أنُودّع أم نُحَيّي؟ في وداع 2020
مَضَى فودّعتُهُ - عِشْرينَ عِشْرينا
والطَّرْفُ يَرْمُقهُ: يا عامُ يَكْفينا
حاولتُ أرفعُ كَفِّى كي أُشَيّعَهُ
فأمْسَكَتْها بُحورٌ مِنْ مَآسينا
مِنْ أيِّ عَهْدٍ كَسرْتَ القَيدَ، جِئتَ لنا
مُـحَمّلاً بِعيونِ الشَّرِّ، مَدْفونا
وَقفتَ منتظراً عبرَ القُرونِ، وما
أراكَ ثانيةً تأتي رَوابينا
أعْدَدتَ ما لم نكنْ نَدري فَجُدتَ لنا
لـمّا أتيناكَ بالسُّوأَى فَناجينا
كأنّما تَطلبُ الثأرَ القديمَ بنا
جَعلتَنا دونَ مَنْ مرُّوا قَرابينا
أخَذتَ مِنّا الأُلى كنّا نُحبُّهمُ
وكِدتَ مِنْ بَعدِهمْ - يا عامُ - تُرْدينا
كُنّا نَبيتُ فلا نَدري أتُدْرِكُنا
شمسُ الحياةِ؟ أمِ الأجْداثُ تُؤْوينا
كُنّا نَبيتُ فلا نَدري أنَلْبسُها
ثيابَنا؟ أمْ هِيَ الأكفانُ تَطْوينا
وحينما يَنظرُ الصُّبحُ الجميلُ لنا
نَقولُ: أَهْوَ يُـحَيِّى أمْ يُعَزّينا
ماذا سَنَذْكُرُ في عِشرينَ مِنْ وَجَعٍ
مَوتُ الأحِبّةِ أمْ نَوحُ المُصابينا
ماذا سَنَذْكُرُ في عِشرينَ مِنْ ألَمٍ
فَقْدُ الوظائفِ، أمْ فَيروسُ كُورونا
ماذا سَنَذْكُرُ في عِشرينَ مِنْ حَزَنٍ
حُروبَهُ، أمْ نُزوحاً لِلْملايينا
أمِ انهيارُ التجاراتِ التي نَشَأتْ
منذُ عُقودٍ، فما عادتْ تُلَبِّينا
أمْ غيرَ ذلكَ مِمّا لستُ أذكُرُهُ
ولا أسوقُ لِـمَا أخْفِي بَراهينا
لَـمّا أتانا شُباطٌ، في مَطالِعِهِ
صِرْنا نُسِاءِلُ: هلْ قدْ جاءَ كانونا
أكنتَ مِثلَ شُهورِ الدّهْرِ في عَدَدٍ
أمْ أنَّ شَهْرَكَ وازاها بِسَبْعينا؟!
وبعدَ أنْ أكْمَلتْ بِالشعرِ قافِيتي
سَمعْتُ صَوتاً خَفيًّا مِنهُ يأتينا
يَقولُ: مَهْلاً! أَزِلْ بعضَ الغَشاوةِ مِنْ
عَينيكَ؛ حتّى تَرَى مِني رَيَاحينا
نَعَمْ، مَصائبُ قدْ حَلّتْ بِكمْ كُثُرٌ
ولكنِ انْظُرْ، تَرَى في الأُفْقِ مَكْنونا
إياكَ أنْ يَسْتحلَّ الشُّؤمُ نَاحيةً
مِنْ مُقْلتيكَ، فَتَبقَى الدَّهرَ مَسْجونا
أَطْلِقْ جَناحَك، لا تَـحْبِسْه في قَفَصٍ
حَلِّقْ ، وَطُفْ، وَتَنَقّلْ في الميادينا
فكلُّ نازلةٍ في بَطْنِها حَمَلَتْ
شَرّا وخَيرًا؛ فَـنَمُّوا ما تُريدونا
فقَبْلَكُمْ كَمْ أصابَ الدهرُ مِنْ أُمَمٍ
وبَعْدكمُ ليسَ للأقوامِ تَحْصينا
ومَنْ تأمّلَ في الدُّنيا رأى حِكَماً
وأكْسَبَتْهُ بَلاياها مَوازينا
تَنْمو المعارفُ؛ والأحْداثُ تُنْضِجُها
فيَنبُتُ العقلُ إبْداعاً وتَـمْرينا
لولا الحُوادِثُ تَأتي كَي تُلَقِّحَكُمْ
لَمـَا اجْتهدتُمْ وأنْتَجْتمْ قَوانينا
لولا الحوادثُ ظَلَّ العَقلُ في خَـمَلٍ
ومَا رَعَى العِلمُ في العَلْيا بَساتينا
ولَا تَذَوَّقْتُمُ اللَّذَّاتِ عَافِيةً
ولمْ يَكُنْ لِكرامِ النّاسِ تَبيينا
في كُلِّ بَيتٍ مِنَ الخيراتِ آنِيَةٌ
ما بالُـهُمْ لا يَرَونَ الخيرَ مَيْمونا!!
فَهَاهُمُ وَلجَوا العامَ الجديدَ، وهُمْ
قَدِ ارْتَدَوا مِنْ ثِيابِ العَيشِ تَزْيينا
وَعَظْتَ يا عامُ، بلْ عَلّمْتّنا عِبَراً
لَو لمْ تكنْ منكَ إلاّها سَتَكفينا
نُريدُ نَنْسَى، ولا نَمْضي بها قُدُماً
فالذكرَياتُ إذا لم نَنسَ تَكْوينا
نُريدُ نَنْظُرُ؛ فالآتي به أملٌ
كما ظَمِئْنا؛ غداً يَسْقِي ويَرْوينا
فاحْمِلْ بقلبك أزهارَ الحياةِ، ودَعْ
شَوكَ المصائبِ، فالآتي سَيُسْلينا
انْسَ الذي مَرّ، وانْظُرْ لِلذي قَدِما
ألَا تُحَيّونَ مَنْ أضْحَى يُحَيينا