الاثنين ١٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم شريف حتاتة

هل يصنع المال إبداعاً وثقافة؟

انشغل مجتمع النخب الثقافية في الفترة الأخيرة بأنباء المساهمات المالية الضخمة الآتية من بلاد النفط. فبعد أن غزت هذه البلاد المشروعات العقارية، ودخلت مشترية في مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، والعقارية المُعدة للبناء في القاهرة وغيرها، وبعد أن فرضت سيطرتها على قطاعات واسعة من الإعلام المرئي والمكتوب قررت أن تدخل بثقلها في مجالات الثقافة والعلم والإبداع.

وأنا لست ضد المال، ولا أنكر أهميته خصوصاً في عصرنا هذا. لولاه لما استطعت أن أعيش، أن يكون لي سكن، أن تكون لي سيارة، وأعوان يسهلون عليّ حياتي. فرغم أنني أحيّا حياة تعتبر متواضعة مقارنة بأقراني من المثقفين والمهنيين لما استطعت أن أبقى على قيد الحياة حتى الآن، وأهم من ذلك أن أقضي ساعات في القراءة والكتابة وتأمل الحياة الدائرة من حولي.

لكن رغم ذلك عندما شاهدت ردود الفعل التي حدثت في صفوف بعض النخب الثقافية، والتي يتم تطعيمها بين الحين والآخر بنخب آخرى يُقال عنها شبابيّة، عندما تأملت ذلك المثقف البارز الذي كاد من شدة الفرح أن يقفز من الطائرة التي استقلها عائداً من مهرجان من المهرجانات إلى الوطن لأن الأمير "محمد بن راشد آل مكتوم " سيُقيم مؤسسة بمليار دولار لتدعيم الثقافة والعلوم في البلاد العربية، وقرأت عن " الحرب الدائرة حول جائزة بوكر العربية " ثم تتبعت التهليل الصاخب الذي قوبلت به هذه المبالغ المالية الضخمة لم أشعر بالفرحة الطاغية التي شعر بها غيري. لا لأنني لا أدرك أن الأموال مهمة لإقامة مشاريع ثقافية وإبداعية، لكن لأنها أثارت في ذهني بعض التساؤلات القلقة.

التساؤل الأول هل المال قادر على خلق ثقافة، وعلم، وإبداع متقدم، أم أن الإنتاج في هذه المجالات الهامة انعكاس للمجتمع، ومدى تطوره وتطور مفكريه ؟ هل يستطيع المال أن يصنع الأوضاع الملائمة لازدهارها ؟ هل مظاهر الإنتاج العلمي والثقافي والإبداعي التي نشاهدها في بلاد أخرى سببها وفرة المال وحده أم أن هناك أصلاً تطور تاريخي واجتماعي وفكري أدى إلى قدر من الخصوبة في هذه المجالات؟ هل التقدم العلمي في الولايات المتحدة مثلاً، أو التقدم الإبداعي في أمريكا اللاتينية مجرد مسألة مالية أم هناك حركات اجتماعية وفكرية ونخبوية تولدتا عنها ؟

إذا كان هذا هو الوضع فلست متفائلاً بهذه الأموال. إنها لن تؤدي في رأيي إلى تقدم في الأوضاع، بل ربما إلى نشوء ما هو أسوأ منها، إلى استشراء الفساد والتناحر حول المال بشكل مخيف، إلى نشر قيم الفساد على نطاق أوسع كما هو الحال في الإعلام، إلى تدعيم نفوذ بعض النخب العُليا المسيطرة على حياتنا الثقافية، والعلمية، والإبداعية، وإلى إقصاء كل صوت لا يتمشى مع ما يراه القائمون على هذه المشاريع المالية الكبرى.

فطالما أن الأوضاع، والقيادات باقية على حالها لن تُكرس هذه الأموال إلا لأغراضها، لمصلحة أصحابها، ومن يدور في فلكهم حتى وإن وُجدت بعض الإستثناءات بهدف تحقيق قدر من المصداقية. فالعبرة بمن سيقوم بتنفيذ المشاريع، أو توزيع الأعمال، ولنا في الأوضاع الحالية ما يكفي لكي ندرك ما يمكن أن يحدث.

هذا المقال لا يقصد به كاتبة الإساءة إلى شعوب دول الخليج، ولكن التأكيد أن الأموال والجوائز ليست السبب في التطور الثقافي، أو العلمي. أنا أعتقد خلافا لرأي الكاتب أن الأموال عامل مهم جدا في التطور العلمي إذا استخدمت لهذا الغرض وبدونها لا أبحاث علمية، ولا مختبرات، ولا جامعات متطورة ولا مستشفيات حديثة الخ. المهم كيف نستخدم الأموال، وفي أية مجالات. في أمريكا المال هو سيد الموقف في الثقافة، والعلم ، والإعلام، الصحافة يسيطر عليها كبار الأغنياء ويحددون سير المواطنين وكيف يفكرون حسب كبار الاحتكاريين. لا أحد ينكر أن الأموال الخليجية العائدة من النفط قد أفادت العرب في مجالات عدة ولكننا أي العرب لا زال أمامنا الكثير من المشاريع التي يمكن أن نسخر هذه الأموال لإقامتها، وعلى رأسها تطوير جهازي الصحة والتعليم في كافة الدول العربية (عادل سالم - ديوان العرب).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى