أرئيل شارون ورئيس أركان جيش حربه رفائيل إيتان، وتقرر أن تكون "القوات اللبنانية" بقيادة رئيس مجلسها آنذاك إيلي حبيقة ( قتل غيلةً في بيروت في 24 كانون الثاني/يناير 2002م) الأداة التنفيذية لها. وقد بدأت المجزرة فعلياً في تمام الساعة الخامسة من مساء السادس عشر من سبتمبر/ أيلول 1982م عندما قامت ثلاث فرق عسكرية تكونت كل منها من خمسين مجرماً وسفاحاً من عناصر "القوات اللبنانية" المدججين بمختلف أنواع الأسلحة الصهيونية الفتاكة باقتحام المخيمين وجوارهما والانقضاض على السكان في مضاجعهم، وإعمال القتل في من وصلت إليه أياديهم الآثمة دون ما تفريق بين نساء وأطفال رُضع وشيوخ طاعنين في السن.

وتحتل مجزرة "صبرا وشاتيلا" موقعاً مركزياً في الوجدان الفلسطيني والغربي الإنساني، وهي ما زالت جرحاً مفتوحاً، لم يغلق بعد، فكثير من أبناء المخيم، الذين خطفوا على يد الجلادين، مازال مصيرهم مجهولاً ومازال أهلهم يعيشون أملاً، ولو ضئيلاً بعودتهم..، في الوقت الذي مازال فيه القتلة يسرحون ويمرحون، فعدم معاقبة القتلة وجرهم أمام محكمة جنائية دولية دفع بهم إلى ارتكاب المزيد من المجازر في صفوف الفلسطينيين واللبنانيين على حد سواء.

يوميات المجزرة.. كي لا ننسى

يقع مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في الأطراف الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، بجوار حي "صبرا" الشعبي والفقير أيضاً، وبجانبهما عدة أحياء أخرى شعبية ومتلاصقة، لكن المنطقة كلها تُعرف ب"صبرا وشاتيلا"، ويسكنها العديد من اللاجئين الفلسطينيين، معظم من يسكن المخيم هم من لاجئي 1948م، وأغلبهم من سكان الجليل الأعلى شمال فلسطين.

وقد وقعت المذبحة بالمخيم بعد دخول القوات الصهيونية الغازية إلى العاصمة اللبنانية بيروت وإحكام سيطرتها على القطاع الغربي منها. وقد هيأت القوات الصهيونية الأجواء بعناية لارتكاب مذبحة مروعة نفَّذها مقاتلو الكتائب اللبنانية اليمينية المتعطشين لسفك الدماء بعد اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل، انتقاماً من الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين، ووفقاً لأرشيف القوات اللبنانية الذي استقى منه "آلان مينارغ" المعلومات المتعلقة بالمجزرة في كتابه عن حرب لبنان، فإن المجزرة كانت مقررة قبل تصفية بشير الجميل وذلك بهدف تهجير المدنيين الفلسطينيين من المخيمات الفلسطينية في بيروت وتطهير بيروت من كل وجود فلسطيني.

استمر تنفيذ المجزرة على مدى أكثر من يوم كاملـ تواصلت لمدة أربعين ساعة دون توقفـ تحت سمع وبصر القادة والجنود الصهاينة وكانت القوات الصهيونية التي تحيط بالمخيم تعمل على توفير إمدادات الذخيرة والغذاء لمقاتلي الكتائب الذين نفَّذوا المذبحة، حيث كان جنود الاحتلال يمنعون الفارين بحياتهم ويهددونهم بالقتل، مما يضطرهم للرجوع إلى مصيرهم ذاته، وكانت قنابل الإضاءة لجيش الاحتلال تنير للقتلة دروبهم في أزقة المخيم، في عملية أجمع المراقبون والمصورون والأجانب العاملون في الهلال الأحمر والمؤسسات الدولية وممثلي المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في لبنان على وصفها بالمجزرة الأكثر وحشية ودموية في التاريخ البشري المعاصر.
وفي ما يلي تسلسلاً لأحداث المجزرة كما وردت في تقرير جمعية الدراسات الفلسطينية:

الأربعاء 15 أيلول/سبتمبر

الخامسة صباحاً: جيش الاحتلال "الإسرائيلي" يتقدم على أربعة محاور: من المطار إلى مستديرة شاتيلا، ومن السفارة الكويتية نحو الفاكهاني، ومن المرفأ نحو فندق "النورماندي"، ومن المتحف في اتجاه كورنيش المزرعة، أما الحجة التي تذرع بها الصهاينة فهي حماية السكان في بيروت الغربية من أعمال انتقامية محتملة تقوم بها الميليشيات بعد اغتيال بشير الجميل.

السادسة عصراً: الدبابات الصهيونية تتمركز عند المفارق الرئيسية كما تطوق صبرا وشاتيلا من الجنوب والغرب والشرق، الجهة الرابعة هي جهة حي الفاكهاني، وأقام جيش الاحتلال مقر قيادته في بناية من ثماني طبقات على بعد 50 متراً من المخيم.

الخميس 16 أيلول/سبتمبر

الخامسة صباحاً: المروحيات الصهيونية تحلق في سماء بيروت الغربية فتلقي الرعب في نفوس السكان.

السابعة صباحاً: الدبابات الصهيونية تتقدم في رأس بيروت والحمرا والمزرعة، ولقيت مقاومة شرسة من مقاتلي الحركة الوطنية في بعض النقاط وبدأت القذائف الأولى تتساقط فوق صبرا وشاتيلا المحاصرتين، فيما عقد اجتماع ضم الشيوخ والوجهاء في المخيم وقرر هؤلاء الحكماء إرسال وفد إلى جيش الاحتلال "الإسرائيلي" ليوضح له أنه لم يعد هناك مقاتلون في المخيمات. وضم الوفد أربعة رجال طاعنين في السن، توجهوا إلى السفارة الكويتية، لم يرهم أحد بعد تلك الساعة، ووجدت جثثهم بعد أيام قرب السفارة.

الثالثة بعد الظهر: تكثيف القصف على صبرا وشاتيلا، والسكان ينزلون إلى الملاجئ، في بعض الملاجئ يتكدس أكثر من 300 شخص، والبعض الآخر يلجأ إلى مستشفى عكا.

الخامسة بعد الظهر: ازدياد القصف في مستشفى عكا، اقترح أحدهم إرسال وفد من النساء والأطفال، لم يكونوا على علم بالمبادرة السابقة، ولا بمصير الوفد، هذا الوفد قاده سعيد، العامل المصري في محطة الوقود، ومعه نحو 50 امرأة وطفلاً يحملون العلم الأبيض متجهين إلى مركز قيادة جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، فقتلوا أولئك جميعاً ولم يعودوا.

السادسة عصراً: العناصر المسلحة الأولى تتسلل إلى حي عرسال جنوب المدينة الرياضية، يحملون الفؤوس والسكاكين، يدخلون البيوت ويقتلون من يجدون داخلها، لا يسمع إطلاق نار، السكان لا يجرؤون على الخروج من بيوتهم، أو من الملاجئ نتيجة الرشقات المتفرقة والقصف.

الثامنة مساء: أرخى الليل سدوله، والسماء بيضاء بسبب مئات القنابل المضيئة، وتسمع رشقات غامضة المصدر، لكن لا أحد يجرؤ على الخروج، القناصة يطلقون النار على كل شيء يتحرك، وحدهم الجرحى يحاولون الوصول إلى مستشفى عكا قبالة حرج تابت، وصل الجرحى في الليل ورووا أن ثمة مجزرة في المخيم.
وطوال الليل وبلا كلل، واصل الفريق الطبي في مستشفى عكا الاهتمام بالجرحى الذين كانوا يصلون في موجات متتالية، من جهة أخرى امتلأ المستشفى باللاجئين الفارين من المجازر، كان هناك نحو ألفين منهم مكدسين في الممرات، وفي الطبقة السفلية، وعند المدخل.

الجمعة 17 أيلول/سبتمبر

الخامسة صباحاً: عند الفجر عاد إلى مستشفى عكا بعض النسوة اللواتي كن في عداد الوفد، وكانت شعورهن منفوشة وثيابهن ممزقة بعدما تعرضن للاغتصاب، وقتل العدد الأكبر منهن أمام السفارة الكويتية على يد الميليشيا، فرغ المستشفى في لحظات، إذ فر من لجأ إليها، ولم يبق سوى الأطباء والممرضين وعدد من الجرحى.
الحادية عشرة ظهراً: نادى اثنان من المسلحين، قالا أنهما كتائبيان، على المساعدة الاجتماعية النرويجية "أنا سوندي"، وأمروها بإخراج كل الأجانب العاملين في مستشفى عكا، فتم بالقوة جمع الفريق الطبي الأجنبي بأكمله: (فرنسيان وفيليبينية ونرويجية ومصري وفنلندية وسيرلانكية)، وإجباره على السير حتى مدخل شاتيلا: رافقه أيضاً طبيب الأطفال الفلسطيني "سامي الخطيب"، وبقيت في المستشفى ممرضة نرويجية وأخرى استرالية للاهتمام بخمسة أطفال رضع مصابين بالشلل، عند مدخل المخيم، كان السكرتير الأول في السفارة النرويجية ينتظرهم، فاصطحب معه في السيارة حاملي الجنسية النرويجية، وقصد المستشفى لجلب الأطفال، تم إطلاق سائر أعضاء الفريق الطبي باستثناء "سامي الخطيب"، الذي أعيد إلى المستشفى حيث أعدم مع طبيب فلسطيني آخر بقي في المستشفى وهو الطبيب "علي عثمان"، ومن الضحايا الآخرين ممرضة فلسطينية في العشرين من عمرها هي انتصار إسماعيل التي اغتصبت وقتلت، وكذلك الطباخ الفلسطيني الذي قتل مع موظفين آخرين.

وبعد مغادرة الأطباء دخل المسلحون المستشفى وراحوا يستجوبون الجرحى، اقتيد جريح شاب في الـ 15 من العمر، وهو "مفيد أسعد"، إلى خارج المستشفى حيث أطلقت عليه رصاصة أصابته في عنقه وضرب بالفأس. في هذه الأثناء، كانت المجزرة مستمرة داخل المخيم حيث تمت تصفية عائلات بكامل أفرادها من دون تمييز، وكان بينها عائلات لبنانية، فعائلة المقداد اللبنانية من البقاع فقدت 39 من أفرادها، معظمهم من النساء والأطفال، وبينهم نساء حوامل:

زينب المقداد كانت في الشهر الثامن من حملها، والهام المقداد في الشهر التاسع، ووفاء المقداد في الشهر السابع. كما وجدت ثلاث نساء دون الثلاثين من العمر مقطعات وقد بقرت بطونهن وأخرجت الأجنة ورمي بها، بالقرب منهن، زينب أم لستة أولاد، ووفاء أم لأربعة، أما ابنة إلهام البالغة من العمر سبعة أعوام، فقد تعرضت للاغتصاب قبل قتلها. تمت بكل وحشية تصفية المحتمين ببعض الملاجئ التي احتشد فيها نحو مئتي شخص. وبدأت الجرافات بالعمل، تحمل الجثث وترميها في مقابر جماعية تم حفرها لهذا الغرض، أو تهدم مباني لدفن الجثث تحت ركامها.

السبت 18 أيلول/سبتمبر

السادسة والنصف صباحاً: اقتحم أفراد الميليشيا مستشفى عكا وأمروا الفريق الطبي الأجنبي بالمغادرة، فاقتيد جميع الأطباء والممرضين (سويديان، فنلندي، دانماركي، أربعة ألمان، ثلاثة هولنديين، أربعة بريطانيين، أميركيان، ايرلندية، فرنسية) إلى مدخل مخيم شاتيلا، حاول أحد التقنيين الفلسطينيين العاملين في المختبر مرافقتهم، لكنه أوقف واقتيد خلف أحد الجدران، ثم سمع صوت طلق ناري بعد فترة.

في اليوم التالي وجدت جثته في المكان نفسه، يؤكد الطبيب "بيير ميشلو مشاغن"، الاختصاصي النرويجي بتقويم الأعضاء: "رأينا الجرافات تدمر البيوت، وتدفن الجثث تحت الركام".

السابعة صباحاً: بدأ المسلحون إفراغ مخيم شاتيلا وحي صبرا ممن بقي فيهما من السكان، في الليلة السابقة كانت مجموعة من الرجال حاولت يائسة الدفاع عن مدخل صبرا لجهة سينما الشرق، وأوقفوا تقدم عناصر الميليشيا عند السوق، كانت مكبرات الصوت تدعو العائلات إلى الخروج من منازلها والتجمع في الشارع الرئيسي، فيخرج المدنيون في هذا الحي، يلوحون بالأعلام البيضاء لاعتقادهم أنهم يواجهون الجيش الاحتلال الصهيوني، ليكتشفوا أنهم أمام ميليشيات لبنانية تابعة لحزب "الكتائب" أو لقوات "سعد حداد"، اكتشفوا المقابر الجماعية على امتداد الشارع الرئيسي والشوارع المتفرعة منه، وفي منتصف الطريق، فصلوا الرجال عن النساء والأطفال فبدأت النساء يولولن، لكن رشقات عدة اسكتتهن، المسيرة تتقدم، لكن من وقت إلى آخر يتم اقتياد بعض الرجال أمام أحد الجدران وتطلق النار عليهم، الجرافات تعمل، بضربة واحدة تنهار أعمدة المبنى فيسقط الركام ليدفن الجثث تحته، قرب السفارة الكويتية ومقر قيادة جيش الاحتلال أزيلت البيوت، ولم يبق سوى مقبرتين جماعيتين على جانبي الطريق. توافد الصحافيون والمصورون، وإذ صدمهم رعب المشهد راحوا يلتقطون صور المجزرة الجماعية وأكوام الجثث المنتفخة والتي تصفر وهي تشوى تحت أشعة الشمس الحارقة، وكانت آثار تقطيع الأعضاء، والحبال التي قيدتها، والثياب الممزقة، وفروات الرؤوس، وفقء العيون، تشهد كلها على العنف وأعمال التعذيب التي رافقت المجزرة، حتى الأحصنة أعدمت وكانت رائحة لا تطاق.

محاولات لإخفاء معالم المجزرة:

بالرغم من محاولة جيش الاحتلال "الإسرائيلي" إخفاء معالم المجزرة عبر استخدامه للجرافات والآليات، إلا أن الصحافة نقلت ما شاهدته وكانت مجزرة "صبرا وشاتيلا" أول مجزرة متلفزة ترتكب بحق الشعب الفلسطيني.

وقد كتب الصحافي الأميركي "توماس فريدمان" من نيويورك تايمز في حينه يقول: "رأيت في الأغلب مجموعات من الشبان في العشرينيات والثلاثينيات من عمرهم، صُفُّوا بمحاذاة الجدران، وقُيِّدوا من أيديهم وأقدامهم، ثم حُصدوا حصداً بوابل من طلقات المدافع الرشاشة بأسلوب عصابات الإجرام المحترفة".

وعندما دخل مندوبو الصليب الأحمر المخيمين، وجدوا أمامهم 3297 شهيداً منهم 136 شهيداً لبنانياً، حيث امتزج الدم الفلسطيني واللبناني. وبعد شيوع أخبار المجزرة عالمياً بدأت المطالبة بتشكيل لجان تحقيق في الجريمة، وأولى هذه اللجان التي تشكلت كانت لجنة التحقيق "الإسرائيلية" بقيادة القاضي "كاهانا"، وكما هو عادة لجان التحقيق الصهيونية لم يتم تحميل جيش الاحتلال أية مسؤولية عن المجزرة. وحملت كامل المسؤولية لضباط حزب الكتائب لكن اللجنة أوصت بعزل الارهابي أرئيل شارون من منصبه كوزير "للدفاع" بالرغم من أن اتفاقية جنيف العام 1949م والبروتوكول المتعلق بها لعام 1977م ينصان على أن تقوم الدول بمحاكمة الأشخاص المرتكبين لهذه الجرائم بصرف النظر عن جنسياتهم.

قصص يرويها ناجون من مذبحة صبرا وشاتيلا

مما جاء في شهادة المواطن الفلسطيني ماهر علي - أحد الناجين من مجزرة صبرا و شاتيلا - عن المجزرة: "رأيت عشرات الجثث أمام الملجأ القريب من بيتنا. ظننت في البداية أن القصف قضى عليهم. بدأ القصف بعد مقتل بشير الجميل، كنا في المخيم خائفين من قدوم الكتائب والانتقام منا، لم ننم تلك الليلة وكان الحذر يلف المخيم".
ويتابع ماهر وصف ما حدث ليلة السادس عشر من أيلول/سبتمبر 1982م، قائلاً: " رأيت الجثث، أمام الملجأ مربوطة بالحبال لكني لم افهم، عدت إلى البيت لأخبر عائلتي، لم يخطر في بالنا أنها مجزرة، فنحن لم نسمع إطلاق رصاص، اذكر أنى رأيت كواتم صوت مرمية قرب الجثث هنا وهناك، ولكني لم أدرك سبب وجودها إلا بعد انتهاء المجزرة. بقينا في البيت ولم نهرب حتى بعد أن أحسسنا أن شيئاً مريباً يحدث في المخيم. رفض والدي المغادرة بسبب جارة أتت للمبيت عندنا، وكانت أول مرة تدخل بيتنا. زوجها خرج مع المقاتلين على متن إحدى البواخر ولم يكن لديها أحد، فقال أبى لا يجوز أن نتركها ونرحل. كان اسمها ليلى. كانت الجثث التي رأيتها أمام الملجأ لرجال فقط. ظننا أنا ووالدي أن الملجأ كان مكتظاً فخرج الرجال ليفسحوا المجال للنساء والأطفال بالمبيت وأخذ راحتهم، فماتوا بالقصف. كنت ذهاباً يومها لإحضار صديقة لنا - كانت تعمل مع والدي - تبيت في الملجأ. كانت تدعى ميسر. لم يكن لها أحد هي الأخرى. كان أهلها في صور أراد أبى أن يحضرها لتبيت عندنا. قتلت في المجزرة مع النساء والأطفال. رأيت جثتها في ما بعد في "كاراج" أبو جمال الذي كان الكتائبيون يضعون فيه عشرات الجثث، بل المئات. كان المشهد لا يوصف !!! عندما دخل "الإسرائيليون" إلى بيروت الغربية كنا نعتقد أن أقصى ما قد يفعلونه بنا هو الاعتقال وتدمير بيوتنا، كما فعلوا في صور وصيدا وباقي الأراضي التي احتلوها. اذكر أنى ذهبت صباح يوم المجزرة - وكان يوم الخميس الموافق 16 أيلول/سبتمبر مع مجموعة كبيرة من النساء والأطفال لإحضار الخبز من منطقة الاوزاعي سيراً على الأقدامـ كان عمري 14 عاماًـ. كنا "مقطوعين" من الخبز وليس لدينا ما نأكله. رفض أصحاب الأفران يومها أن يبيعونا، كان الخبز متوفراً بكثرة ويبيعونه إلى اللبنانيين فقط. عدنا إلى المخيم فلم نستطع الدخول، إذ كانت الطرقات المؤدية إلى المخيم جميعها مقطوعة، وكان (الإسرائيليون) يقنصون من السفارة الكويتية باتجاه مدخل المخيم الجنوبي. عند تقاطع هذا المدخل وبئر حسن، كان هنالك قسطل مياه مكسور، وكان أهالي المخيم يعبئون منه الماء رغم القنص".

ويضيف ماهر: " تواصلت عمليات القتل والترهيب طوال النهار وعند حلول الليل كنا نسمع صراخاً وإطلاق رصاص. عرفنا حينها أنهم يواصلون قتل الناس ليلاً. كانوا يتراكضون في الأزقة القريبة من بيتنا، فلم نجرؤ على الخروج. عند الفجر، خرجت أختي لتتفقد الحي وترى ماذا يجري. ما إن أصبحت في الخارج حتى صرخت "بابا" بصوت مرعب ثم سمعنا إطلاق الرصاص. خرج والدي وراءها فقتل أيضا. كان عمر أختي 17 عاماً، أخي كان في الرابعة والعشرين من عمره. وزوجي في الثالثة والعشرين وابن عمي في الأربعين، أما والدي فكان في الستين، جميعهم قتلوا، جاءوا صباحاً وأخرجونا من البيت، وضعوا الرجال أمام الحائط وانقضوا عليهم بالبلطات. وانهمر عليهم الرصاص كالمطر ثم اقتادونا إلى الشارع الرئيسي و كنا نساء وأطفالاً فقط. وضعونا أمام الحائط، وما أن هموا بقتلنا حتى سمعنا "اسرائيليا" يصرخ بالعبرية. لم نفهم ما يقول، فتوقفوا عن قتلنا بعدما تحدثوا معه بالعبرية. عندها أخذونا إلى المدينة الرياضية وحبسونا عند (الإسرائيليين) في غرفة صغيرة، وكانوا طيلة الوقت جالسين معنا يشحذون البلطات والسكاكين، اخبرنا (الإسرائيليين) ماذا يفعلون بنا في المخيم فلم يهتموا. بقينا هناك، إلى أن بدأت الانفجارات. بدأت الألغام المزروعة في المدنية الرياضية تنفجر، فهرب (الإسرائيليون) إلى مواقعهم، وهربنا نحن باتجاه آخر". (انتهت شهادة ماهر علي).

ومما جاء في شهادة ناجٍ آخر من المجزرة الوحشية هو السيد محمد أبو ردينه، كان في الخامسة من عمره عندما حدثت المجزرة، يومها قتل والده وأخته وصهره، يقول محمد: " كانت أختي حاملاً عندما قتلوها. بقروا بطنها وفتحوه بالسكاكين واخرجوا الجنين منه ثم وضعوه على يدها. والدي قتل أمام بيت ابنة عمه. كنا نختبئ تلك الليلة في بيت عمي. أنا وأمي وأختي اقتادونا مع الباقين من نساء العائلة وأطفالها إلى المدينة الرياضية وحاولوا ذبحنا على الطريق. كنت صغيراً ولم أكن مدركاً لما يحدث لنا. لم أع، إلا إني كنت خائفاً جداً، وعيت المجزرة عندما كبرت بسبب الظروف الصعبة التي عشناها بعد ذلك. تدمر بيتنا في حرب المخيمات وأصبحنا بلا مأوى نتنقل من مكان إلى آخر. دخلت في ضياع تام بعد مرض أمي.

في عام 1992م جاء احدهم واحضر لها شريط فيديو عن المجزرة فرأت والدي وأختي. عندها أصيبت بجلطة في الدماغ، تحولت بعدها إلى مجرد صورة. كانت تتوه في الطرقات فاذهب للبحث عنها. كنت في حوالي الرابعة عشرة من عمري وليس لي أحد. وجدت نفسي مضطراً للاهتمام بها بدل أن تهتم هي بي، إلى أن ماتت عام 1995م.

الجلاد يلعب دور القاضي..

في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1982م شكلت حكومة العدو الصهيوني "لجنة كاهانا" في "تل أبيب" للتحقيق في ملابسات المجزرة، وقد اعترفت في تقريرها صراحة بمسؤولية رئيس وزراء العدو آنذاك "مناحيم بيغن" وأركان حكومته وجيشه عن المجزرة، استناداً إلى اتخاذهم قرار دخول "حزب الكتائب" ومقاتلي "القوات اللبنانية" بقيادة "إيلي حبيقة" وعدد آخر من لجنتها التنفيذية، إلى المخيمين وجوارهما، إلا أن اللجنة اكتفت بتحميلهم مسؤولية غير مباشرة والمطالبة بإقالة وزير الحرب "أرئيل شارون" وعدم التمديد ل"رفائيل إيتان" كرئيس لأركان الجيش بعد انتهاء مدة خدمته في شهر أبريل/نيسان من عام 1983م، وهو ما حصل بالفعل.

وكان من البديهي أن تلقي اللجنة تبعة المسؤولية المباشرة والكاملة في ما جرى على قادة ومقاتلي"القوات اللبنانية" ومن خلالهم على "حزب الكتائب" باعتبار أنهم كانوا رأس الحربة، في المجزرة والأداة التنفيذية لها.

والقادة القتلة الذين ذكرهم تقرير اللجنة هم ( إيلي حبيقة وفادي أفرام قائد القوات اللبنانية، وفؤاد أبو ناضر قائد القوات النظامية، وهو ابن أخت الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل).

لكن ضابطاً كبيراً في الأسطول البحري الأميركي الذي كانت بعض قطعه راسية قبالة شواطئ العاصمة اللبنانية بيروت ويدعى "ونستون بيرنيت" دحض مزاعم (لجنة كاهانا) من خلال تأكيده على أن "النخبة القيادية الصهيونية" في "تل أبيب" تتحمل المسئولية المباشرة للمجزرة وأن ما جرى في صبرا وشاتيلا كان جرائم حرب حقيقية. وفي تقرير رسمي رفعه إلى قيادته في وزارة الحرب "البنتاجون" عبر عن استخفافه بتقرير (لجنة كاهانا) بالتساؤل:"إذا لم يكن كل ما جرى جرائم حرب، فما الذي يكون؟". لكن من المؤسف أن تقرير الضابط الأميركي لم يحظ باهتمام مماثل للاهتمام الذي حظي به تقرير (لجنة كاهانا)، برغم أن الضابط "ونستون بيرنيت" قد سجل بدقة كاملة ولحظة بلحظة جميع ملابسات وتفاصيل المجزرة والاجتماعات المكثفة التي جرت بين كبار القادة العسكريين والسياسيين للكيان الصهيوني والقادة الكتائبيين.

وبالرغم من أن جهات رسمية وأخرى خاصة كثيرة أكدت ما جاء في تقرير الضابط الأميركي "بيرنيت" ومن بينها منظمة "هيومان رايتس وتش" التي قال مديرها التنفيذي لقسم "الشرق الأوسط" وشمال إفريقيا "هاني ميغالي": "أن هناك الكثير من الدلائل التي أشارت إلى أن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد ارتكبت على نطاق واسع في مجزرة صبرا وشاتيلا".

إلا أنه لم يتم ليومنا هذا جلب أي من المجرمين المباشرين وغير المباشرين أمام القضاء الإقليمي أو القضاء الدولي. ولقد جرت محاولات عربية وأخرى دولية غير حكومية لمحاكمة هؤلاء في لاهاي وأماكن أخرى من العالم، إلا أن الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة تمكن من إحباطها كلها.

لجنة تحقيق دولية

إلى جانب لجنة التحقيق (الإسرائيلية) كانت هناك لجنة تحقيق دولية تشكلت العام 1982م، وهي لجنة مستقلة شكلها رجال قانون بارزون من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيرلندا برئاسة المحامي والسياسي الإيرلندي "شون ماك برايد" الحائز على جائزة نوبل للسلام العام 1974م.

وتعتبر نتائج التحقيق التي توصلت إليها هذه اللجنة من أهم النتائج التي تم التوصل إليها في مذابح صبرا وشاتيلا، حيث أكدت في تقريرها أن الكيان "الإسرائيلي" يتحمل العبء الأكبر من المسؤولية القانونية عن مذابح صبرا وشاتيلا، كون (إسرائيل) قوة احتلال كانت تسيطر على منطقة المذابح وبالتالي فهي مسؤولة عن حماية السكان طبقا لاتفاقيات جنيف لعام 1949م التي وقعت عليها "إسرائيل" وأصبحت ملزمة لها.
واعتبرت اللجنة مذابح صبرا وشاتيلا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وإن مرتكبيها أو المساهمين فيها بأية طريقة من الطرق يتحملون مسؤوليتها فردياً، ومن واجب الدول معاقبة الأفراد أو المنظمات المتهمة بهذه الجرائم.

ولم تستبعد اللجنة في تقريرها أن تكون مذابح صبرا وشاتيلا جزءاً من سياسة الكيان "الإسرائيلي" التي اعتمدها منذ تأسيسه لتطهير فلسطين من أهلها، واستشهدت في هذا الشأن بالمذابح التي ارتكبتها منظمة "أرغون" بقيادة "مناحيم بيغن" رئيس الوزراء "الإسرائيلي" آنذاك "أثناء مذابح صبرا وشاتيلا في دير ياسين"، ومنظمة "شتيرن" بقيادة "إسحق شامير" العام 1948م والتي كان معظم ضحاياها نساء وأطفالاً وشيوخاً.

غياب العدالة الدولية

في الثامن عشر من حزيران/يونيو2001م قام محاميان بلجيكيان ومحام لبناني برفع قضية في المحاكم البلجيكية ضد شارون، نيابة عن ضحايا المذابح الذين مازالوا أحياء وعلى رأسهم السيدة "سعاد سرور"، موجهين له تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، حيث يخول القانون البلجيكي الصادر عام 1993م، للمحاكم البلجيكية سلطة مقاضاة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، أو ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم حرب، بغض النظر عن مكان ارتكابها، أو ما إذا كان المشتبه فيه أو الضحايا مواطنين بلجيكيين.

وقد صرح أحد المحاميين البلجيكيين الذين يتوليان القضية ضد شارون نيابة عن 28 ناجٍ من مجازر صبرا وشاتيلا من الفلسطينيين واللبنانيين، واسمه "لوك وليين" “Luc Walleyn“، أن موقع شارون السياسي لا يعطيه الحصانة من القضاء البلجيكي، حسب تقرير لوكالة رويترز يوم 21/7/2001. وأضاف "لوك وليين" أن محاكمة شارون ليست محاولة إدانة سياسية، إذ "لدينا إطار قانوني وقضية ملموسة ستسمح للمحكمة البلجيكية، كما نأمل، بمحاكمة وإدانة المسؤولين عن هذه الجريمة".
وفي فبراير/شباط 2003م أوضح قرار المحكمة البلجيكية العليا (محكمة النقض) أن بالإمكان المضي قدماً في التحقيقات في مجازر صبرا وشاتيلا، حتى إذا كان المشتبه فيه خارج البلاد، وقضت المحكمة العليا بأن أحد الذين اتهمهم أقارب ضحايا المجزرة في الدعوى الجنائية، هو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) أرئيل شارون، سوف يظل متمتعاً بحصانة من المقاضاة ما دام يشغل هذا المنصب، باعتباره المتهم الأول في مذابح صبرا وشاتيلا، استناداً إلى توافر الأدلة القاطعة التي تدينه، كما أن نصوص المواد (5،6،7،8) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تنطبق على الأفعال الإجرامية التي ارتكبها شارون ويمكن تصنيفها ومن زاوية قانونية، أنها جرائم حرب وضد الإنسانية وإبادة جماعية، فالقتل وقصف المخيمات وإبادة شعب وتجويعه وتدمير بنيته التحتية من الجرائم المعاقب عليها بمقتضى مواد قانون المحكمة الجنائية الدولية، التي بدأت أعمالها الرسمية عام 2003م.

ولكن الغريب بالأمر أنه رغم قرار المحكمة، والذي اعتبره خبراء قانونيون نصراً عظيماً لا لضحايا مجازر صبرا وشاتيلا فحسب، وإنما لجميع ضحايا الفظائع الذي عقدوا آمالهم على نظام العدالة البلجيكي؛ فإن أحداً من مجرمي الحرب الصهاينة لم يُقدَّم إلى ساحة القضاء البلجيكي، مع أنَّ المحكمة البلجيكية قضت بجواز المضي قدماً في التحقيقات ضد متهم آخر في نفس الدعوى، وهو (قائد الجيش الإسرائيلي) السابق أموس يارون. 

واستشعاراً بمخاطر القانون البلجيكي الذي أجاز محاكمة مجرمي الحرب الصهاينة قامت الحكومة الصهيونية بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية واللوبي اليهودي في أوروبا بالتصدي لهذا القانون، والعمل على تعديله بما يحمي قادة الكيان الصهيونيـ مهددين بنقل مقر حلف شمال الأطلسي الموجود في العاصمة البلجيكية منذ 1967مـ، وقد كان لهم ما أرادوا حيث تبنى عدد من النواب البلجيكيين في 12 تموز/يوليو 2003م مشروع قانون حول الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني بدلاً من القانون المسمى قانون الاختصاص العالمي.

وقد تم ذلك فور تشكيل حكومة تحالف جديدة تضم ليبراليي رئيس الوزراء "غي فيرهوفشتات" ووزير الخارجية البلجيكي "لويس ميشال"، والاشتراكيين، واقر القانون الجديد في جلسة عامة بأكثرية عريضة من 89 صوتاً ومعارضة ثلاثة أصوات وامتناع 34 عن التصويت.

وألغى مشروع القانون الجديد، القانون الصادر في سنة 1993م حول الاختصاص العالمي، وقلل إلى حد كبير الإمكانية التي كانت ممنوحة للمحاكم البلجيكية لملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، أياً يكن مكان ارتكابها وجنسية منفذيها والضحايا.
ومع بدء تطبيق القانون الجديد، لم تعد الملاحقات القضائية ممكنة إلا إذا كانت للقضية صلة ببلجيكا، وخلاف ذلك، وحدهم الضحايا البلجيكيون، أو المقيمون في بلجيكا منذ ثلاث سنوات على الأقل لدى حصول الوقائع، يحق لهم رفع شكوى، وهو ما يعني عدم إمكانية ملاحقة أياً من قادة الكيان الصهيوني المتهمون بارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، وللأسف الشديد لم تصل القضية ضد شارون أو أياً من مجرمي الحرب الصهاينة إلى حد معاقبة أيٍ منهم، وكان أن دخل شارون في 5 يناير/ كانون الثاني عام 2006م بغيبوبة وهو على رأس عمله كرئيس لوزراء الكيان الصهيوني.
شارون سجل حافل بالإرهاب والإجرام ارتبط اسم أرئيل شارون بكثير من المجازر الدَّمويَّة، ولعلَّ أبرزها مـذبحة (صبرا وشـاتيلا).

وُلد أرئيل شارون في (كفار ملال) في 27 (شباط/ فبراير) 1928م، وهُو من يَهُود بُولندا، وعاش والده في القُوقاز، قبل خُرُوجه للاستيطان في فلسطين، واسمه الأصلي آرييل صمويل موردخاي شرايبر.

وفي عام 1942م انخرط شارون في صُفُوف عصابة (الهاغانا)، وكان عُمرهـ آنذاكـ 14 عاماً، وشارك في حرب 1948م، وأُصيب في بطنه بينما كان يقوم بإحراق بعض الحُقُول الفلسطينيَّة، وانتقل للعمل في الجيش الصهيوني عقب تأسيس المسماة (دولة إسرائيل). وبعد فترة انقطاع عن الجيش قضاها على مقاعد الجامعة العِبريَّة، عاود الجيش الصهيوني سُؤاله للانضمام للجيش، وترأَّس الوحدة (101) ذات المهامّ الخاصَّة، والمُؤلَّفة من مجموعات من اللُّصوص والقَتَلَة ومُجرمين سابقين، والتي تُنسَب إليها مذبحة (قبية) شمالي القُدْس في خريف 1953م، والتي راح ضحيَّتها 70 من الفلسطينيِّيْن ؛ بينهم الكثير من الأطفال والنِّساء، وهدم أكثر من 40 بيتاً.
وفي عام 1956م عُيِّن شارون قائداً للواء المظليِّيْن، وشارك في العُدوان الثُّلاثي على مصر، وعُيِّن قائد لواء مُدرَّع في شمال سيناء، واحتلَّ ممرَّ (متلا)،

ثُمَّ خرج في أواخر عام 1957م للاشتراك في دورة قيادة في كُلِّيَّة عسكريَّة في بريطانيا.

وفي السَّنوات ما بين (1958ـ 1962م) قاد لواء مُشاة (شُعبة التَّوجيه) ومدرسة سلاح المُشاة لحرصه على التَّرقِّي في السُّلَّم العسكريّ، مع كُرهه لهذا الموقع المُجبَر عليه، ما أدَّى إلى حُصُوله على رُتبة عقيد قبل الثَّلاثين من عُمره، رغم كراهيَّة قيادته العسكريَّة له ؛ لإفراطه في الكذب، وعدم تقديم تقارير ذات مصداقيَّة، إلاَّ أنَّه كان يحظى بدعم بنْ غُوريُون ورعايته ؛ حيثُ كان يعتبر الرَّجل الأكثر أهمِّيَّة في الجيش الصهيوني بعد رابين، ولم يستأنف شارون تقدُّمه في الجيش إلاَّ بُعيد تعيين إسحاق رابين رئيساً للأركان العامَّة من قِبَل ليفي إشكول، وقد عيَّنه رابين قائداً للواء الشَّمال، بطَلَب ودَعْمٍ من بنْ غُوريُون، وبعد ذلك بعامَيْن ؛ عيَّنه رئيساً لدائرة الإرشاد في الجيش، في هذه الوظيفة حصل على رُتبة جنرال، وفي عُدوان حزيران/ يونيو 1967م شارك شارون في العُدوان كقائد فرقة دبَّابات مُدرَّعات، وقد أكسبتْهُ تلك الحرب صيتاً واسعاً.

وبعد الانتخابات للكنيست العاشرة 1980م، تمَّ تعيين شارون (وزيراً للدِّفاع)، وفي كانون الثَّاني/ يناير عام 1982 انتهت رئاسة الأركان العامَّةـ بناءً على طلب شارونـ من بلورة خُطَّة اجتياح لُبنان (عمليَّة أُورنيم)، والتي ارتُكبتـ خلالهاـ المذابح المُروِّعة بحقِّ الفلسطينيِّيْن، واللُّبنانيِّيْن.

وفي أعقاب مجزرة صبرا وشاتيلا، التي قامت بها قُوَّات الاحتلال وأعوانها من اللُّبنانيِّيْن، وبعد تقرير لجنة كهان، اضطُرَّ شارون إلى استقالة من منصبه كوزير للدِّفاع، لكنَّه بقي في الحُكُومة كوزير بدُون وزارة، ثُمَّ تمَّ تعيين شارون وزيراً للصِّناعة والتِّجارة فيما سميَّ (حُكُومة الوحدة الوطنيَّة) بعد الانتخابات للكنيست الحادية عشرة (1984م).
وفي الثَّاني من (أيلول/ سبتمبر) عام 1999م، انتُخب شارون رئيساً لحزب اللِّيكود بأغلبيَّة 53 بالمئة من المُصوِّتين من أصوات أعضاء اللِّيكود.

وخلال اقتحامه للمسجد الأقصى المُبارك في الثَّامن والعشرين من (أيلول/سبتمبر) عام 2000م، أعلن شارون أنَّ (لكُلِّ يَهُوديٍّ الحقَّ في أنْ يقوم بزيارة الحَرَم الشَّريف)، وهي الخُطوة التي شكَّلت السَّبب المُباشر لاندلاع (انتفاضة الأقصى).
وفي عام 2001م تولَّى شارون منصب رئاسة الوزراء تحت شعار (دعُوا الجيش ينتصر)، وأعلن الحرب المفتوحة على الفلسطينيِّيْن، والتي أسفرتـ خلال خمس سنوات من العُدوان المُتواصلـ عن استشهاد أكثر من خمسة آلاف فلسطينيّ، بينهم أطفال ونساء، وإصابة أكثر من 50 ألفاً آخرين...

ومنذ يوم 5 يناير/ كانون الثاني عام 2006م، ادخل شارونـ وكان يتولى وقتها منصب رئاسة الوزراءـ المستشفى اثر إصابته بغيبوبة تامة عقب سكتة دماغية، وقد ثارت شكوك مؤخراً حول موته إلا أن الحكومة الصهيونية نفت ذلك.

وأعلن موقع "القناة الثانية" للتلفزيون (الإسرائيلي) يوم الأربعاء (22 أيلول/سبتمبر) الماضي أن شارونـ تجاوز 82 عاماً من العمرـ غادر المستشفى التي كان يرقد فيها منذ (يناير/ كانون الثاني) 2006مـ في حالة موت سريريـ إلى مزرعته في منطقة النقب.

الحواشي:

* لمزيد من التفاصيل حول هذه المجاور أُنظر مقالنا المنشور في الموقع، تحت عنوان: (العنف والإرهاب الصهيوني.. أساليب وأشكال متعددة في القرن العشرين.. الجذور والدوافع والغايات).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى