حوار خاص مع الدكتور حيدر ابراهيم
– *بداية من هو الدكتور حيدر إبراهيم؟
– هو مواطن سوداني ولد في أسرة بسيطة عمل الوالد شرطيا والجد جنديا في جيش الاحتلال ثم تحول الي فكي (فقيه) القرية وكان له فضل أن أورثني حب الاطلاع وبعض صوفية «علمانية». كان الميلاد اثناء الحرب العالمية الثانية بالتحديد 11/5/1943 وقسى عليّ الدهر لكي اعيش كامل حرب الوطن الاهلية من اغسطس 1955 وليتني لم اعش لاري ذلك اليوم11 يوليو2011 انفصال الجنوب. عملت بالتدريس بعد تخرجي من كلية التربية (معهد المعلمين العالي) 1966حتي 1971 ثم جذبتني نداهة الغربة والهجرة فكان المنفي بدأ بسبع سنوات في فرانكفورت-المانيا حيث حصلت علي درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم الاجتماعي. واعتبر 1971 ميلادي الثاني أو بالأصح الميلاد الروحي. وكانت التغريبة في الاقطار العربية-من الماء الي الماء- في تجارب حياتية تعيسة اكثر من المبهجة وفي كل الاحوال مفيدة وذات دروس ضرورية. وفي 1991 أسست مركز الدراسات السودانية في الرباط والقاهرة. وقد وجدت في التجربة ذاتي وبالتحديد اختلست قدرا من الحرية يحمي من الموت غما. وما حدث في السودان بعد الانقلاب الاسلاموي-يونيو 1989 اصابني بالاصولية-فوبيا وهي ليست مجرد مخاوف وهواجس وفزاعة كما يتنطع بعض المثقفين هذه الايام في تملقهم وخضوعهم لابتزاز الاسلامويين. فقد عشت ورأيت كيف يحكم الاسلامويون المنفتحون منهم مثل الشيخ الترابي. هذه وقفة هامة لانني منذئذ لم اتوقف عن الكتابة عن هذا الوضع الذي اتمني الا يتكرر في بلد عربي.
– * باعتباركم من رواد علم الاجتماع في العالم العربي, مار أيكم في انتاجات العلوم الاجتماعية العربية وهل تعني من أزمة منهج؟
– دعني أبدأ بجذر المشكلة والإشكالية معا: علم الاجتماع علم غربي وليد الثورة الصناعية والبورجوازية، وعصر الأنوار(التنوير)، والثورة الفرنسية1789، والإصلاح الديني(البروتستانتية). لذلك، كانت ركائزه هي: العقلانية، والعلمانية، وفكرة التقدم. هل نمتلك هذا المخزون التاريخي والفكري؟لابد من القول بأن الأفكار سرعان ما تصبح انسانية وملكا للبشرية وسريعة الهجرة خاصة مع تعولم العالم الكاسح. والبداية هي الإقرار بأن علم الاجتماع مستزرع وآتي من الخارج مثل الدولة، والاقتصاد، والمجتمع المدني وغيرها من المؤسسات الحديثة. وهذا ليس عيبا في حد ذاته، ولكن الخلل في قبول التبعية وعدم توطين هذه المعرفة بحيث تكون قادرة علي فهم الظواهر بمنهجية، وعلمية، وموضوعية بلا تحيزات وأحكام مسبقة. وهنا نحذر من التدليس والتزييف العلميين، مثل وضع ملصقات علي معرفة موجودة قبلا كالقول: علم الاجتماع الإسلامي أو الاقتصاد الإسلامي. وذلك دون الوصول إلي نظريات أصيلة وجديدة، ولا الاتيان بمناهج مبتكرة. الملاحظة الثانية: المجتمعات المتخلفة تنتج بالضرورة فكرا متخلفا. ويظهر ذلك في كل العلوم الاجتماعية والإنسانية وحتى الدينية أو بالذات الدينية- كما يظهر في كثير من الفتاوى والتأويلات. وفي الحالة الأخيرة ابتعد الفقهاء عن الإصلاح والتجديد رغم الجوانب التقدمية العديدة في اصول الدين. هناك صعوبة- حتى إشعار آخر- في قطيعة فكرية تسمح بانتاجات مميزة في العلوم الاجتماعية في البلدان العربية. ويكتفي علماء الاجتماع في كثير من الأحيان بإعادة إنتاج المناهج وهذه هي الأزمة. تطور العلوم عندنا متخلف، والمتلقون قلة لأن نسبة الأمية الأبجدية عالية، كما تنتشر الأمية الثقافية بين المتعلمين كما يظهر في نسب استهلاك المواد الثقافية.
– هل العرب قادرون على صياغة مناهج ملائمة للخصوصيات الثقافية والاجتماعية العربية؟
– بالتأكيد نعم بشروط أهمها الاحتكاك بالعالم ومتابعة آخر تطورات المعرفة في العلوم الاجتماعية وفهمها نقديا. تجئ بعد ذلك مسألة المقصود بالخصوصيات الثقافية والاجتماعية بطريقة علمية لا تقع في الايديولوجيا. ويجب ألا تكون الخصوصية حيلة يقصد بها العزلة والبعد عن المستجدات في العالم، والخوف أو اقصاء الآخر. فهناك
فوبيا من الجديد تبرر بأن الخصوصية تستوجب رفض الكثير مما قد يضر بنا عقديا. وهنا تبرز نظريات المؤامرة والاستهداف التي نتسلح بها لصد الجديد.
– سيدي الكريم لماذا هناك اهتماما كبير بترجمة الكتب الأدبية الغربية , لكن في المقابل نجد أزمة ترجمة في العلوم الاجتماعية ؟
– الاهتمام لدي القراء والتوزيع يحددان خطط الترجمة. ولأن الاهتمام والذائقة العربية-لحد ما- يميلان إلي اختيار الكتب الأدبية. ولكننا مطالبون في العالم العربي بالاهتمام بالعلوم في كل التخصصات. لدينا تضخم واضح في كل أجناس الأدب وفقر شامل في العلوم التطبيقية مثلا. لابد من تدخل الدولة خاصة تلك التي تحاول بناء مجتمع حديث.
– سيدي الكريم لننتقل إلى المجال السياسي : هل من قراءة سوسيولوجية للربيع العربي؟
– تري القراءة السوسيولوجية للربيع العربي أن الشباب كانوا القوة الاجتماعية الرئيسية التي حركت الشارع رغم عدم دورهم المؤثر في العملية الإنتاجية، ولكنها فئة اجتماعية نشطة وديناميكية. وهذا يذكرنا بثورة الشباب في أوربا الغربية عام1968 والتي كانت من أهم شعاراتها: كن واقعيا وأطلب المستحيل! وقد كانوا اتقياء وصادقين مثل شباب التحرير وكل الساحات العربية الاخري، ولكن تحالف القوى المحافظة اختطف الثورة. اتذكر في أوربا انتجت الثورة الشبابية ما عرف باليسار الجديد والذي أعلن أن الطبقة العاملة لم تعد الطليعة الثورية فقد تمت برجزتها في المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي الساحق. وأعلن ميلاد الشباب والطلاب كطبقة بديلة صاعدة ليس لديها مصالح مع الرأسمالية تجبرها علي المساومة والتفاوض، ولا امتيازات حقيقية أو ممكنة تخاف علي فقدانها. وسرعان ما تم احتواء الثورة فلجأ البعض للعنف الثوري أو الإرهاب بلغة اليوم: بادر ماينهوف في المانيا، والالوية الحمراء في ايطاليا، والجيش الأحمر في اليابان. وهرب كثيرون إلي أديان آسيوية أو إلي
الهاش(الحشيش)المتوفر هناك. وذهب آخرون للالتحاق بثورات بعيدة مثل ريجي دوبرية في امريكا اللاتينية ثم بعد تجربة السجن تراجع عن كل شئ. ودخل كثيرون في المؤسسات التي ارادوا تحطيمها في شبابهم حسب شعار: نحطم ما يحطمنا! يقصدون المجتمع الرأسمالي ومؤسساته من دولة وحتى الأسرة البورجوازية المحتوى. ودخل(كوهين الأحمر)احد القادة المشهورين، البرلمان الاوربي ممثلا للخضر: مؤسسة الثوار السابقين. واصبح(فيشر)وزيرا للخارجية الألمانية لفترة!
يسيطر علي هذا المشهد وتطوره حين الاحظ واتابع ما يعيشه شباب التحرير في مصر من احباط نتيجة لما اسفرت عنه الثورة من برلمان منتخب، وما يتعرضون له من ملاحقات وتهم وقضايا هزلية. وهم يتعرضون لعملية تيئيس منظمة تنسقها كل القوى الرجعية والمحافظة. وفي تونس تطلق يد العناصر السلفية –وهذه ليست "فزاعة"أو وهم بل ممارسات يومية ملموسة نجدها في جامعة منوبة، ومحاكمة قناة نسمة، وفي زيارة السلفي المصري وجدي غنيم الذي لم يكتف بالدعوة للخلافة بل طالب بختان الإناث!يتم حصار الشباب وافقادهم الأمل في التغيير الحقيقي وفتح الباب امام الثورة المضادة في شكل دكتاتورية مدنية تستغل البرلمان والاغلبية في شرعنة القمع والفساد المقدس هذه المرة.
– عد نجاح الثورات العربية في إسقاط الأنظمة الاستبدادية, فهل نحن قادرون على بناء دول ديمقراطية تعددية. ؟
– العرب غير قادرين علي بناء دولة ديموقراطية مستدامة –قد تكون مؤقتة- وذلك بسبب التاريخ والثقافة. فنحن لم نعرف الدولة الديموقراطية طوال تاريخنا بل عشنا تنويعات علي معزوفة الاستبداد الشرقي لم يتغير فيها اللحن الاصلي: القمع وتهميش الشعب أو الامة. كما أن ثقافتنا لم تمارس الاختيار بسبب عقل القطيع ، واجتماعية الطاعة والضبط. وشرط الديموقراطية الاختيار والفردية غير الانانية. يمكن تقسيم المجتمعات والشعوب والثقافات العربية الي ثلاث فئات: واحدة: ترفض الديموقراطية والحرية خشية الفتنة أو الفوضى والانحلال. الثانية: تميل للحرية (أو رفض التقييد) وتضيق بالديموقراطية . قد يكون المثال اللبنانيون والسودانيون يضيقون من ضوابط المؤسسة الديموقراطية وفي نفس يرغبون في حياة طليقة. والفئة الثالثة والتي تشكلت حديثا من الكتلة الإسلاموية المنتشرة في الفترة الأخيرة. فقد تحمست فجأة للديموقراطية لأنها احست (one man one vote!) بقوتها العدد، فتبنت ديموقراطية ويستمنسترالغربية: صوت لكل شخص.
فهي تري الديموقراطية مجرد آلية للتداول السلمي للسلطة مفرغة اياها من أي مضمون فلسفي خاصة ما يتعلق بالحريات بالذات حرية العقيدة (مثل الحق في تغيير الدين والمعتقد) وحرية التعبير(ضمنها نشر كتب مثل اولاد حارتنا، وانتاج افلام حرة). فهي ترغب في استيراد آليات الديموقراطية مثل الاحزاب والبرلمان بدون الحريات. وهذا يشبه استيراد الآلات والمكينات والادوية بدون التعامل مع العقل العلمي الذي يقف خلفها.
لسنا قادرين علي بناء دولة ديموقرطية تعددية حقيقة لأنها ستكون منزوعة من دسم الحرية أوالحريات عموما.
– هل انتم متفقون مع القائلين بان المستفيد الوحيد من الربيع العربي هم الإسلاميون؟
– أما أن الإسلامويين هم المستفيدون الوحيدون من الربيع العربي ، فهذا علي المدي القصير. الإسلامويون معارضون جيدون ولكنهم حكام فاشلون وسيئون حين جربوا في السودان، وايران، وباكستان ضياء الحق، وافغانستان طالبان. وهنا مشكلة منهجية يقولون ان الحركة الإسلامية ليست شيئا واحدا ولكنهم هم الذين يتحدثون عن الصحوة الإسلامية بلا تمييز ويهللون لانتصار أي حركة إسلامية في أي مكان ويفتخرون بذلك. وسوف يواجه الاسلامويون – حين يحكمون- مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية معقدة لن تحل بالتعاويذ والرقى أو الشعارات؛ ولكن بالتخطيط والفهم العلمي للواقع الواقع وليس المتخيل أو الافتراضي. مشكلة الاسلامويين أنهم تركوا مستقبلهم خلفهم ولهذا تتغلب علي فكرهم الماضوية رغم الحديث النظري عن الأصالة والمعاصرة ولكنهم لم يحلوا المعادلة الصعبة بعد.
– ما هي السيناريوهات المقبلة لما بعد الثورات العربية؟
– لابد من ثورة في الثورة وان طال السفر.