ملكوت الضياع
على المَصْطبةِ الخَشبيّة
وضعَ أبي قميصَه المُبلَّلَ بالعرق
وحملقَ في وجهِ والدتي،
وصرخَ بها...
كانتْ أصواتُ المآذنِ تَغرقُ
في همسِ الحكايا
تخرقُ الوحشةَ المُختبِئةَ
كالجُرْذانِ في زوايا البيت
وتتسرَّبُ إلى جثثِ الشّيوخِ
وتنتصبُ كالزّوبعةِ
في ذاكرة الصّغارِ .
لهفتُكِ تبتكرُ أبجديَّةً جديدة
وسؤالكِ يَمرُّ كالغُصَّةِ في حلقي
أرى الحنينَ يذوبُ في صوتِكِ،
يُولَدُ رحيقاً كالجنينِ
المُنتظِرِ ولادةً عَجلى
في كلِّ شهقةٍ أتنفَّسُ صوتَكِ
الحاضرَ في ذاكرتي
أقطفُ رائحةَ لغوِكِ الجميلِ في أُذني
وأمضي كالمُتسوِّلِ،
مُتفسِّخَ القدمين.
أتوهُ في دُجاكِ الكثيفِ،
أتلمَّسُ شعاعَ ضوءٍ
يَخطرُ ببالي أنْ أمسكَ اللحظاتِ
وأنهضَ من جرحي واقفاً
تخترقني بقايا أغانٍ
تحتَ أهدابِكِ،
تلعبُ بيقيني
شراعٌ بلا أجنحةٍ يطيرُ في الفضاء
يسري بي في مَلَكوتِ الضَّياع
يرسُو على ضفَّةٍ؛
تنسجُ حجارتَها جداراً في وجهي
تُهاجِرُ الشُّطآنُ عن مَدائني الحالمة،
وتَغرقُ في لُجَّةٍ
تمُدُّ أذرُعَها من حولي
تقتلُ الرَّجاءَ في لقائكِ
أُتمتمُ أغنيةً للأوجهِ المُتعبَهْ
وأغيبُ عن عالمي،
أَتوهُ في دوَّامةٍ
بوسعِ المدى الفسيحِ
مُرتجِفاً أُكاشفُ الظنَّ
على سجادة الصَّلاةِ
أُعاودُ الغناءَ من جديدٍ ..
لا صدًى لصوتي،
ولا صوتَ لغنائي
رأيْتُ الفجرَ يُجاهدُ الانعتاقَ
من جَبينِ اللّيلِ المَقصوصِ ذؤابتُهُ
يُخبِّئُ دمعتَه بمِنديلٍ
بلونِ النَّهار
يَموجُ السَّرابُ أمامَ ناظريَّ
لا أَستبينُ شيئاً
سوى دجًى مُتعَبٍ
يتقدَّمُ مرتِّلاً صلاتَهُ
بخَوفٍ مُعلَّقٍ على
ياقةِ قميصهِ
مُردِّداً أغنيتي عن شموعِ الخضر
المُسافِرة في نهرٍ غريبٍ
بلا اسمٍ
أو هويَّة.
ضجرْتُ من نفسي
من انتظاري لكِ،
من شوقي لرؤياكِ
من قلادتي التي أضعْتُها
في ساقية القرية.
أيقظتْني شَهوةٌ
تسألني عنكِ
وأدْتُها، مُقفِلاً ذاكرتي،
لن أعودَ ...
لن أعودَ ...