زُمارين والليلك ...
البحر يركض إلي وأنا أتتبع طريق الشوق بشفتين مغمضتين.. وسرعان ما يتراجع..
وشقائق النعمان التي لا تزال تخجل من فتح كل تويجات حضارتها أمام ذكورية كانون
وبقايا الصخر الذي يدأب على الاحتفاظ بدلالاته التاريخية ساجدًا لرائحة من مروا من هنا
ورائحة كانون تعبق على شفتي المكان كأني ما عرفتها في أبجدية حواسي
حين تغفو وتستيقـظ صور ليلكية في ارتياح الجسد...
وبينهما مسافة لا تبعد عن التصاق البحر بثغر السماء..
نظر إليها .. وراحت من بعد نظراته تزفر!!
– ما الذي حدث ؟؟ تغرس أسنانها في سؤال يتمرمر في المريء
– اعذريني !! ويلقي بصره في الجهة التي ليست هي هناك
أغمضي عينيك؟؟ اقتربت منه..
افتحيها الآن..
– انظري..
– ما هذا الصندوق؟؟؟ ودهشة مرتقبة ترصدها في صوته المراوغ
– انه شيء من رائحة وجودي وسبب إبصاري النور في دنيا ألليلك ... لحمايتي فوق هذه الأرض!!
– أتحملك إرثاً لتحتمي بـه ؟؟؟ أولا تعلم أن النظر في نور الملائكة عبادة والصلاة في مقامات الأولياء شرف الانتصار؟؟ أم انك اتبعت دينا جديداً؟ أو انك على دين تليد؟؟
صابون الراعي الذي يرتفع عن الأرض بعضا من السنتيمترات، وأصابع النرجس التي تسبح لله، والبحر الذي يبعد عنا كبعد أصابعي عن شفتيك العابثتين..
ورغبة تغمرني بتطويق المكان وإرجاعه إلى أصلانيته التي ما تبقى لها سوى زفرات من الذاكرة المؤرخة ، وزمارين التي تشهد براعي صابونها ونرجسها الأبيض... ماذا سأفعل مع كل هذا؟؟
أتريديني أن احذف من تاريخ هذه الأرض ديانتها الأصلية وتاريخ أمتها التي استوطنت مسامات العري ؟؟ وهل للنرجس الليلكي أن يسقى بماء غير طهور؟
كيف يمكن تلاشي أنين الامتلاك ...كأنه ما مر وما كان؟؟
وحواسي أصبحت ماءً وهواءً وتراباً!!
والليلك شاهد على حوافي زمارين... وعلى حوافي رموشي المتليلكة بالشوق
كيف يمكن أن يتراجع البحر ويهرب؟؟ وهو قبل هذا الزمان كان يصهل بين أصابعي؟
كيف يمكن زيارة الأماكن المقدسة، والتوضؤ بنور الله على بعد سبع سماوات، وإقامة الصلاة وألا تكون أرضا مهادا نصلي فوقها؟؟
كيف؟؟؟
وسنوات الانتداب التي غمرت جنون تفتحنا ومطالبتي للحرية
كانت أحلامي أن أمسد ثناياي على أكف النرجس والليلك، والخروب المجيد يحمي خجلي كوردة بين أصابع العاشق الذي ما خاطبت شفتيه أي لغة أخرى !!
وتحملنا الأرض فوق كفيها كضوءٍ في العراء
وأنا وأنت..
فيصبح اللقاء ساعات واجفة من التلاشي
وعيناك اللتان إلي اقرب من ألكينا إلى صنوبر الجبل
وشيء منك إلي اقرب من الراعي إلى صابونه...
كيف يمكن ذلك؟؟
والليلك كان بين أصابعك جامحٌ...
إلهي...
نهر الشوق الذي مررنا به معاً فوق إحساس من شوق ورغبة توقفت عند حدود الجسر الخائف من الاخضرار ، فوق كل الروابي التي غيرت معالم المكان وغيرت معها كل أنماط دوران الكرة الأرضية...
والعقارب التي مرت كأنها ما مرت، كأنها ما كانت..
مرت هذه المرة فوق كل الأحاسيس التي تهجرت وما تركت لي سوى تهجدات الصخر الدامي...
هناك حيث تقدم أنات الشوق قرابين لله …
سأغادر بهدوء
لأني أديت فرائضي
وحفظت تراتيل الألم عن ظهر قلب
اشعر أنني أقف عند حافة الورقة
ارتجف حبراً
لان هذيان اللقاء افقدني رشد التصور..
وهكذا ينكفئ ضوء الشوق فيعود أسراب حمام مهاجر إلى السراب، ففي كل الزيارات التي نؤدي بها مناسك الطوفان حول بقاع الأرض، نكتشف أن المكان ركام ذاكرة مهجرة... فالأرض لا تخون راعي شؤون الله في الأماكن المقدسة..