السبت ١٥ آب (أغسطس) ٢٠٢٠
بقلم محمد زكريا توفيق

الإيمان في مواجهة الإلحاد

في عام 1811م، نشر أحد طلبة جامعة أكسفورد، كتيبا بعنوان "ضرورة الإلحاد". هذا الطالب هو الشاعر الإنجليزي "بيرس شيلي". فكرة شيلي هي أننا لسنا ملتزمين بالإيمان وفكرة وجود الرب، ولسنا ملزمين بحضور قداس الأحد الممل. لأنه لا يوجد برهان أكيد على وجود الرب. ثم قام شيلي بتحدي القراء لكي يثبتوا عكس ذلك، إن استطاعوا.

على الفور، طلب منه أولي الأمر الامتثال أمام مجلس تأديب الجامعة، لكنه رفض الحضور والإجابة على أسئلتهم، فقام المجلس بفصله وحرمانه من التعليم جزاء وفاقا. بمعنى أن العقاب كان في حجم الجريمة. وعلى شيلي أن يشق طريقه في الحياة وحده لكي يصبح أهم وأفضل الشعراء الرومانسيين الإنجليز.

بعد ذلك بقرنين من الزمان، قامت نفس الجامعة بإقامة تمثال، لأيقونة الشعراء الغنائيين، شيلي، وأصبحت آراؤه وأشعاره شائعة وسط العالم الثقافي كله.

ريتشارد دوكينز، كون ثروة كبيرة، بينما كان يشغل أستاذ كرسي بجامعة أكسفورد، من تبنيه لأفكار شيلي ودفاعه عن الإلحاد. كما أن كل الحضارات، كان بها الآلاف ممن يعتقدون أن الأديان تتعارض مع العقل والعلم، وأن الأديان هي سبب تأخر الإنسان حضاريا وأخلاقيا، وسبب جهله ومرضه وفقره وتعاسته. ستة بالمئة من البريطانيين، هم فقط من يحضرون قداس الأحد. فهل انتصرت الإلحاد على الفكر الديني؟

لقرون عديدة، كان هناك من يتنبأ بنهاية الدين والتدين. في بداية القرن الثامن عشر، تنبأ ولستون في إنجلترا بأن المسيحية ستشهد نهايتها قبل حلول عام 1900م.

بعد ذلك بنصف قرن، كتب فريدريك الأكبر إلى صديقه الفيلسوف الفرنسي فولتير يخبره بأن ولستون كان مخطئا، لأن المسيحية سوف تسقط قبل ذلك التاريخ. فأجابه فولتير، النهاية ستحدث قبل مرور 50 سنة فقط. في عام 1882م، أعلن الفيلسوف نيتشه موت الرب، وقال قولته الشهيرة: "لقد قتلناه".

أبو الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، تنبأ أيضا بأن الدين بصفة عامة سوف يختفي من الوجود قريبا، ثم كتب في وصيته يطلب أن يقوم بتربية ابنه، في حالة وفاته، شخص ملحد بعيدا عن التدين كل البعد.

كل هذا بدأ مع عصر الأنوار الأوروبي. في عام 1762م، كان الفيلسوف البريطاني، دافيد هيوم، يتناول العشاء على مائدة الفيلسوف الفرنسي، البارون دهولباخ، في منزله بباريس. نظر هيوم إلى المدعوين للعشاء ثم قال إنه يشك في وجود ملحدين حقيقيين على المائدة. فأجابه البارون بما يفيد أن من بين الحضور الثمانية عشر، خمسة عشر ملحدين، والثلاثة الباقون لم يستقروا على رأي بعد.

فولتير كان يكتب على خطاباته جملته الشهيرة "اسحقوا سيء السمعة"، ويقصد الدين. ثم أصبحت جملة شائعة بين كل المفكرين الفرنسيين أثناء الثورة الفرنسية، يتداولها المثقفون على المقاهي وفي الصحف والمجلات والمنشورات.

فلسفة المقاهي ابان الثورة الفرنسية، كانت تستخدم كل ما لديها من أسلحة لسحق هذا الشيء سيء السمعة. وكان أسلوبهم، هو الهرب للمعرفة الكلاسيكية القديمة، واللجوء للعلوم الحديثة. بذلك، يسترد الإنسان ثقته في عقله، وفي نفسه.

ثقة الإنسان في عقله، أعطته الأمن والرفاهية. البديل لاستخدام العقل، هو الخرافات والخزعبلات والتعصب، الذي ينتج الحروب والشقاء. في عام 1784م، قام الفيلسوف عمانويل كانط بتعريف عصر الأنوار، بأنه عصر "الجرأة على المعرفة". عصر التخلص من أغلال الماضي.

اجعل مصيرك في يديك. تشجع على استخدام ملكاتك. الأهم من هذا وذاك، هو أن ترفض الخرافات والتعصب، اللذان يتحدان لكي يقتلا العقل ويسفكا الدماء في كل مكان وكل زمان.

ثقة الإنسان في نفسه، تجعله يرفض الشعور بالذنب والرعب المصاحبان للتدين. على الإنسان أن يتحرر من الفكر الظلامي لرجال الدين والعبودية للحكام.

ثقة الإنسان في نفسه، تجعله يؤسس علومه على قواعد سليمة، ويبني أخلاقياته على قيم إنسانية نبيلة من الشفقة والرحمة، بعد اختبارها للتأكد من فائدتها للفرد وللمجتمع.

إدوارد جيبون، مؤلف كتاب "تاريخ أفول الدولة الرومانية"، كان يسخر من القديس سمعان العمودي، الذي عاش أكثر من 30 سنة فوق عمود ارتفاعه 74 قدما على مساحة 4 أقدام مربعة.

فولتير، أيضا كان يسخر من خرافة المعمودية. كتب يقول إنها فكرة غريبة، أن تغسل الماء كل هذه الجرائم والذنوب.

النظام الملكي القديم في فرنسا كان يعتمد على ثلاث أعمدة. الكنيسة الكاثوليكية، الطبقة الأرستوقراطية، والملكية. الكنيسة كانت أغنى مؤسسة في البلاد. دخلها من العشور وما تمتلكه من عقارات.

نفوذ الكنيسة وسلطاتها كانت طاغية، تشمل كل الأنشطة فيما عدا التعليم. ملوك فرنسا عند تتويجهم، كانوا يتقلدون سيف شارلمان، ويلتزمون بحماية الكنيسة، إلى جانب حمايتهم للأرامل والأيتام.

الثورة الفرنسية بدأت في مهاجمة الكنيسة لوقوفها إلى جوار الملك. ثم تحولت إلى الخطاب الديني ورجال الكنيسة. ديدرو كان يقول: "إن الإنسان لن يصبح حرا إلا بعد شنق آخر دكتاتور بأمعاء آخر كاهن."

في عام 1790م، ألغى الثوار الأديرة التي ليس لها فائدة، ثم قاموا بالتخلص من معظم الرهبان بإرسالهم خارج البلاد. الحلاقون والخياطون كانوا يعملون ليل نهار لتحويل الرهبان إلى مواطنين عاديين. ثلاثة أرباع الأساقفة وثلث رجال الدين هربوا من فرنسا. لم يتبق منهم سوى 150 رجل دين، بعد أن كان عددهم 40 ألف.

غالبية الثوار الفرنسيين كانوا يكرهون الكنيسة الكاثوليكية. لكن بعضهم كان يعتقد أن الدين، إذا نزعنا منه الخرافات والدجل، ربما يكون له فائدة اجتماعية.

روبسبير، قام باختراع دين جديد، أسماه: "عبادة الكائن الأسمى." عبارة عن مزج أفكار الثورة الفرنسية بالديانة المسيحية. أخذ مزايا الدين وتخلى عن مثالبه. وبدلا من أن يُعمّد الطفل باسم الآب والابن والروح القدس، أصبح يعمد باسم الحرية والمساواة والأخوة. وهي شعارات الثورة الفرنسية.

في عام 1794م، فرض روبسبير عبادة الكائن الأعلى على الجميع وأصبح دين الدولة الرسمي. لكن نابليون كان أكثر واقعية. اعتنق الكاثوليكية، وعندما كان في مصر، ادعى أنه اعتنق الإسلام.

تحول الثوار من الدين، وهو عبادة الرب، إلى العلمانية، وهي تمجيد الإنسان. العلمانية، هي ديانة بدون إله، بدون طقوس، وبدون حياة بعد الموت. غزت الكرة الأرضية هي الأخرى. ولها أيضا مجاهدون وشهداء وقديسون.

قديسو العلمانية كثر. منهم فولتير وجان جاك روسو. اللذان نقل رفاتهما إلى البانثيون لكي يصبحا مزارين هامين للعالم الحر. وبات تاريخ الثورة الفرنسية أهم من تاريخ ميلاد المسيح.

لكن المحافظين في أوروبا، رفضوا إيمان فلاسفة التنوير المطلق بالعلم والعقل. بحجة أن ذلك قد أدى إلى الفوضى وإراقة الدماء والدكتاتورية.

ثم جاءت الرومانسية الألمانية لكي تعارض فلسفة التنوير برمتها. توماس كارليل كان يقول بأن العلمانية الرأسمالية، لم تنتج سوى مجتمعات قبيحة لا يربطها رابط سوى المادة والعملة النقدية.

شوبنهاور ونيتشه، هاجما فلسفة التنوير، أو الأنوار إن شئت، لاعتمادها المطلق على العقل والعلم فقط. نحن نحتاج إلى شيء آخر بجوار العلم. نحن نحتاج أيضا إلى الفن والأدب والشعر والموسيقى وقليلا من الجنون.

قامت الكنائس الأوروبية، في نفس الوقت، بمهاجمة القوى العلمانية الجديدة. عندما استرد ملوك البربون عروشهم في فرنسا، 1814-1830م، حاولت الكنيسة الفرنسية استرداد ما فقدته من نفوذ وثروات سابقة. كذلك الكنيسة الإنجيلية في بريطانيا العظمى في العصر الفيكتوري.

في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في أوروبا، يستمر عمالقة الفكر والقلم، في مسك المعاول لهدم الفكر الديني من أساسه. هيجل، الرجل الذي كان معروفا عنه أنه من أشد المدافعين عن الدين، يقول بأنه أصبح مقتنعا تماما بأن حكاية سير الرب على قدميه على الأرض، تفتح الباب لحجج العلمانية.

لودفيج فيورباخ (1804 – 1872م)، هو زعيم اليساريين وإمامهم بدون منازع. كتاب فيورباخ عن نقد الأديان، عبارة عن عكس لأفكار هيجل التي تدافع عن الدين على خط مستقيم. هيجل يقول إن الرب هو الذي خلق الإنسان. لكن فيورباخ يقول إن الإنسان هو الذي خلق فكرة الرب.

يعتقد فيورباخ أن هناك قيما عامة يتمناها كل إنسان. كل الحضارات، منذ فجر التاريخ، نجد فيها الإنسان يتشوق دائما للحق، والجمال، والعدالة، والقوة، والنقاء، إلخ. طبيعة الإنسان تتشوق لمثل هذه القيم النبيلة.

لكن مع مر العصور، هذه القيم التي يطلبها الإنسان، أصبحت غريبة عنه. وأصبحت تخص الإله وحده، الذي يطلب من الإنسان أن يضحي بكل شيء لديه لكي يتمجد الإله في الملكوت الأعلى.

يعتقد فيورباخ أنه طالما الإنسان في حالة اغتراب مع هذه القيم، لن يكتمل نموه كوجود. الإنسان، كما يقول فيورباخ، إله في حد ذاته. لكي يحقق الإنسان ذاته كإله، يجب أن ينفض عن كاهله، كل ماله علاقة بمفهوم الدين وفكرة الإله. طبعا كلام خطير جدا، لا يبعث البهجة في صدور رجال الدين المحترمين في بلادنا.

يقول فيورباخ، وهو هنا يأخذ الدين المسيحي كمثال، أن الإنسان يجب أن يمحو صورة العائلة المقدسة من فكره كلية لكي يعيش في سلام وسعادة ووئام مع عائلته على الأرض.

لأنه طالما نحن نحمل في رؤوسنا صورة هذه العائلة المقدسة، ستكون الحياة بالنسبة لنا، مجرد فترة اختبار وشقاء وعذاب.

العمال سوف تحضر قداس الأحد للبكاء وللاعتراف بخطاياها. تمتثل للبؤس كقدر محتوم، ثم تذهب إلى الخمارة لكي تنسى أجورها الضئيلة.

أما كارل ماركس، فيقول إنه لا يكفي محو صورة العائلة المقدسة، لكي تعيش العائلة الأرضية في سلام ووئام. لكن يلزم تغيير تركيبة العائلة الأرضية الأبوية الذكورية، التي تعكس التركيبة الأبوية الذكورية للمجتمع، حتى تختفي فكرة العائلة المقدسة من حياتنا.

ثم قال ماركس قولته الشهيرة: "ليس من واجب الفيلسوف أن يفسر العالم بطرق مختلفة. وإنما واجبه هو العمل على تغيير هذا العالم".

لسنا في حاجة لإلغاء الدين، كما يقول ماركس، إنه ببساطة سوف يذوب ويختفي من نفسه. لأن الدين ليس هو سبب اغتراب الإنسان عن قيمه. إنما هو مظهر من مظاهر الاغتراب والبؤس والشقاء.

مقولة ماركس "الدين أفيون الشعوب"، دائما تفهم بالمعنى الخطأ. ما يعنيه ماركس هو أن الدين بالنسبة للإنسان هو مجرد تأوهات مظلوم وزفرات مقهور في هذا العالم الظالم الذي لا قلب له. الدين عبارة عن روح من لا روح له. الدين أفيون الشعوب، تعني أن الدين هو الدواء والمخدر الذي يخفف من آلامهم.

التحدي الحقيقي للدين، لا يأتي من الفلسفة وفلسفة التنوير والعلمانية على وجه الخصوص، ولكن يأتي من العلوم، من نظرية التطور لداروين. لم يعد تفسير الدين لنشأة الحياة وخلق الكون مقنعا لأحد.

نظرية التطور يمكن أن نقسمها إلى جزئين. الجزء الأول يقول بأن كل الأحياء على هذا الكوكب تربطهم صلة قرابة. كلنا أقارب، أهل وحبايب. كل نوع من هذه الأحياء، جاء من أحياء سابقة، يمكن أن تكون قد انقرضت منذ مدة وأصبحت في خبر كان. عملية الخلق والفناء مستمرة تحدث طول الوقت.

الجزء الآخر من نظرية التطور، يبين كيف تتغير الأنواع مع الزمن، حتى تستطيع المواءمة مع البيئة ومواصلة الحياة. هذه المواءمة تستخدم أسلوب أو مبدأ "البقاء للأصلح".

لكن نظرية داروين بشقيها قابلت منذ نشرها، معارضة شديدة من جميع المحافل والمراكز والفرق الدينية. حتى الجزء الثاني للنظرية، البقاء للأصلح، واجه هو الآخر معارضة شديدة من بعض العلماء.

الفكر الديني يعارض نظرية التطور من منطلق ديني بحت. كيف يساوي داروين بين الإنسان والحيوان، بينما الكتب المقدسة تفرق بين الإنسان والحيوان.

الإنسان بالنسبة للفكر الديني، له روح خالدة، بعكس الحيوانات والحشرات. التي تفنى أرواحها بمجرد موت أجسادها. البعث والحياة الأخرى والثواب والعقاب تكون فقط للإنسان. لماذا؟ لا أدري. آسف كلبي العزيز، ليس لك مكان في العالم الآخر مع المؤمنين الأبرار.

ثم يأتي إعصار لا يقل قسوة عن نظرية التطور، نظرية سيجمان فرويد في التحليل النفسي.

نظرية فرويد في التحليل النفسي، ترتكز على دعامتين: العقل الباطن، بمعني العقل غير الواعي، ومشاكل الجنس عند الأطفال. هذه المفاهيم ليست من اختراع فرويد.

يمكننا أن نجد آثارها عند أفلاطون وعند مفكري العصر الوسيط وعصر النهضة، وفي شعر الرومانسيين وعند فلاسفة القرن التاسع عشر، شوبنهاور ونيتشه وغيرهم.

لكن فرويد، كان أول من استخدم هاتين الدعامتين لبناء صرح متكامل من العلوم النفسية، اسمه: علم النفس التحليلي. ولننظر الآن كيف فعل ذلك؟

يقول فرويد أن معظم غرائز الإنسان تتعارض مع قيم المجتمع الذي يعيش فيه. الحشرات التي تعيش في مجتمعات مثل النمل والنحل، لها غريزة اجتماعية، تجعل الأفراد ترتبط بعشها، وتقسم العمل، وتمنع التنافس والقتال فيما بينها، وتجعلها تدافع وتبذل حياتها لحماية عشوشها وأخواتها، إلخ.

لكن الإنسان ليست له مثل هذه الغريزة الاجتماعية. الغرائز التي لديه، تشمل: غريزة طلب الغذاء، وغريزة طلب الجنس، والغريزة العدوانية.

غرائز الإنسان هذه، قد تكون كافية لحياته بمفرده في الغاب، عندما كان جدودنا الأولين، يجرون عرايا في غابات السافانا شرق أفريقيا. محاطين بحيوانات تصلح للصيد والأكل، ونباتات وفاكهة وجذور، هي الأخرى تصلح للأكل.

لكن عندما شح الغذاء بسبب تغير المناخ، كان عليه، لكي يواصل الحياة، أن يعيش في مجتمعات صغيرة. لزوم التعاون لصيد الحيوانات الكبيرة التي لا يقدر على صيدها بمفرده.

الحياة في المجتمعات، يلزمها التضحية بعض الشيء. الغرائز الموروثة عند الإنسان، لا يمكن الغاؤها. لكن يمكن كبتها والسيطرة عليها أو تأجيلها.

السيطرة على الغرائز البدائية، هو ما يعرف عند فرويد بالحضارة. تظهر فيما نسميه بالقانون والعرف والحب والتعاون والعائلة والصداقة وتقسيم العمل، إلخ.

الحياة في المجتمعات، هي المسؤولة عن تكوين ما أسماه فرويد ب: "الأنا". الأنا يأتي من "الهي". أي يأتي من الغرائز البهيمية. الأنا لا يمكنه السيطرة والتحكم في الغرائز، لأنه يأتي منها. لذلك جاء فرويد بمصطلح الأنا الأعظم، وهو بمثابة الضمير عند الإنسان.

لكن الغرائز أو "الهي"، يواصل وظيفته القديمة منذ الأزل في طلب المتعة التي يجدها في الطعام والجنس والرغبة في العنف. في وجود "الأنا الأعظم"، ليس أمام "الهي" سوى تحويل هذه الغرائز إلى مجرد رغبات. رغبات جنسية ورغبات عدوانية.

غالبا ما تكون في بداية الطفولة، موجهة إلى أفراد من العائلة. لأن هؤلاء هم أول من قابلهم وتنبه لوجودهم. الابن يميل إلى والدته، والابنة إلى والدها. هذا ما أسماه فرويد ب"عقدة أوديب" عند الرجل، و"عقدة إلكترا" عند المرأة.

وظيفة رقابة "الأنا الأعظم"، هي تحرير العقل الواعي من هذه الرغبات أو التجارب المؤلمة التي تنتابه من حين لآخر. لكي يستطيع أن يقوم بوظائفه الحياتية بيسر وسهولة.

أي واحد يمر بتجربة فقد عزيز أو فشل في حب، يعرف مقدار الحزن والألم الذي تسببه هذه الفواجع، ويعرف مدى تأثيرها على نشاطه وحياته وسلوكه.

هذه الذكريات الأليمة المدفونة في العقل الباطن، والتي لا يتذكرها العقل الواعي، ليست بدون تأثير. فهي قد تشكل سلوك الفرد وتتحكم في قراراته وفيما يحب ويكره دون أن يدري.

الطفولة عند فرويد مليئة بالعقد النفسية والرغبات المكبوتة الجنسية وعقدتي أوديب وإلكترا. وهو مفهوم يتعارض مع مفهومنا للطفولة البريئة النقية التي لا تشوبها أي علاقة جنسية من قريب أو بعيد.

ليست فقط الرغبات والذكريات والتخيلات، تكبت في العقل الباطن، ولكن الشعور بالذنب المتولد عن "الأنا الأعظم"، هو الآخر يمكن أن يكبت. العقل الواعي لا يمكنه العمل بكفاءة، طالما يتعرض لمضايقات مستمرة في صورة الإحساس بالذنب. الإنسان ليس حرا، وإنما أسير عقله الباطن وتربيته وذكريات طفولته.

ثم يأتي فرويد لكي يدلي بدلوه، أو بالأصح لكي يعمل معوله في هدم الدين، وكأننا ليس لدينا ما يكفي. يقول فرويد إن الدين هو عبارة عن عدم نضوج في الشخصية. ينحدر ويقل تأثيره كلما زادت معارفنا وثقافتنا.

في كتابه بعنوان "مستقبل الوهم"، يقول فرويد إن الدين عبارة عن مرض نفسي وداء يعاني منه المجتمع. يشبه فرويد الهوس العصابي الذي يصيب المرضى بالهوس الذي يصيب المتدينين، ويظهر في ممارستهم للطقوس الدينية. أليست داعش وأخواتها دليلا على ذلك؟

يقول فرويد بأن الإيمان بالرب، هو دليل على عقدة الأب التي تصيب الإنسان. يؤمن الإنسان بالرب لأنه لا يستطع التغلب على إحساسه وهو طفل بفقد الأب العظيم القادر على كل شيء.

لكي تكون رجلا متدينا، يعني أنك لازلت واقعا في فخ الطفولة ولم تفطم بعد. تعيش في وهم حماية الأب القادر، وترفض أن تكبر وتنضج. يقول فرويد إن فقد الإيمان هو جزء ضروري للنضوج الإنساني.

لكن، هل مقولة "إذا الإيمان ضاع، فلا أمان" التي غنتها أم كلثوم في حديث الروح لمحمد إقبال، صحيحة؟ وإذا ضاع الإيمان، فما هو البديل؟ وهل هذا ممكن؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى