قضية الإنتاج السينمائي المشترك
أعرف أمل الجمل منذ خمس سنوات، ففي أواخر شهر يونيو سنة 2004 اتصلت بي في البيت. أخبرتني أثناء حديثها التليفوني أنها قرأت روايتي «الشبكة» وأُعجبت بها، وأنها تعمل على تحويلها إلى سيناريو للسينما، وتُريد أن تلتقي بي لتسألني عن بعض الأشياء التي جاءت فيها، وهو العمل الذي حصلت عنه على جائزة «لعبد الحي أديب» لسيناريو في مهرجان الأسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط الأخير.
وافقت على هذا اللقاء فالحماس الذي حدثتني به عن الرواية كان بالنسبة إليَّ تجربة نادرة سعدت بها. منذ ذلك الوقت نشأت بيننا علاقة صداقة أعتز بها. ذلك أنني وجدت فيها إنسانة حساسة، ونموذجاً للمرأة الشابة التي تشق طريقها في المجال الصعب، والوعر للفن السينمائي، ولأنها عشقته، وقررت أن تستغني من أجله عن مجالات آخرى أسهل، وأضمن من حيث تحقيق المكاسب المادية. كرست أهم جهودها للدراسة، والبحث، والنقد، والكتابة السينمائية فجعلتني أتوغل معها في كثير من النواحي الخاصة بهذا المجال.
أنا متحيز لها، ومن دواعي تحيزي ذلك الكتاب الذي صدر لها في أواخر شهر أكتوبر الماضي تحت عنوان "أفلام الإنتاج المشترك في السينما المصرية"، ليس لأنني من قارئي البحوث عن الإنتاج السينمائي في مصر، أو من الدارسين لتطوراتها، لكن لأنني عاصرت مختلف المراحل، والصعوبات والجهود المتعلقة بإعداد وكتابة الرسالة التي حصلت عن طريقها على درجة الماجستير سنة 2007 وهى الرسالة التي طورتها وغيرت فيها لتُصبح الآن كتاباً قرأته.
أعرف أن رفوف وخزائن الجامعة والأكاديميات والمعاهد في بلادنا مزدحمة برسائل ماجستير ودكتوراة قيمتها العلمية أو الفنية ضئيلة، أن البحوث المبذول فيها فكر وجهد حقيقي نادرة، بل زادت ندرتها على مر السنين رغم كثرة عددها، أن أغلبها يتم تمريرها لأسباب يصعب تحديدها. لكن "أمل الجمل" اختارت الطريق الصعب، طريق العمل أياماً وليال متتالية لمدة سنوات بدأت في عام 1998، طريق التدقيق في كل معلومة وردت في البحث الذي قدمته، طريق التردد مراراً على الهيئات والمراكز للتنقيب في الوثائق والمطبوعات المتعلقة بموضوعها، طريق الإصرار على وجهة نظرها الناقدة للأسلوب الأكاديمي الجامد الذي يفصل بين مجالات المعرفة فيقتل الإبداع وينفي النظرة الشاملة.
بذلت جهداً لأقرأ هذا الكتاب فهو كما قلت ليس في المجال الذي تعودت أن أُكرس له جهودي. مع ذلك أدركت أنه مرجع مهم سيدخل في تاريخ الكتابة عن السينما المصرية، زاخر بالمعلومات عن جوانب من تطواراتها، يتسم بالإتزان في الحديث عن قضية الإنتاج السينمائي المشترك التي أثارت سجالاً حامياً بين المهتمين بشئون السينما، وفرقعات صحفية كان طابعها في أغلب الأحيان إثاري.
بعد ذلك يكفيني أن أقول ما قلته، وأن أترك المجال لكتابات من هم أعلم مني بقضايا الإنتاج السينمائي في مصر، بما تحقق فيه من نجاحات، وما اعترض طريقه من عثرات.